يتصيد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الفرص بمناسبة وبغير مناسبة ليعبر عن افتخاره بإنجازه العظيم "الأجرة مقابل العمل" الذي كسر من خلاله "صنم الإضراب"، ووضع به حدا "لفوضى الموظفين" الذين كانوا يوظفونه، حسب التصور البنكيراني، ويستغلونه كواجهة لإضاعة مصالح المواطنين، وتقديمه كقربان على عتبة استهتارهم واستخفافهم بالواجب، واتخاذه مطية لترك مؤسسات الدولة خاوية على عروشها وإيقاف زمن المواطن المغربي، وتفويت الفرصة عليه لقضاء مآربه الإدارية، ليعطي لنفسه شرف إعادة الأمور إلى نصابها والقضاء على التسيب والفوضى وفرض استتباب الأمن الإداري بسن القرار المذكور، الذي جعل الموظفين، كما يتصور بن كيران، يرجعون إلى رشدهم، ويقلعون عن غيهم، ويفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على اقتراف "حماقة الإضراب" حفاظا على جيوبهم، ولسان حالهم يقول: الزموا إداراتكم، ولا تتبعوا سبل الداعين للإضراب، حتى لا يحطمكم بن كيران وحكومته بالاقتطاع، وهم لا يشعرون"، أو هكذا يظن السيد بنكيران وصحبه. وإذا كان الخطاب البنكيراني قد استهدف كل شرائح الموظفين، فإننا سنكتفي ها هنا ببسط كرونولوجيا حركة نقابة حزبه الإضرابية المتنقلة في قطاع التعليم، لنظهر للقارئ الكريم الجانب المسكوت عنه، وكيف تحول الإضراب من سلاح فعال لقتل التجبر والتسلط الحكومي المسلط على الشغيلة التعليمية في وقت من الأوقات، إلى سلوك ممجوج إثمه أكبر من نفعه، وربما سنسمع عما قريب من يقول لنا اجتنبوه لعلكم تفلحون وتخدمون وطنكم، وانتهوا عن غوايتكم الإضرابية إن كنتم لوطنكم محبين وعليه وعلى مصالح أبنائه محافظين. 1 من كان يدعو إلى الإضراب في الحقل التعليمي؟: يتحدث بنكيران دائما عن فعل الإضراب بسلبية ظاهرة، ويغيب، عن قصد، الفاعل، فنراه يردد عبارة "قضينا على الإضراب"، دون أن يربط الاسم بصلته، وهو تخلص ذكي من الفاعل الذي يفضل دائما أن يضعه في وضعية الضمير المستتر، مستعينا بالمصدر (الإضراب) الذي يعطيه هذه الإمكانية، ويعطيه فرصة التخلص الزمن، وفق تعريف النحويين للمصدر "اسم يدل على حدث مجرد عن الزمن"، فلو أتى مثلا بالفعل "أضرب" لصار لزاما عليه أن يذكر الفاعل ولأشار عن طريق صيغة الماضي إلى زمن استئساد هذا الفاعل الذي ليس سوى الجامعة الوطنية لموظفي التعليم، ذراع حزبه وقلبه النابض بالإضراب في وقت من الأوقات، وهنا ستظهر حقيقة تصريحات بنكيران التي يقول مدلولها "بنكيران يقضي على إضراب نقابة حزب بنكيران" !!!. الفاعل هو الموضوع المسكوت عنه في كل خرجات بنكيران المبشرة بالقضاء على الإضراب، لأن هذا الفاعل هو الذي يتحمل مسؤولية كل الإضرابات التي شُنَّتْ في قطاع التعليم خلال عقد كامل يمتد من بداية الألفية الثالثة، وهو الجامعة الوطنية لموظفي التعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابي الضارب لحزب العدالة والتنمية، سواء أكانت مسؤولية مباشرة تولت من خلالها الجامعة الدعوة إلى الإضرابات المتكررة بنفسها، أو غير مباشرة، لأنها كانت ترفع آنذاك شعار المساندة المبدئية واللا مشروطة لكل خطوة إضرابية ضد "غطرسة الحكومات السابقة"، بما في ذلك توفير الغطاء لدعوات إضراب متتالية في ظرف قياسي صدرت عن نقابات تعليمية مغمورة كانت تبحث حينئذ عن شهادة ميلاد. لن نخوض في موضوع الصواب والخطإ، وعما إن كانت الجامعة على صواب حينما تبنت الإضراب خيارا استراتيجيا لا خيار بعده أو قبله، أو حينما وضعته جانبا وأطلقت عليه رصاصة الرحمة، لكن بالمقابل سنعرض بين يدي القارئ الكريم خطوط الموضوع العريضة وتدخلات الجامعة فيه بالأمس واليوم، تاركين لحصافته حرية استخلاص النتائج وإصدار الأحكام واستنتاج الخلاصات التي تناسبه. 