حمزة كرمون تعد العلاقات المغربية الأوروبية الأكثر تطورا بين البلدان الاورومتوسطية، و خير دليل على ذلك الوضع المتقدم الذي حظي به المغرب منذ سنة 2008، والذي يروم تقوية الشراكة بين الطرفين في شتى المجالات. و يعد قطاع الصيد البحري من بين أهم مجالات هذه الشراكة وأكثرها تطورا، لكن المتابع لتاريخ اتفاقيات الصيد البحري بين المغرب و الاتحاد الأوروبي, يجدها موسومة بشد و جذب و توتر مستمر، يشتد و يخبو متأثرا في ذلك بمجموعة من المتغيرات. في الآونة الأخيرة، عاد ملف الصيد البحري إلى الواجهة من جديد ليسجل حلقة أخرى في مسلسل العلاقات المتوترة في هذا المجال بين المغرب و الاتحاد الأوروبي، فقد قام البرلمان الأوروبي مؤخرا بالتصويت على عدم تمديد العمل بروتوكول الصيد الموقع بين الطرفين. من بين المبررات التي تم سياقها في هذا الإطار أن البروتوكول يعد عبئا ماليا على بلدانهم في ظل الأزمة المالية الخانقة، كما استندوا في قرارهم على أن المغرب لم يفي بالتزامه بالقيام بتنمية قطاع الصيد البحري بشكل تستفيد منه الساكنة المحلية للمناطق المعنية بتطبيق الاتفاقية في مياهها الإقليمية، بالإضافة إلى الأثر البيئي السلبي للاتفاق الناتج عن الاستغلال المفرط للثروة البحرية. لكن هناك من يرى أن الأمر اكبر من ذلك بكثير، فيجعل القرار مرتبط مباشرة مع ملف الصحراء الغربية وما يفترض انه استغلال مغربي لهذا البرتوكول بغية ترسيخ سيادته على تلك المنطقة، وذلك عن طريق تشديده على إلزامية أن تدخل سواحل الصحراء الغربية ضمن بنوده. فما هي إذا الأسباب الحقيقية لعدم تجديد بروتوكول الصيد البحري بين أوروبا و المغرب ؟ و ما هي مبررات ردة الفعل المغربية الشديدة اللهجة في أعقاب هذا القرار؟ و هل ينذر ذلك بأزمة دبلوماسية بين الطرفين تصل إلى حد إعادة النظر في مجمل العلاقات بين الطرفين؟ الخلفية التاريخية لاتفاقيات الصيد البحري الموقعة بين المغرب و الإتحاد الاوروبي تاريخ اتفاقيات الصيد البحري بين المغرب وإسبانيا يقودنا بشكل تلقائي إلى مسلسل استرجاع السيادة المغربية على بعض المناطق المحتلة سابقا من طرف الاسبان، فاسترداد كل بقعة من هذه الأراضي كان يتم بشكل متزامن مع التوقيع على اتفاقية للصيد بين الطرفين، و نظرا للطبيعة السياسية لهذه الاتفاقيات فقد كانت تشوبها العديد من الاختلالات لمصلحة الجانب الاسباني. هكذا و على سبيل المثال احتوت اتفاقية مدريد الثلاثية الموقعة في 14 نونبر1975 و التي تخلت اسبانيا بموجبها عن إدارة منطقة الصحراء الغربية لمصلحة المغرب و موريتانيا، على بند سري متعلق بالحصول على امتيازات واسعة لاستغلال خيرات المنطقة البحرية، و مرة أخرى و نظرا للطابع السياسي للاتفاق، كانت شروط الاستغلال مجحفة في حق الخيرات البحرية للمنطقة بل و كانت تهدد بانقراض بعض الأنواع من الأسماك. علاقة المغرب و الإتحاد الأوروبي في مجال الصيد البحري بدأت مع انضمام إسبانيا و البرتغال للإتحاد سنة 1986 . منذ توقيع أول اتفاق للصيد اتسمت العلاقة بين الطرفين بالتوتر بسبب أبعاد الملف السياسية و التي تتجاوز من بعيد الميدان الاقتصادي الصرف. من كل هذا يمكننا القول أن المغرب تعود على استغلال ملف الصيد البحري كورقة ضغط و مقايضة مقابل الحصول على امتيازات سواء سياسية أو اقتصادية. قرار عدم تمديد العمل ببروتوكول الصيد البحري: مبررات ظاهرية و دوافع خفية ظاهريا و حسب البرلمانيين الأوروبيين فإن