لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    توقيف سائقي سيارتي أجرة بمدينة طنجة بسبب القيادة بشكل متهور قرب المطار    *بعيدا عن المنطق الاقتصادي: الأسرة تآلف بين القلوب لا تخاصم بين الجيوب    وزارة النقل تؤجل تطبيق معيار "يورو6" على بعض أصناف السيارات    بوطوالة: الأزمة السورية تكشف عن سيناريوهات مأساوية ودور إسرائيل في الفوضى    الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن هجمات جديدة ضد إسرائيل واستهداف مطار تل أبيب    وليد كبير: الرئيس الموريتاني يستبق مناورات النظام الجزائري ويجري تغييرات في قيادات الجيش والمخابرات    أمريكا: روسيا وراء إسقاط طائرة أذربيجانية    خطة استبقاية قبل ليلة رأس السنة تُمكن من توقيف 55 مرشحاً للهجرة السرية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب من السبت إلى الإثنين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    الحكومة ترفع الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء المضيق    استعدادا لرحيل أمانديس.. مجلس مجموعة الجماعات الترابية طنجة-تطوان-الحسيمة للتوزيع يعقد دورة استثنائية    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    الجولة 16 من الدوري الاحترافي الأول .. الرجاء يرحل إلى بركان بحثا عن مسكن لآلامه والجيش الملكي ينتظر الهدية    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته ضد الرجاء    منظة تكشف عدد وفيات المهاجرين بين طنجة وإسبانيا خلال 2024    بقنبلة زُرعت في وسادته.. إسرائيل تكشف تفصيل عملية اغتيال إسماعيل هنية    الرئيس الألماني يعلن حل البرلمان ويحدد موعدا لإجراء انتخابات مبكرة    رفض دفوع الناصري وبعيوي يثير غضب المحامين والهيئة تستمع للمتهمين    صديقة خديجة الصديقي تعلن العثور على والد هشام    هل يُجدد لقاء لمجرد بهاني شاكر التعاون بينهما؟    بلغ 4082 طنا.. جمعية تشيد بزيادة إنتاج القنب الهندي المقنن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الحكمة المغربية بشرى كربوبي تحتل الرتبة الخامسة عالميا والأولى إفريقيا    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    حضور وازن في المهرجان الدولي للسينما و التراث بميدلت    فنانات مغربيات تتفاعلن مع جديد مدونة الأسرة    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    دوري أبطال افريقيا: تحكيم بوروندي لمباراة الجيش الملكي ومانييما أنيون الكونغولي    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    غوارديولا يتحدث عن إمكانية عقد صفقات جديدة في يناير    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    نواب كوريا الجنوبية يعزلون رئيس البلاد المؤقت    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغربية الصحراء وامتحان التاريخ
نشر في أخبارنا يوم 23 - 12 - 2015

كثيرة هي ومتعددة المناسبات الوطنية كعيد الاستقلال 18 نوفمبر من كل سنة أو عيد المسيرة الخضراء 6 نوفمبر.. التي ترتفع فيها أناشيد وطنية حماسية, تقشعر لها الأبدان ,وتلهب فيها الحمية الوطنية, يحضر فيها الكثير من الحماس وترتفع فيها الأصوات, وتشتد فيها المرافعات ,ويختلط فيها التاريخي بالسياسي.

مختصر الكلام فيها "الصحراء مغربية من طنجة للكويرة" شعار بقضية إنه هم أمة .حصل ويحصل فيها إجماع وطني ,لا يختلف فيه المحافظ والحداثي, ويتلقفه الشيخ والصبي ,المثقف والأمي .لكن هل كل ما يقال وإن سلمنا بسلامته يصمد أمام البحث التاريخي الموضوعي ؟

الله لا يعبد عن جهل.. كذلك هي الأوطان لا تبنى بالخطب الحماسية بل الخطط الخماسية! ولا تبنى بالبحث عن متآمرين خارج الحدود بل بالنظر في مرأة ذواتنا والاعتراف بأننا مقصرين في حق قضيتنا الوطنية وانجازاتنا في الغالب ردود أفعال مرتبطة بموقف دولة أو قرار محكمة كما وقع مؤخرا .

