بدأت ظاهرة تجارة الرصيف أو مايعرف ب"الفراشة" أول مابدأت في الحدائق العامة وأمام المدارس وملاعب الكرة والمعارض ودور السنيما، وفي المواسم والمهرجانات الفنية والأسابيع الثقافية، ولم تكن تطرح إشكالا كبيرا، نظرا لقلة المتعاطين لها وعدم مساسها بحقوق أرباب المحلات التجارية، كما أن هذه الظاهرة لم تكن تكتسح الملك العمومي أو الشوارع ماعدا ماكنا نراه من باعة الفول والحمص أو باعة الحلزون، وأغلب هؤلاء كانوا يستعملون العربة ويقفون بعيدا عن طريق السيارات، لكن بمجئ الربيع العربي تهيأت الأجواء التي أدت إلى اكتساح الظاهرة لمجموعة من الشوارع بمختلف المدن المغربية. وسنعالج هذه الظاهرة من منطلق الحياد الذي يسعى إلى تحقيق المصلحة العامة، بعيدا عن الحسابات الضيقة والدعايات المغرضة التي تستند الى نوع من الميز الطبقي أو العنصري ، فتجارالرصيف فئة من المغاربة لهم الحق في العيش الكريم منهم آباء وأمهات ، وعدد لايستهان به من الأرامل والمطلقات، والمعطلين والمعطلات من حاملي الدبلومات والشهادات، والمطرودين من الشغل والمطرودات، والمعاقين والمعاقات، وغير هؤلاء ممن يصعب حصرهم، ومما لاشك فيه أن هذه الفئة أفرزتها عوامل اقتصادية واجتماعية نابعة من الواقع المغربي الذي يعاني من التخلف بمختلف أشكاله، لذا لاينبغي التعامل مع تجار الرصيف بطريقة إقصائية بل لابد من الحوار معهم والإنصات لهم وإنصافهم والاعتراف بحقهم في العيش الكريم، ولكن ليس على حساب أرباب المتاجر الذين يعانون هم أيضا من انعكاس آثار هذه الظاهرة على دخلهم إلى درجة أن من بينهم من أصبح دخله لايفي حتى بأداء واجب الكراء، بله المصاريف الأخرى، ومن بينهم من طالته الديون حتى صار يفكر في بيع "ساروت" متجره، والبحث عن مهنة أخرى يمكن أن تضمن له العيش الكريم . ومن الواضح أن ظاهرة تجارة الرصيف هي نتاج سياسات فاشلة تعاقبت على تسيير المجالين الإقتصادي والإجتماعي، فأسفرت عن ارتفاع نسبة البطالة ونسبة الهجرة من البادية إلى المدينة ، ، وغلاء أثمنة كراء الحوانيت وارتفاع أثمنة مفاتيحها أي ما يسمى ب(الساروت) ، ونهج سياسة القضاء على الأسواق الأسبوعية، هذا بالإضافة إلى الكساد الذي تعرفه السوق المغربية بسبب ضعف القدرة الشرائية. وفي انتظار حل جذري يقنن هذه الظاهرة وينظمها ويعترف بحقوق ممارسيها،ويعمل على تحويلهم إلى تجار عاديين تسمية وتشريعا ، نقترح الحلول التالية: - الحد من الهجرة إلى المدن بخلق فرص شغل في البوادي عن طريق تنميتها وتشجيع الاستثمارات المحلية بها . - نهج سياسة تشغيل فاعلة في القطاعين العام والخاص . - تأسيس أسواق أسبوعية في أماكن قريبة من المدينة ومدها بالطرق التي تسهل الوصول إليها . - بناء محلات تجارية بمساحات واسعة في أماكن رائجة وكراؤها لتجارالرصيف أوتفويتها لهم بأثمنة رمزية تدفع على أقساط ملائمة. - تنظيم معارض تجارية طويلة الأمد خاصة بتجار الرصيف - تأهيل تجار الرصيف من حملة الشهادات ممن لديهم رغبة في تغيير نشاطهم إلى مهنة أخرى من خلال تكوينات تمكنهم من العمل بالقطاع الخاص . وفي ظل غياب تقنين محكم لهذه الظاهرة يقع بعض تجار الرصيف في أخطاء كان بالإمكان تفاديها مثل عرض السلع في الطريق