2 الإضرابات التي خاضتها الجامعة الوطنية لموظفي التعليم: لم تتردد الجامعة الوطنية لموظفي التعليم في تذكير الشغيلة التعليمية بيدها البيضاء عليها وفضلها في تحقيق تقدم ملموس في ملفها المطلبي، مشيرة في هذا السياق إلى أنها جعلت من الإضراب أداة ردع قوية في مواجهة من كانت تعتبرهم منتهكي الحقوق التعليمية المشروعة للأسرة التعليمية، ونذكر هنا بما جاء في منشور الملف المطلبي الذي أصدرته الجامعة، كدليل على نضالها المتواصل، سنة 2006: "نعتبر في الأخير أن نضالات جامعتنا كانت هي السبب الرئيس في فتح كل الحوارات والاتفاقات التي حركت الملف المطلبي للأسرة التعليمية"، ولم تفوت الجامعة الفرصة لتستعرض بكثير من الفخر محطاتها النضالية. 17 18فبراير 2000: إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم 2324فبراير 2000: مساندة الجامعة لإضراب دعت إليه إحدى النقابات بصفة انفرادية (هكذا ورد في المنشور السالف الذكر). 13 14 دجنبر 2000: إضراب وطني للجامعة تراجعت عنه نقابات أخرى بدعوى عقدها لاتفاق 10 دجنبر 2000، "حيث أكدت الجامعة في حينه أنه لا يقدم أي جديد"[1]. 20أبريل 2001: إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم. 13نونبر 2001: إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم. 12 13 14 15 فبراير 2002: إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم. 15 16 ماي 2002: إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم. 2930ماي 2002: إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم. 2425أبريل 2003: إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم. 07 08 دجنبر 2004 : إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم. 07 أكتوبر 2005 : إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم بتنسيق مع المركزيات الثلاث. 10 11 12 13 فبراير 2007 : "محطة نضالية" للجامعة الوطنية لموظفي التعليم تخللها إضراب وطني 03 04 يناير 2008 : إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم. 12 13 فبراير 2008: إضراب وطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم. 27 28 أبريل 2011 : إضراب للجامعة الوطنية لموظفي التعليم بتنسيق مع أربع نقابات. هذا جزء من الحصيلة الإضرابية و"النضالية" للجامعة يشهد على فاعليتها وديناميتها بهذا الصدد، وهي حصيلة ظلت تباهي بها، وتذكر بها رجال ونساء التعليم حتى الأيام الأخيرة من عمر الحكومة السابقة، معتبرة إياها السيف الذي قطع تعنت الحكومات المتعاقبة وأجبرها على الجلوس إلى طاولة الحوار والاستجابة للمطالب التي تحققت، وهذه هي اللغة التي كانت سائدة في الوسط النقابي لحزب العدالة والتنمية أيام تواجده بالمعارضة، والتي استطاع من خلالها جلب تعاطف فئة كبيرة من رجال التعليم ونسائه الذين اعتبروه في شخص نقابته حصن الصمود والأمل المرجو لتحسين وضعياتهم وظروف اشتغالهم، خصوصا أمام الخطاب العاطفي للجامعة الذي لعب على وتر دغدغة مشاعرهم وإعلان الاصطفاف إلى جانبهم مهما كلف الثمن، "إن الجامعة يمكن أن تتساهل عندما يمس حق من حقوقها، لكنها لن تتساهل عندما يتعلق الأمر بالحق المشروع والعادل للأسرة التعليمية"[2] هذا السلاح الذي أجادت الجامعة استخدامه، واتخذته