قضيتنا الأولى يجب علينا أن نبدع في تسويقها عربيا ودوليا ,بل ووطنيا حتى نضمن متانة القواعد وننتج دبلوماسية موازية, قد تقدم في عصر الانترنيت والعولمة ما عجزت عنه وزارة الخارجية ,لأن معركة استكمال الوحدة الترابية للمملكة أكبر بكثير من شعارات مناسبتيه.

لاسيما وأن علاقتنا بالشعارات الجوفاء منذ نكبة1948 ليست على ما يرام فقد جربناها ذات يوم, يوم كان النفس القومي العروبي مرتفعا "أمة واحدة ذات رسالة خالدة " فلسطين عربية من البحر إلى النهر" فتشتت الأمة وضاعت, وضاع الأقصى المبارك, كذلك بلاد الرافدين والشام بل قسم السودان ؟؟ وهو الأمر الذي لا نريده أن يتكرر مع العيون وبوجدور والداخلة وغيرها, فمعركة فلسطين العربية ومعركة الصحراء المغربية لا تفاضل فيها ولا ترتيب ,هي معركة جيل وأمة حالمة بالتحرر واستكمال الأرض و مؤسسات الدولة .

" الصحراء مغربية من طنجة إلى الكويرة " هكذا نقول نحن المغاربة ..فماذا يقول الواقع التاريخي قبل أن ينطق القانون الدولي في شخص محكمة العدل الدولية بلهاي؟ لتسترجع الأرض من الإسبان وتنطلق المسيرة الخضراء1975 , وتحول الصحراء إلى واحة متمدنة قادرة على تسيير ذاتها بذاتها في إطار الحكم الذاتي كشكل من أشكال تقرير المصير.

أطمأن القارئ الكريم لن نغرق في التاريخ القديم والوسيط حتى لا نتيه مع الزمن, ويمكر بنا التاريخ من جهة ومن ,أخرى فالمغرب خلال هذه العصور كان يضم دولا قائمة بذاتها الان ناهيك عن منطقة الصحراء التي لم تكن مطروحة ولا كان متوقعا أن يشكك ذات يوم في مربيتها أصلا.

على كل حال ب "البيعة".. ولقرون عدة حكمت إمبراطوريات مغربية البلد , اتخذت من فاس ومراكش ..عواصم لها, دول امتدت من مالي حاليا جنوبا حتى جانبت مصر غربا ,في حين امتدت شمالا إلى جنوب إسبانيا (الأندلس), مساحة شاسعة تزيد وتنقص حسب الوضع الداخلي والتحدي الخارجي, فنال الزمن من دولة المغرب قرنا بعد اخر حتى أصبح على ما هو عليه اليوم, بفعل الاستعمار الإيبيري والفرنسي أساسا لدرجة وصلت معها الإمبراطورية المترامية الأطراف لوضع لا تحسد عليه , يستحيل معه أن تفرط مستقبلا في شبر أو حبة رمل .

على امتداد تاريخ المغرب منذ الفتح العربي الإسلامي للمغرب سنة 682 م على يد عقبة بن نافع ومن جاء بعده , حتى عهد محمد السادس, شكلت البيعة أساس الحكم في الفكر السياسي العربي الاسلامي والمغربي لكونه امتداد له , بكل ثقل مدلولها التاريخي والديني ,ظلت على الدوام تجمع سلاطين وملوك المغرب بالصحراء منذ قيام الدولة الادريسية بقيادة إدريس بن عبد الله لما بايعته قبائل أوربة سنة 172 ه حتى اليوم في الجنوب كما في الوسط والشمال .فما البيعة ؟

يقول تعالى في كتابه العزيز''' إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا'''

ويعرفها العارف الأول بأحوال الدولة المغربية العلامة ابن خلدون (ت 1406م )في مقدمته الشهيرة ب : '''العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه و أمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك و يطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط و المكر..'''