بطريقة غير منظمة، مما ينتج عنه كثرة الازدحام، وتهييئ الأجواء لظهور ظواهر سلبية كثيرة أبرزها اللصوصية والتحرش، و ترك النفايات والأزبال، والضوضاء الناتجة عن الصراخ والنداء لإشهار الأثمنة والتعريف بالسلع المعروضة، أضف إلى ذلك مكبر الصوت المستخدم من طرف بعض الباعة، كما أن الصراع حول المواقع قد يؤدي إلى نزاعات قد تفضي الى نهايات غير محمودة. ولابد من الإشارة إلى أن أرباب المتاجر لم يقفوا موقف الحياد من هذه الظاهرة، وكيف وهم يشكون من الكساد بسبب استحواذ تجار الرصيف على زبائنهم،ويعتبرون أنفسهم المتضررالرئيسي، ولذلك فهم يطالبون من خلال جمعياتهم بإيجاد حل لهذه الظاهرة وحسب قول بعض التجار فهم يعانون من إكراهات المنافسة غير المتكافئة التي يتعرضون لها من طرف تجار الرصيف الذين يخفضون أثمنة سلعهم لأنهم لايؤدون واجبات على تجارتهم، وهذا يؤدي إلى الإضرار بالتاجر الذي يؤدي التزامات مادية باهضة تتمثل في الضريبة والكراء والكهرباء والحراسة، لذا فهم يطالبون بحلول حاسمة، ويقدمون أنفسهم كطرف رئيسي في دعم كل المبادرات الرامية الى إيجاد هذه الحلول. ويصرح أحد تجار الرصيف- وهو معاق- أنه بسبب التضييق الذي تمارسه السلطات عليهم فقد تحول الوضع الإجتماعي لكثير منهم إلى وضع مأسوي، فقد أصبحوا بدون دخل ويعانون من العجز عن دفع إيجار المسكن وواجب الماء والكهرباء ، مما يحتم على الحكومة أن تعجل بإيجاد الحل ورد الاعتبار لهذه الفئة. ومن جهة أخرى يرى بعض أرباب المحلات التجارية أن من بين الأسباب التي أدت إلى تعقد الظاهرة عدم التزام بعض تجار الرصيف باستغلال الحوانيت التي قدمت لهم وإخلالهم بالاتفاق المبرم حول ذلك، بدعوى أن هذه الحوانيت تعاني من انعدام الأمن والماء والكهرباء والبعد عن الزبناء، مما أدى ببعضهم إلى إغلاقها أو اتخاذها مستودعات، والرجوع إلى ممارسة التجارة في الشارع العام من جديد .في حين يؤكد أحد تجار الرصيف أن تلك الحوانيت لاتفي بالمطلوب نظرا لصغر مساحتها وتواجدها في مواقع لايرتادها سوى القليل من الزبناء. وإذا أضفنا إلى ذلك تناسل الظاهرة، الذي يؤدي بين الفينة والأخرى إلى التحاق فوج جديد من تجار الرصيف بالشارع العام، وتحول أقلية من أرباب المحلات إلى ممارسة "الفراشة" باستغلال الملك العام الذي أمام متاجرهم أو كرائه لبعض تجار الرصيف، فإن الوضع سيبدو معقدا، ويحتاج من أجل حله إلى توفير شروط اجتماعية واقتصادية جديدة قادرة على امتصاص البطالة، وتوفير مناخ اقتصادي يتسع للجميع، تتم فيه المنافسة بشكل ديمقراطي قائم على احترام الحقوق الاقتصادية للآخرين. هكذا يبدو أن ظاهرة تجارة الرصيف أضحت إشكالية معقدة، وأن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية رغم أنها تستنفذ جهودا كبيرة من السلطة من أجل محاصرة تجار الرصيف ، في إطار لعبة الكر والفر التي تنهك الطرفين معا، وبالتالي تنعكس على أرباب المتاجر وتجار الرصيف نفسيا واقتصاديا، لذا فإننا ندعو إلى تنظيم مناظرة وطنية تقوم بدراسة هذه الظاهرة، وتطرح الحلول المعالجة لها، على أن تخرج بتوصيات تعمل الحكومة على تطبيقها من أجل غد اقتصادي مشرق لتجار الرصيف وأرباب المتاجر والزبناء على السواء.