وسيلتها المفضلة لمواجهة الحكومات السابقة والدفاع عن الأسرة التعليمية، صار بعد دخول الحزب إلى الحكومة ، غير مرغوب فيه، وشهد مفهوم الإضراب انحدارا تراجيديا من كونه مكونا أساسيا في أركان المواجهة الصلدة في وجه الحكومة، لا تصلح أي مواجهة بدونه، ولا يحل لكل من يحمل صفة نقابي التخلي عنه، إلى ناقض من نواقض الأمن المصلحي للمغاربة، ووسيلة للتشويش على حكومة عبد الإله بنكيران، تصدر التوصيات تباعا بتسفيهه، عبر الطعن في الجهات الداعية إليه ، وإظهارها بمظهر من له مآرب أخرى بعيدة كل البعد عن مصلحة الشغيلة التعليمية، وفي هذا السياق تحول عبد الإله الحلوطي الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم إلى منظر يضع الخطوط الحمراء للإضراب المرفوض، "التسيب في الإضراب مرفوض، والإضراب المزايداتي مرفوض"[3]، وهي لغة همز ولمز يبخس من خلالها دعوات الإضراب، على قلتها، ضد الحكومة التي يقودها حزبه، ليصل في نهاية المطاف إلى خلاصة مفادها أن "التنظيم الذي لا يستطيع أن يثبت ذاته إلا بالإضراب فهو تنظيم ضعيف"[4]، هذا التلميح سيتحول مع السيد محمد يتيم الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إلى مكاشفة صريحة ونعي لكل المركزيات النقابية، حين لبس الرجل جبة السياسي وخلع عنه الرداء النقابي، بعد إعلان هذه الأخيرة تنظيم وقفة احتجاجية وطنية، و كذلك خوض إضراب عام ضد الحكومة في 10 دجنبر 2015، حيث وصفها بجثة سليمان التي خدعت الناس وظنوا أن صاحبها على قيد القيادة، ولم يخلصهم من عذاب الانتظار إلا الدودة التي نخرت عصاه فخر ساقطا على الأرض، ثم عاد إلى ذاته النقابية، بعد أن شيع النقابات الميتة إلى مثواها الأخير ليبشرنا بأن نقابته هي الحي الوحيد وسط هذا الركام النقابي الميت، يقول السيد يتيم: "الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بما يمثله من رؤية، بما يمثله من مصداقية، بما يمثله من نضالية، بما يمثله من أمل أيضا، يمكن أن نقول بأنه الأمل الوحيد، أو الأمل المتبقي في الجبهة النقابية والاجتماعية"[5] وبما أن الإضراب وفق الرؤية الجديدة للذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية سلاح الفاشلين والموتى، الذي يتخذونه عصاهم ليخدعوا أعين الناس حتى لا ينتبهوا إلى مصرعهم، فقد اختار هذا الذراع التخلي عنه حرصا على نفسه بإبعادها عن شبهة الموت والضعف والفشل، ولأنه ما زال على قيد الحياة، ولا حاجة له إلى التمويه، مادام أن واقع الحال القوي يغني عن سؤال الحياة من عدمها، ولهذا فمادامت الجامعة وإطارها ينبضان بالحياة فقد تركا عصا الإضراب التمويهية ورماها كل منهما جانبا، هذا إذن هو سر توقيع الجامعة على صفر إضراب طيلة أربع سنوات هي عمر حكومة عبد الإله بنكيران، مع أن الجامعة كانت تعتبر في عهد وهجها التسلح بالإضراب شجاعة لا يستطيع إتيانه إلا أولوا النبض في الحياة، ففي المؤتمر الجهوي الثالث للجامعة الوطنية لموظفي التعليم بجهة سوس ماسة درعة المنعقد بتاريخ 26 دجنبر 2010 وصف محمد يتيم منظمته بالمنظمة "السليمة القوية الموجودة على الأرض، كما تدل على ذلك مشاركتها في المعارك النضالية المختلفة"[6] 3 الجامعة الوطنية لموظفي التعليم والموقف من النقابات الأخرى في موضوع الإضراب: أشهرت الجامعة في عز حملتها "النضالية" البطاقة الصفراء في وجه النقابات التعليمية، متهمة إياها بالتسلل إلى خندق الحكومات السابقة وإضاعة فرص تسجيل أهداف في شباكها لصالح الأسرة التعليمية، ونذكر هنا