أيضا في البيعة وعلاقتها بمشروعية الحكم يقول الأنثروبولوجي المغربي ذ عبد الله حمودي في كتاب" أنثروبولوجيا الملكيات ,الملكية المغربية نموذجا "أن السمات الدينية للسلطة الملكية المغربية معرفة جدا تتلخص أساسا في البيت الشريف ,وفي البيعة فعن طريق النسب يشترك السلطان في المعجزة النبوية كما تحقق البيعة له الاجماع حول شخصه.

يتضح لنا إدن أن "البيعة" في الفكر السياسي المغربي ليست مجردة رابط روحي ,وإنما هي دليل قانوني يثبت السيادة .

دولة المرابطين مثلا انطلقت نواتها من رباط أسسه الفقيه عبد الله بن ياسين الزعيم الأول للمرابطين، وجامع شملهم، وصاحب الدعوة الإصلاحية فيهم، (ت1059م) من فقهاء المالكية. انطلقت دعوته من الصحراء, تحديدا نهر السنغال جنوب موريتانيا حاليا ,و كانت عاصمتها مراكش اعتمدت منذ بواكرها على "البيعة "سياسيا والتجارة اقتصاديا.

لم تكن الصحراء اقتصاديا أقل أهمية من البحر الذي ينفتح المغرب فيه على واجهتين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلنتي, فقد شكلت على الدوام عمقنا الإفريقي ,ومدخلا لعلاقتنا الإفريقية وما انتشار العربية والمذهب المالكي والعادات والتقاليد المغربية بإفريقيا الغربية إلا دليلا على ذلك .حاضرة "تمبكتو" بدولة مالي نموذجا. كل ما فيها من إنسان وحجر وزي وثقافة يحدثك بأن للمغرب علاقة .

لقد كانت القوافل التجارية مع بلاد السودان لا تنقطع الأمر الذي كان له بالغ الأثر الإيجابي على الخزينة المالية للمغرب, وإشعاعه الثقافي. العاج والكتب والذهب.. مواد ثمينة تاجر فيها المغرب مع عمقه الإفريقي عبر الصحراء المغربية التي كان يؤمن فيها الذهاب والإياب ,لأنها كانت تدخل ضمن مجاله الترابي وسيادته منذ القرن 11 مع الأدارسة والدولة المرابطية ,والموحدية ,. وهذا في التاريخ ثابت ويستحيل أن يقول مصدر تاريخي واحد عكس ما قلناه .

ونفس الأمر سيتكرر مع الدولة العلوية (القرن17م)فهي أيضا وليدة الصحراء بتافيلالت (مدينة الريصاني حاليا),معها اشتدت أواصر العلاقة بين السلاطين والملوك والصحراء فالتحدي الخارجي قوى اللحمة الداخلية وزدا التماسك مثانة بين الحاكم والمحكوم ,وهو التحدي الذي فرضه العثمانيون والإيبريون (اسبانيا والبرتغال)وهو نفسه ما وقع مع سابقيهم ابان حكم الشرفاء السعديين(1554-1659)م

تخبرنا المصادر التاريخية ان المولى اسماعيل 1672-1727 م أبرز سلطان علوي قام بزيارة تفقدية لأرجاء البلاد المغربية قادته إلى شنقيط (موريتانيا حاليا) بمعنى أنه اجتاز الصحراء كمجال سيادي, كما أرسل ابن أخيه على رأس فرقة عسكرية للعب دور تحكيمي بين قبائل حصل بينها نزاع ,وهذا الدور نفسه مرتبط الان بالمؤسسة الملكية فمحمد السادس بنص دستور 2011 في فصله 42 هو رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة

الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة .

ما أشبه اليوم بالأمس ,وكأنه لم يتغير شيئ في هذه النقطة بالذات, ما عادا أن الولاء انتقل من القبيلة والجماعة إلى المؤسسات السياسية وخاصة الاحزاب وهذا تحول سوسيو سياسي عميق يعرفه المجتمع المغربي وهو ما عجزت عنه دول شقيقة حتى الان .