مبررات قرار عدم التمديد يرجع إلى ثلاثة أسباب : أولا: البعد البيئي، و هو الجانب الذي يقود حملة الدفاع عنه الحزب البيئي الأوروبي، حيث انه يعترض بشدة على الاستغلال المكثف من قبل السفن الأوروبية لاحتياطي السمك داخل المياه الإقليمية المغربية. ثانيا: اقتصادي، في ما يخص هذا المجال كان المبرر أن الإتحاد الأوروبي لا يستفيد اقتصاديا من الاتفاق، حسب تقرير اللجنة البرلمانية للموازنة، فمقابل كل يورو يدفعه لا يحصل إلا على 83 سنت. ثالثا: اجتماعي، الساكنة المحلية في الأقاليم الصحراوية لا تستفيد من العوائد المادية لهذا الاتفاق. مما يحيلنا على الشق القانوني للموضوع حيث أن استغلال الثروات الطبيعية لمنطقة الصحراء الغربية يثير الكثير من الجدل، حسب القانون الدولي, واعتمادا على مقتضيات الفصل 73 من ميثاق الأممالمتحدة تعتبر الصحراء الغربية منطقة غير خاضعة للحكم الذاتي، و من جهة أخرى وحسب رأي المستشار القانوني لمنظمة الأممالمتحدة هانس كورنيل أي عملية استغلال لثروات الصحراء الغربية يجب أن تستفيد الساكنة المحلية من عائداتها المادية و هو الشيء الذي أكدته الدائرة القانونية للبرلمان الأوروبي في قرارها الصادر في مايو 2009. و بالتالي فإن المغرب غير مخول لاستغلال الثروات الطبيعية المتواجدة بهذه المنطقة. لكن ما يدعوا إلى التساؤل هو كون كل هذه المبررات التي سيقت من طرف البرلمان الأوروبي لتبرير قراره موجودة و معلومة من الجميع و مند مدة، و مع ذلك كان يمدد و يجدد الاتفاق تلو الآخر، مما يدفعنا للجزم بأن ما تم سياقه من مبررات لا تعدوا عن كونها سحابة مصطنعة لتغطية السبب الحقيقي الذي يقف وراء هذا القرار. فما هو هذا الدافع إذن؟ من أجل ذلك سيكون من ا لمهم و المنطقي أن نتساءل عن المستفيد من هذه الاتفاقية؟ من المستفيد و من الخاسر من اتفاقية الصيد ؟ على هذا المستوى يجب أن نقوم بالفصل بين الربح الاقتصادي والاستفادة السياسية. اقتصاديا و إذا استثنينا البحّارة الأسبان و البرتغال فالإتحاد الأوروبي ككل يخسر أكثر مما يستفيد من هذا الاتفاق حسب تقرير اللجنة البرلمانية للموازنة السالف الذكر. من الجانب المغربي نلاحظ نفس الشيء تقريبا حيث أن مبلغ 36 مليون يورو الذي تدفعه أوروبا مقابل الصيد بالمياه المغربية هو أقل بكثير من القيمة الفعلية لهذه الثروة السمكية، فعلى سبيل المثال موريتانيا تحصل على ضعف المبلغ مقابل الترخيص للسفن الأوروبية بالصيد في مياهها الإقليمية التي هي أقل بكثير من نظيرتها المغربية. و تكون الخسارة اكبر بكثير إذا أخذنا بعين الاعتبار فرص الربح التي يفوتها المغرب على نفسه في حالة ما إذا قام هو بإمكانياته الذاتية واعتمادا على قطاع الصيد المحلي باستغلال ثروته البحرية و من ثم إعادة تصديرها إلى الخارج. إذا كان لا المغرب و لا الإتحاد الأوروبي يستفيدان فعليا من الناحية الاقتصادية من هذا الاتفاق، فما هي إذن الرهانات الحقيقية وراء هذا الاتفاق؟ الشيء الذي يقودنا إلي الشق السياسي، إذا كانت الدوافع الاقتصادية، البيئية و الاجتماعية السالفة الذكر قد لعبت دورا هاما في التصويت ضد تمديد العمل باتفاق الصيد البحري، إلا أن المحرك الحقيقي الذي يقف وراء استصدار هذا القرار يبقى بالدرجة الأولى ذو طابع سياسي صرف. في الواقع، المغرب لم يكن أبدا راغبا في تمديد العمل باتفاق الصيد عندما انتهت مدة صلاحية هذا الأخير في فبراير الماضي، و هذا كان موقفه في كل مرة كان يحين فيها موعد تجديد اتفاق الصيد البحري بين الطرفين. لكن إذا كان المغرب يرضخ في كل مرة لتجديد اتفاق غير متوازن، بل و مجحف في حق ثروته السمكية، فذلك بالتأكيد ليس بدافع الربح المادي و إنما عندما يقوم الطرف الأوروبي بالمصادقة على الاتفاق فهو يعترف ضمنيا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. إذن هكذا تصبح الصفقة واضحة، السمك مقابل الاعتراف بالسيادة الكاملة للمغرب على أراضيه. هل يعيد المغرب مراجعة علاقاته الخارجية مع الاتحاد الأوروبي؟ العلاقة بين الطرفين كانت دائما موسومة بالتوتر والأزمات المتعاقبة، خصوصا في قطاع الصيد البحري، لكن ما يميزها هذه المرة هو الظرفية الإقليمية و الدولية، على اعتبار الحراك العربي و الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحت وطأتها مجموعة من الدول الأوروبية. كل هذه العوامل تعطي للتوتر الأخير بعدا آخر، وتضع المغرب في موقف قوة لأول مرة في إطار مفاوضاته مع الطرف الأوروبي. فهل يستغل المغرب هذه الفرصة التاريخية لفرض علاقة متوازنة تكون بمثابة سابقة في العلاقات بين شمال و جنوب البحر الأبيض المتوسط؟
في الماضي كانت المفاوضات محكومة بعقلية الابتزاز من الجانب الأوروبي، حيث كان يفرض مصالحه المتمثلة في تحرير التجارة في ما يخص المواد الصناعية والزراعية مقابل تقديمه لبعض التسهيلات الزراعية تحت نظام الحصص بالإضافة إلى غض النظر عن الموضوع الديمقراطي حسب ما يخدم مصلحته. حاليا الملف الديمقراطي خرج من إطار المفاوضات على اعتبار الإصلاحات الأخيرة التي جاءت في سياق الربيع العربي, و التي حظيت بالترحيب والإشادة من طرف مختلف الدول الأوروبية، مما اضعف بعض الشيء الموقف التفاوضي الأوروبي لصالح الجانب المغربي، الذي أصبح باستطاعته استخدام الورقة الأمنية والهجرة غير الشرعية للضغط من اجل التسريع بتحرير التجارة في الميدان الفلاحي و الخدمات. رغم أن الاتحاد الأوروبي أبدى على لسان مفوضة الشؤون البحرية والثروة السمكية عن رغبة كبيرة في فتح مفاوضات من اجل توقيع اتفاق جديد ، إلا أن الموقف المغربي يضل يشوبه الكثير من الغموض بهذا الخصوص، بل أكثر من ذلك هناك إشارات إلى عدم رغبته في تجديد الاتفاق، مع إمكانية التوجه نحو حلول بديلة، حسب ما يقرأ من بلاغ وزارة الخارجية. فما هي إذن البدائل المطروحة أمامه في هذه الحالة؟ في هذا الصدد يمكننا أن نتكلم على نوعين من الحلول: الفئة الأولى باعتبارها بدائل حقيقية وهي إما داخلية، متمثلة في الاعتماد على الاستثمار الداخلي لتنمية قطاع الصيد البحري, معتمدا في ذلك على الموارد الذاتية، و هو ما صرح به الوزير المغربي في الفلاحة و الصيد البحري. أو خارجية و هي متمثلة في إيجاد شركاء جدد، من اجل تعويض الطرف الأوروبي و في هذا الصدد توجد العديد من الخيارات أمام المغرب، ربما أبرزها الولاياتالمتحدة، اليابان، روسيا أو حتى استراليا. الفئة الثانية و يمكن اعتبارها أوراق للضغط أكثر من كونها حلولا بديلة، على سبيل المثال: إمكانية الدخول في اتفاقيات ثنائية مع بعض بلدان الاتحاد الأوروبي و هي الرغبة التي أعلنت عنها صراحتا البرتغال على لسان وزير خارجيتها، مما قد يؤدي إلى تعميق الشرخ الذي بدأ في الظهور بسبب الأزمة الاقتصادية، هناك أيضا ضغط الصيادين الأوروبيين و خصوصا الأسبان و الذين يطالبون الاتحاد بصرف تعويضات عن الضرر الذي لحق بهم جراء عدم تمديد الاتفاق.