إن الأساتذة، بحكم تكوينهم الأكاديمي والمهني وتجاربهم الميدانية، يعرفون الشيء الكثيرعن هذه الإشكالية التي تؤرق كلا من الأطفال والآباء، فهم يعرفون أن كثرة التمارين تستحوذ على فترة الراحة لدى الطفل وترهقه وتضيف إليه تعبا جسميا وإرهاقا فكريا بعد عناء متواصل على امتداد يوم دراسي حافل بالأنشطة المدرسية والتربوية المتنوعة، ويعرفون أن التمارين المنزلية تحرم الطفل من الاستجمام واللعب لما له من أدوار إيجابية في التنشئة الاجتماعية للطفل وتنمية ذكائه ونموه الجسمي والفكري، كما يعرفون أن مساهمة التلاميذ في إنجاز الواجبات المنزلية ضئيلة أو منعدمة، وذلك من خلال الإرهاق البين على التلميذ ومشاركته في بلورة الدروس ونتائجه في الفروض المحروسة. كما يعرف الآباء أن الأستاذ لا يمتلك من الوقت ما يخصصه لمراقبة جميع إنجازات التلاميذ، ووضع الملاحظات أو النقط المناسبة لكل إنجاز. وعليه، ألا يمكن التفكير في بدائل تحرر الطفل من ربقة الواجبات المدرسية المنزلية من أجل التمتع بالراحة واللعب والاستعداد الكافي لمواجهة مشاق كل يوم دراسي وتحسين مردوده المدرسي فعلا وممارسة؟ وتحرر الآباء من متاعب مضافة لانشغالاتهم اليومية، وتعفيهم من توترات وشنآنات تفسد علاقاتهم بأبنائهم وأحاسيسهم العاطفية والوجدانية، حتى يتفرغوا لتسليتهم، وإدخال الفرحة إلى قلوبهم، عوض الكآبة جراء مشادات هم في غنى عنها، وذلك عن طريق اللعب وحكايات تنمية الخيال الفكري؟ شخصيا أشاطر رأي هذا المفتش التربوي إلى حد بعيد ، وإن كانت المسألة التعليمية من اختصاص من هم في قلب الوزارة والمجلس والمؤسسة ، فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقولون .لكن يبدو لي بحكم التجربة اليومية التي أمر بها مع أبنائي مثل الكثيرين في السلك الابتدائي أن التمارين أو الواجبات المنزلية رغم أهميتها وفائدتها العظمى على التلميذ والوالدين كثمارجنة المعارف ، فإنها أضحت تشكل عائقا كبيرا مثل صخرة سيزيف على التلميذ والوالدين ، كلما اصطبغت بالوتيرة اليومية أو شبه اليومية ، حيث تستنزف الجهد وتذيب الوقت ، ولا تترك فرصا كافية لأي نشاط آخر يحتاجه الطفل غريزيا وبيولوجيا ونفسيا كالرياضة الفردية أوالجماعية والتمتع بالقسط الأوفر من النوم واللعب مع الأقران وحفظ القرآن ومراجعة المحفوظ منه والمداومة على الصلوات المكتوبة وقراءة القصص والحكايات وممارسة الهوايات المفضلة وإني كلما هم الأبناء بإنجاز واجباتهم الدراسية اليومية ، أشعر في دواخلي أن صخرة سيزيف تنتظرني ، وتذكرني فلسفيا لا واقعيا هذه المهمة المحمودة العواقب ، المؤرقة للأعصاب بما كتبته الدكتورة ليلى شيني حاج يحيى حول ما نشره الفيلسوف الفرنسي ألبيركاموعام 1942، حيث أصدر مقالا فلسفيا وجوديا أسماه "أسطورة سيزيف" ، تحدث فيه عن عبثية الحياة . يرى كامو أن حياتنا تشبه حياة سيزيف، نستطيع أن نراها أنها غير مجدية ولا معنى لها. ما معنى أن يقوم سيزيف بنفس المهمة كل يوم ولا يصل إلى نتيجة؟ يتساءل كامو: ما معنى أن نحيا في هذه الدنيا؟ ما جدوى وجودنا في عالم محكوم بالزوال؟ ما جدوى أن نعمل؟ ما جدوى أن نأتي للحياة ثم نموت؟ وما معنى أن نؤمن بمعتقدات وأفكار في عالم لا توجد فيه حقائق مطلقة؟ لكنه يختم بقوله أن المرء لا بد أن يتخيل أن سيزيف سعيد مسرور تماماً كما أن النضال والصراع والكفاح ذاته نحو الأعالي والمرتفعات كافٍ وكفيل بملء فؤاد الإنسان مع كل هذا فإن سيزيف يُعتبر البطل الاسطوري اليوناني الذي يقوم بمهمته وهو يعلم انها لن تنتهي ولا جدوى منها ويكافح كفاحاً مريراً وهو يعلم انه سيكلل بالفشل والسؤال هو: هل فعلاً كان سيزيف يعلم أن مهمته مكللة بالفشل وعذابه سيستمر للأبد ، أم كان مؤمنا أنه يستطيع تحقيق المستحيل وانجاز مهمته وإيصال الصخرة العملاقة للقمة ؟ بالطبع لست وجوديا أوعبثيا ، لم أكن كذلك ولن أكون ، لكن المسألة أتت هنا لرمزيتها ليس إلا والحقيقة التي لا مراء فيها، أنه وجب التفكير في بدائل كيفية ونوعية أكثر منها كمية وتراكمية لمعالجة مشكلة الواجبات المدرسية في الصف الابتدائي ، كأن تحدد أيام بعينها في الأسبوع الواحد ، بصفة غيريومية لإنجاز المهام المطلوبة من طرف التلميذ مع رفع منسوب التنسيق بين المواد المقررة من قبل الأساتذة وجمعية آباء وأولياء التلاميذ ، وبالمقابل ، تكثيف المجهود المتوخى من إنجاز التمارين في مادة كالرياضيات بالعربية والفرنسية ، وذلك كله حتى يبقى للتلميذ وقته الكافي لتتبع أنشطته الموازية بجمعية تحفيظ القرآن مثلا وبنوادي الرياضة وبدورالثقافة والشباب والمسارح والمكتبات والمتاحف وخلق فرص للإبداع في الرسم والموسيقى والقصة والحكاية ولعب الشطرنج وخلاف ذلك مما ينمي شخصيته ويعمق خياله ويرفرف بطموحاته في سماء الفكر والفن والمعرفة وسعة الاطلاع على المحيطين الوطني والدولي ومن مدونة المفكرون الصغار، عثرت على طرق ذهبية لحل الواجبات لا تؤجل القيام بالواجبات المدرسية إلى الوقت الذي يكون فيه الطفل متعبًا إلى درجة تحد من قدرته على الكتابة أو التفكير السليم. فالوقت هنا يعتبر من العوامل الأكثر أهمية. إذ من الأفضل القيام بالواجبات المدرسية بعد أخذ طفلك قسطًا وافرًا من الراحة بعد عودته من المدرسة وتناوله بعض الطعام وقبل بدئه باللعب مع أصدقائه. إن أنسب الأوقات لذلك هي الفترة التي تلي عودته من المدرسة أو تلك التي تسبق تناوله وجبة العشاء، ولكن ليس قبل موعد النوم مباشرة، إلا إذا كان الطفل أكبر سنًا قليلاً بحيث تقل حاجته إلى النوم والخلود إلى الراحة باكرًا منح الأطفال مساحة كافية لحرية الاختيار والتحكم بقراراتهم: ضرورة مشاركة الأطفال في عملية اتخاذ القرارات كاختيار المكان المناسب للقيام بالواجبات المدرسية معًا والوقت المناسب لذلك. إن ذلك يمنحهم الشعور بالسيطرة على هذه المهمة، بالرغم من عدم انجذابهم الشديد لها. بالإضافة إلى ذلك، فإن مشاركة الأطفال في اتخاذ بعض القرارات يجعلهم أقل قابلية لمحاربتها حُث طفلك على الاستمتاع بوجبة خفيفة أثناء العمل.. ألا يجعلك الطعام بمزاج أفضل؟ طالما أن الطعام صحي وخال من السكر، شجع طفلك عليه باقناعه بأن هذا الطعام مفيد جدًا للعقل ويزيد من التركيز. كثيرًا ما أحاول التحايل على طفلتي الصغيرة ذات الست سنوات بالتأكيد على أن كتابتها قد تحسنت بسبب تناولها الجزر دائمًا المكان والمكان ثم المكان: ضرورة إيجاد المكان المناسب للقيام بالواجبات المدرسية من حيث الإنارة الجيدة والبعد عن مصادر اللهو والإرباك مثل جهاز التلفاز والإخوة الذين يقومون ببعض الألعاب التي قد تجذب الانتباه وتشتت الأفكار. إن رؤية الأطفال يلعبون من شأنه أن يسبب الكثير من الإحباط المحافظة على مكان الدراسة نظيفًا ومرتبًا: إن من شأن ذلك أن يساعد الطفل على سرعة العثور على ما يريده بالإضافة إلى أن الفوضى تساهم في إرباكه. ويبدو ذلك أكثر أهمية بالنسبة للأطفال الذين يعانون من بعض المشاكل في التعلم ضرورة منح الأطفال فترات كافية للاستراحة خاصة للأطفال كثيري الحركة والذين يجدون صعوبة في الجلوس لفترات طويلة. كثيرًا ما أسمح لطفلي بالقفز على كرة التوازن (Swiss ball) أثناء التفكير؛ لأن ذلك يساعد في التقليل من حركات الأطفال المزعجة والمساهمة في إيجاد بعض الحلول المفيدة تجنب إعطاء طفلك أي جواب: لا يفضل مساعدة الطفل في دراسته وإعطائه الأجوبة الجاهزة، بل يفضل سؤاله بعض الأسئلة الاستنتاجية الصغيرة التي قد تساعده على تبسيط المشكلة بطريقة متدرجة، فهو المعني بذلك ولست أنت. إن حرمانهم من متعة إيجاد الحلول المناسبة تحرمهم من البهجة التي تعتبر بالغة الأهمية من حيث تنمية الثقة بالنفس لديهم لاحقًا ضرورة منح الأطفال متسعًا من المكان: تجنب الجلوس بجانبهم (بالرغم من ضرورة ذلك بالنسبة للأطفال الأصغر سنًا). فإن إبراز الأطفال لأعمالهم وهم جالسون في مكان بعيد نسبيًا يساعدهم على تنمية استقلاليتهم ويسمح لك بالتأكد من مدى التزامهم بالعمل مع وجودك الدائم بقربهم للمساعدة في حل أي مشكلة قد تواجههم أكثر من المديح للطفل على جهده وليس على النتيجة فقط وضرورة الإصرار على إنجاز ما بدأه إن من الأشياء التي أحرص دومًا على القيام بها مع أطفالي في مختلف نواحي حياتهم هي تجزئة الأمور وتبسيطها. حاول أن تحرص على تقسيم الأمور الكبيرة إلى أجزاء أصغر لتكون أكثر قابلية لطفلك للتعامل معها وحلها، فذلك يعود بفائدة أكبر على أولئك الأطفال الذين يجدون صعوبة في إنهاء المهام، وأولئك الذين لا يستطيعون التركيز لفترات طويلة. اطلب من طفلك إنجاز كل جزء على حدة. وبهذا، فإنك تساعد طفلك تدريجيًا على زيادة ثقته بنفسه وبالتالي زيادة قدرته على حل أمور أكبر فأكبر وأخيرًا، إذا كنت تشعر بأن طفلك يواجه صعوبات متزايدة على الرغم من محاولاته المتكررة، بحيث تأخذ منه الواجبات والمهام وقتًا أكثر من اللازم، أو إذا تبين أن هذا العمل يفوق قدراته، يستحسن عندها إبلاغ مدرسته بذلك و من باب الاستئناس والمفاكهة ،قرأت عن الأديب المرحوم محمد زفزاف أن صحفيا قدم ذات يوم عند خادمة الفيلسوف صمويل بيكيت أحد رواد مدرسة العبث واللامعقول، ليحرر مذكرات عنه ، وسألها : ماذا تعرفين عن صمويل بيكيت ؟ فأجابته بالقول الصريح : كل ما أعرف عنه أنه كان ينام كثيرا