جريا على عادة أجداده السلطان( مولاي الحسن (ت 1894)م عندما زار عددا من المناطق المغربية في الوسط ,زار أقاليمنا الجنوبية شخصيا وعين بها جملة من القواد والعمال والعساكر, ضمانا لأمن الرعية وحماية للشواطئ المغربية وهو أيضا تكتيك ديبلوماسي عريق في الممارسة السياسية المغربية حافظ عليه دستور 2011 ,ففي الفصل 49 نجد "التعيين باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، في الوظائف المدنية لوالي بنك المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي، والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية".

لعل هذا ما يبرر الزيارات الأخيرة للملك محمد السادس إلى بلدان غرب إفريقية ,والتي رافقتها مشاريع ثقافية ودينية واقتصادية ضخمة في إطار تنويع المغرب لشركائه الاقتصاديين والدفع بعلاقات جنوب جنوب قدما.

في أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين, عندما كشرت الامبريالية على أنيابها وبات استعمار المغرب مسألة وقت ليس إلا, لا سيما بعد احتلال الأشقة في كل من الجزائر سنة 1830 وتونس سنة

1881جاء دور المغرب سنة 1912 حيث ففرضت عليه الحماية واحتلت فرنسا الوسط واسبانيا الشمال والجنوب ; بعد مجموعة من الاتفاقيات الخفية والمعلنة بين القوى الاستعمارية في أوربا, خاصة فرنسا إسبانيا, انجلترا, والمانيا في حين كانت مدينة طنجة دولية ,كل هذه الدول كانت تعترف للمغرب بسيادته على صحرائه.

وفي هذا السياق وعن هذه المرحلة التاريخية يقول ذ عبد العزيز حلوق التمسماني أن هذا الاعتراف ضل قائما حتى قبل الحرب العالمية الأولى 1914-1918م حسب ما تؤكده الاتفاقات السرية الفرنسية البريطانية في خامس غشت 1890التي أكدت على مغربية منطقة الساقيا الحمراء وواد الذهب بدون لبس. .

بعد أن أصبح احتلال الصحراء أمرا واقعا .حارب المقاوم والرمز الشيخ ماء العينين حتى سنة 1908 الفرنسيين كممثلا للسلطان بالأقاليم الجنوبية للملكة ، واستمر الجهاد عن طريق ابنه أحمد الهيبة الذي قاد حركة قاعدتها الأساسية عموم الصحراويين. وترجع عوامل نجاح هذه الحركة إلى تأييد ومباركة السلطان مولاي عبد الحفيظ للحركة ، وكذا المكانة التي يحظى بها ماء العينن في قلوب الصحراويين, إنها دار شرف وعلم و جهاد ووطنية صادقة .

بعد فترة الحماية على المغرب التي استمرت من 1912 إلى 1956 ,تقدم المغرب بطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة ,وإلى الحكومة الإسبانية في 23 سبتمبر 1974 بطلب إحالة ملف الصحراء المغربية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتبدي رأيا استشاريا لتعزيز مطالبته بحقوقه التاريخية على الإقليم. وبعد أن وافقت الجمعية العامة على الطلب المغربي، أحالته على محكمة العدل الدولية المذكورة والتي عقدت 27 جلسة علنية من 25 يونيو ولغاية 30 يوليو 1975, وأعلنت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري في 16 أكتوبر 1975 في 60 صفحة، بعد تفكير عميق وجاد تناول بالفحص والتدقيق كل حيثيات الموضوع في حدود الادعاءات الانفصالية ,والوثائق التاريخية الدامغة المقدمة إليها من الوفد المغربي, توصلت إلى أنه بالفعل هناك علاقات تبعية (روحية ، دينية) بين قبائل المنطقة وسلاطين المغرب.

مباشرة بعد قرار محكمة العدل الدولية الشجاع, خاطب المغفور له الحسن الثاني في 5 من نوفمبر سنة 1975 شعبه الوفي في خطاب للتاريخ جاء فيه "غدا إن شاء الله ستخترق الحدود, غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء, غدا إن شاء الله ستطئون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز" لينطلق 350 ألف مغربي ومغربية عشرهم من النساء لصلة الرحم بأهلنا في الصحراء , شعارهم الله أكبر, وسلاحهم كتاب الله في يد ,والعلم الوطني في يد أخرى غير ابهين بأسلاك التفرقة الحدودية التي رسمتها السلطات الاسبانية .

