35 سنة مضت على استرجاع المغرب لإقليم وادي الذهب، أي بعد 4 سنوات على استرجاع الأقاليم الصحراوية الواقعة شمال هذا الإقليم، التي كانت ترزح تحت الاحتلال الإسباني، وكان المغرب استعادها بفضل المسيرة الخضراء عام 1975. عودة إقليم وادي الذهب إلى السيادة المغربية في 14 غشت 1979، له قصته الخاصة، فبعد انسحاب الاحتلال الإسباني من المنطقة عام 1975 كانت الصحراء المشتملة على منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب قسمت إلى شطرين، شطر أعيد إلى حظيرة الوطن (السمارةالعيون بوجدور)، فيما الشطر الثاني (إقليم وادي الذهب) ألحق بالمجال الموريتاني. واتبع المغرب في تلك الفترة، وفي عهد المغفور له الملك الحسن الثاني سياسة "راقب وانتظر"، إيمانا منه بأن الدلائل والحجج التي بنت عليها محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارها القاضي بمغربية الصحراء، هي الدلائل نفسها التي حسمت في مصير إقليم وادي الذهب، وأن الروابط التي تجمع سكان المنطقة بالعرش في المغرب وبالجالس عليه، كانت نفسها العامل الأساسي في استرجاع إقليم وادي الذهب بدوره. بعد 4 سنوات من تحرير منطقة الساقية الحمراء، حل في 14 غشت 1979 بالقصر الملكي في الرباط وفد يضم شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية من إقليم وادي الذهب، استقبلوا من طرف الملك الحسن الثاني وأعلنوا بيعتهم له، وهو حدث لم يكن في الوقع سوى تجديد للبيعة نفسها التي بايعها أسلافهم لجده المولى الحسن الأول ومن سبقوه من الملوك والسلاطين. حدث 14 غشت حمل دلائل قوية على علاقة المغرب بصحرائه، بناء على علاقة أهلها بنظامه السياسي منذ قرون طويلة، وهو الحدث الذي قطع الشك باليقين، ففي الوقت الذي راهنت إسبانيا على تقسيم الصحراء وتقسيم القبائل الصحراوية كرد فعل على انهزامها في مواجهة المغرب، جاء حدث 14 غشت لينهي الحلم الاستعماري ويعيد لحمة الوحدة الوطنية بين الساقية الحمراء ووادي الذهب من جهة وبين الإقليم برمته ووطنه المغرب من جهة أخرى. هو الحدث نفسه الذي انتصر للمغرب في صراعه ضد خصوم وحدته الترابية، ففي الوقت الذي راهنت جبهة البوليساريو ومن خلفها الجزائر وعدد من الدول المؤيدة لها على اقتطاع إقليم الساقية الحمراء من الخارطة المغربية، حيث كانت الحرب على أشدها بين ميليشيات البوليساريو والقوات المسلحة الملكية، جاء حدث 14 غشت ليعيد إقليم وادي الذهب إلى السيادة المغربية، فكانت صفعة قوية للعدو، وكان انتصارا تاريخيا للمغرب. حدث 14 غشت وضع العلاقات المغربية الموريتانية في مسارها الصحيح، وأخرج نواكشوط من دائرة الخطر التي قرر النظام الإسباني على عهد الجنرال فرانكو وضعها فيها، كما أن إعادة إقليم وادي الذهب إلى وضعه الطبيعي تحت السيادة المغربية جنب موريتانيا خطر التعرض لهجمات الميليشيات المسلحة التي تنشط في إطار المخطط الجهنمي الذي وضعتها الجزائر وليبيا القذافي لزعزعة استقرار المنطقة وقلب الأنظمة فيها وتفتيتها. من جهة أخرى، شكلت عودة إقليم وادي الذهب إلى السيادة المغربية، شحنة وطنية إضافية للمضي في الدفاع عن الوحدة الترابية، وجعلت المغاربة ينظرون أكثر من أي وقت مضى إلى أن قضية الصحراء مسألة فوق كل الاعتبارات، حيث غذى حدث 14 غشت وطنيتهم بانتصار جديد وزاد في تقوية وحدة الصف الداخلي، وتلقى الرأي العام الوطني والدولي الحدث باندهاش كبير، فانتصرت سياسة الحكمة والتأني التي اتبعها المغرب على سياسة الأبواق الدعائية، التي كان خصوم المغرب ينهجونها، ففي تلك المرحلة بالذات كانت الآلة الإعلامية لأعداء الوحدة الترابية تصور المعارك التي تخوضها ميليشيات البوليساريو بدعم الأنظمة الشمولية الاستبدادية في الجزائر وليبيا القذافي وبعض دول المعسكر الشيوعي، على أنها معارك تحرير في إطار ما درجوا على تسميته ب "تقرير المصير"، وتحت عناوين التقدمية والحرية والانعتاق وغيرها من الشعارات الرنانة التي كانت ترافق أصوات البنادق والرشاشات والمدافع في جبهات القتال المفتعلة. في 14 غشت 1979 استقبل المغفور له الحسن الثاني أعيان وشيوخ القبائل الصحراوية من منطقة واد الذهب، برحاب القصر الملكي بالرباط، وقال لهم قولته التاريخية "إننا قد تلقينا منكم اليوم البيعة، وسوف نرعاها ونحتضنها كأثمن وأغلى وديعة، فمنذ اليوم بيعتنا في أعناقكم، ومنذ اليوم من واجباتنا الذود عن سلامتكم والحفاظ على أمنكم والسعي دوما إلى إسعادكم، وإننا لنشكر الله سبحانه وتعالى أغلى شكر وأغزر حمد على أن أتم نعمته علينا فألحق الجنوب بالشمال ووصل الرحم وربط الأواصر". شاهد الرأي العام الوطني والأجنبي في ذلك اليوم التاريخي، الملك الحسن الثاني، وهو يوزع أسلحة رشاشة على شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية، التي قدمت له البيعة، وهي مبادرة رمزية أراد منها جلالة الملك الراحل الحسن الثاني إيصال رسالة إلى أعداء الوحدة الترابية بأن المغرب لا يساوره شك في ولاء الصحراويين الأحرار لانتمائهم الوطني.