بتصريح السيد محمد البارودي النائب الثاني للكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم الذي عاتب النقابات التعليمية على تخلفها عن إضراب نقابته الذي خاضته يومي 03 و 04 يناير 2004، وإضاعتها الفرصة التوقيع على الوحدة النقابية التي اعتبرها خيارا استراتيجيا، "وجود بعض الأحزاب التابعة للنقابات في التشكيلة الحكومية جعلتها ترفض الدخول في الإضراب"[7]. ولم تكن الجامعة تكف عن الشكوى من التشويش الذي تمارسه النقابات الأخرى على نضالاتها الإضرابية، فعلى سبيل المثال لا الحصر جاء في البيان/ البُشرى الذي زفته للشغيلة التعليمية والرأي العام عقب إضراب فبراير 2002 الذي امتد لمدة أربعة أيام متواصلة "والجامعة إذ تزف إلى الأسرة التعليمية بشرى النجاح الكاسح لإضرابها الوطني بنسبة عالية تجاوز متوسطها الوطني 76% رغم كل محاولات التخويف والترهيب والتشويش التي مارستها جهات محسوبة على العمل النقابي، ورغم محاولات التعتيم الإعلامي الرسمي والحزبي..."[8]. هذا الموقف الذي كان يرى في الإضراب الصخرة التي تحطمت فوقها مصداقية النقابات الأخرى، سيعرف تغيرا جذريا مع اعتلاء حزب العدالة والتنمية عرش الحكومة، حيث تخلت الجامعة علانية وبالمكشوف عن مبدإ المساندة اللا مشروطة لما كانت تعتبره سابقا نضالا واجبا ومشروعا من أجل سواد عيون الشغيلة التعليمية التي أعلنت غير ما مرة أنها تئن بحبها، وخو حب سرعان ما تناثرت أوراق خريفه بعد أن عزفت الجامعة على وتر استقلال القرار ورفض التبعية للآخر، كأنما اكتشفت متأخرة تحت تأثير وهج المشاركة في الحكومة أنها كانت تحت التخدير، وأن ما اتخذته من قرارات المساندة لم يكن في محله، أو كان ربما في محله في حينه فقط، يقول عبد الإله دحمان نائب الكاتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم تعليقا على تخلف نقابته عن خوض الإضراب الوطني الذي دعت إليه باقي المركزيات النقابية يوم 29 أكتوبر 2014 : "ليس من المعقول نقابيا ونضاليا أن نتبع قرارات الآخر، لأننا منظمة تحترم مؤسساتها ومناضليها وقواعدها ...، نحن غير معنيين بهذه المحطة في إطار استقلالية قرارنا النقابي"[9]. أما محمد يتيم فقد اعتبر موقف نقابته بعدم المشاركة في ذات الإضراب ظاهرة صحية وخطوة إيجابية تروم من خلالها تحقيق التوازن في المشهد النقابي بعدم الميل في كفة واحدة ضد الحكومة، وهو موقف أضفى في نظره مشهدا فسيفسائيا على المشهد النقابي، خلافا لما كانت تعتبره نقابته في السابق وصمة عار وجنوحا مفضوحا من قبل النقابات الأخرى إلى جانب الحكومات السابقة، يقول السيد يتيم: "وجود وجهات نظر مختلفة أمر طبيعي، بل إنه أمر ضروري من أجل إقامة توازن في المواقف"[10]. 4 الجامعة وفكرة تمرد الفروع على قرارات المركز فيما يخص المشاركة في الإضراب: آخذت الجامعة الوطنية لموظفي التعليم النقابات الأخرى، كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك، على رضاها بأن تكون مع الخوالف في محطاتها النضالية الإضرابية، معتبرة ذلك خذلانا لا يُغفر في حق الأسرة التعليمية، وكبيرة من الكبائر التي تخرج من الملة النقابية، وبالمقابل لم تفوت فرصة تمرد فروع نقابية تعليمية على قرارات مركزياتها التي كانت توصي بعدم المشاركة في الإضرابات التي كانت تدعو إليها الجامعة، دون أن توجه عبارات الشكر والثناء لأصحابها، واصفة إياهم بالشرفاء، فقد جاء في البيان/ البشرى المشار إليه سابقا: "تحيي (الجامعة) المناضلين الشرفاء من مختلف النقابات الذين لم يمنعهم