بعد المسيرة الخضراء كان محتملا ألا يرضخ العدو ومن يقف خلفه لذلك ,عرف الملف جملة من الحلول التي من شأنها ان تضع حدا للمشكل المفتعل, وتعاقب على المنطقة العديد من المبعوثين الأمميين ورغم مساعيهم الحميدة لحلحلة المشكل إلا أن مساعيهم اصطدمت بعقلية انفصالية لا زالت تعيش الثنائية القطبية ولم تعي أن جدار برلين قد انهار وأن الاتحاد السوفياتي قد ولى وأن الأمم المتحدة أقرت بعدم واقعية الاستفتاء لصعوبة تحديد الهوية هذا الاستفتاء الذي كان فكرة مغربية بالأساس ,حتى لا يخوفنا به الأعداء .

المتتبع للملف وأبعاده التاريخية والقانونية يرى أن الجزائر صراحة وليس "البوليزاريو" التي ماهي الا شماعة أو حديقة خلفية , لم تقبل بكل المساعي المغربية والمفارقة العجيبة أنها قبلت بفكرة تقسيم الصحراء بين المغرب و"البوليزاريو" ما يطرح أكثر من علامة استفهام ,الحل الذي رفضه المغرب جملة وتفصيله .

إلى وقت قريب كان المغرب متثبت بالصحراء كل الصحراء في إطار مركزية شديدة لها ما يبررها, ورغم ذلك تحاور بطريقة مسؤولة مع كل المبعوثين الأمميين إلى الصحراء, وفي المقابل لم يتزحزح الانفصاليون قيد أنملة عن موقفهم ,الشيء الذي جعل الديبلوماسية المغربية تبدع عوض أن تكتفي بتلقي مشاريع حلول دولية لحلحلة المشكل والبحث عن نقاط تقارب من شأنها أن تدفع قدما في اتجاه حل عادل ومرضي لا غالب فيه ولا مغلوب .

وفي هذا الإطار أتت المبادرة الملكية الشجاعة والقاضية بتخويل منطقة الصحراء حكما ذاتيا كشكل من أشكال تقرير المصير كما تنص على ذلك المواثيق الدولية لكن "البوليزاريو" لم تتجاوب معه بالشكل اللازم علما أنه لقي استحسان الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ,وعدة دول أخرى , إيمانا منها بأن المقترح المغربي أكثر واقعية وراهنيه ولعل هذا ما جعل المبعوث الأممي فالسوم شهر أبريل من سنة 2008يقول, بأن خيار الاستقلال الذي تطالب به "جبهة البوليساريو "خيار غير واقعي، وعوض أن تتدبر خلاصة جولاته اتهمته بالانحياز للمغرب ماجعل المغرب يمضي قدما في ورش الجهوية المتقدمة قدما .

في خضم هذا الواقع المتميز بتغيرات, متسارعة وتحديات مختلفة على رأسها التحدي الاقتصادي والأمني الذي أصبح محيرا في الساحل والصحراء كما في الشرق , إضافة الى روابط التاريخ والدين واللغة والجوار,,, لوحدها أمور كافية في نضرنا أن تجعل جنيرالات الجزائر تعيد ترتيب أولوياتها في علاقتها مع المغرب.

من العار على الدول المغاربية أن تشتري منتوجات بعضها عبر وسيط أوروبي هو الشريك الأول اقتصاديا لكل الدول المغاربية , يحاوروننا كتكتل ونحاورهم فرادا, والعار يصبح عارين حين يصبح مطلب المغرب العربي مطلبا أوروبيا والمحصلة أن ندفع جميعا تكلفة اللا مغرب عربي الغالية .

إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأولى في العالم لا تستطيع أن تعيش بدون تكتل اقتصادي مع جيرانها في الشمال كندا وفي الجنوب المكسيك (الينا) ,ولم يشكل التباعد الجغرافي أي حاجزا أمام دول البريكس (الصين الهند البرازيل روسيا جنوب افريقيا ) ولم نستوعب الدرس الأوربي الذي يجمع دولا تناحرت حربين عالمين وأكثر .فمتى سنستوعب ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.