انتماؤهم النقابي من التلاحم مع نضالات الأسرة التعليمية"[11]، والنضالات هنا هي محطة فبراير لسنة 2002 التي خاضت خلالها الجامعة إضرابا استغرق أربعة أيام، وانخرطت فيها بعض فروع النقابات الأخرى، دون أن تمتثل لقرار مركزياتها بعدم المشاركة فيها. إذا كان هؤلاء الذين رفضوا الخضوع لقرارات مركزياتهم في عرف الجامعة مناضلين شرفاء يستحقون أن تنزع لهم القبعة احتراما وإجلالا، فإن الأمر في زمن زجرها النضالي سيختلف تماما، فبمناسبة إعلان مركزيات نقابية إضرابا عاما يوم 29 أكتوبر 2014، انخرطت الجامعة الوطنية لقطاع الصحة المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل في هذا الإضراب، وكذلك فعل فرع إقليمالصويرة للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، فثارت ثائرة الاتحاد، واعتبر الخطوة تصرفا غير مسؤول من لدن المتمردين، استدعى منه إصدار بيان براءة منهم ومن دعوتهم الباطلة، ومما جاء في هذا البيان: "البلاغ الذي يضم توقيع أربع نقابات بما فيها الجامعة الوطنية لقطاع الصحة المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وتؤكد فيه مشاركتها في الإضراب الوطني، لا يعني الاتحاد الوطني في شيء، ويتعارض مع مقتضيات القرارات الصادرة عن الاجتماع المنعقد يوم الجمعة 17 أكتوبر المنصرم، حيث تم اتخاذ قرار واضح بعدم المشاركة في الإضراب المذكور...إن قرار المكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب كما تنص على ذلك المادة 63 من القانون الأساسي ملزمة لكل الجامعات والنقابات الوطنية والمكاتب الجهوية والإقليمية والمكاتب المحلية"، هذا وقد ذهب عبد الإله دحمان عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم بعيدا حينما اعتبر الخطوة التي أقدمت عليها جامعة الصحة بمشاركتها في هذا الإضراب خيانة للاتحاد الوطني للشغل وهدية في طبق من ذهب لخصومه "تتسبب قي التشويش على المنظمة ومنح الفرصة للخصوم للنيل منها ومن قراراتها"[12] هذه إذن قمة الازدواجية، تصل حد التناقض الصارخ الذي يحل تمرد الفروع على قرارات مركزياتها، ويحرض عليه باعتباره قربى تدخل أصحابه إلى جنة النضال الشريف، في حين تحرم على فروع الاتحاد الوطني الخروج عن مبدإ الطاعة، وتلزمها بقول كلمة "آمين" للقرارات المتخذة بعدم تدنيس الذات بإضرابات الآخرين، وإلا اعتبرت في عداد العصاة المغرر بهم الذين لن يفلتوا من العقاب والمتابعة جراء ما اقترفوه بشق عصا الطاعة في وجه الاتحاد وفق ما تنص عليه أدبياته "الرأي حر والقرار ملزم"، وهكذا لم يتردد المكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل المنعقد بتاريخ 06 نونبر 2014 في اتخاذ قرار الفصل في حق المسؤولين النقابيين المشاركين في إضراب 29 أكتوبر 2014، وعلى رأسهم عبد الإله طرفاي عضو المكتب الوطني للاتحاد، والكاتب العام لنقابته في قطاع الصحة. الرافض إذن لقرار مركزيته النقابية، المنحاز إلى قرار الجامعة رضي مرضي في عرف هذه الأخيرة، يستحق التبجيل والتعظيم، وهو جدير بأن ينال وسام الشرف الأول من درجة مناضل، أما الخارج من أبناء الجامعة عن طاعتها، المستجيب لنداء إضراب النقابات الأخرى، فلا مكان له تحت شمس النضال والشرف، وهو جدير بأن يرمى خارج أسوار الجامعة، وأن يلفظ منها لأنه دنس طهرانيتها، حينما سقط ضحية الغواية، ووقع في خطيئة رفض الأوامر العليا التي لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها، كأنما هي وحي يوحى، وكأنما قرارات الآخرين وسوسة شياطين. يتبع