في إطار أمانيه القديمة عندما كان معارضا لنظام الرئيس السابق بن علي، يعمل الرئيس التونسي الدكتور محمد المنصف المرزوقي على إعادة الحياة إلى الإتحاد المغاربي "الذي ولد ميتا" عام 1989وذلك من خلال زيارة يقوم بها هذه الأيام إلى كل من المغرب وموريتانيا والجزائر بعد أن كان قد زار ليبيا في أول زيارة خارجية له منذ توليه رئاسة الجمهورية التونسية، معربا كذلك عن أمله في أن تتحقق "الحريات الخمس" لمواطني بلدان المغرب العربي وهي حريات التنقل والإقامة والعمل والإستثمار والإستملاك وحق المشاركة في الإنتخابات البلدية في جميع البلدان المغاربية الخمس، مؤكدا أن تونس قررت أن تمضي في هذا الإتجاه دون إضاعة الوقت مشددا على أن هذه الخطوات يجب أن تكون في إطار قرار جماعي". واعتبر الخبير التونسي عبد الجليل البدوي أنه حتى الآن لا يوجد هناك حالة من الوعي الكافي، ينبئ بآفاق قريبة الأجل لتدعيم فكرة قيام وتفعيل اتحاد المغرب العربي. وعبر البدوي عن أمنياته أن لا تكون هذه الجولة في الدول المغاربية من دون نتائج تذكر، وقال:" لا أرى تطورا في الإرادة و في الوعي السياسي لدى الأطراف الأخرى في اتجاه تدعيم أكبر للإندماج الإقليمي". ويرى د. عبدالجليل البدوي، أنّ العوائق كبيرة وفرصة تحقيق "الإندماج" ضئيلة ويشرح الأسباب قائلا: "العالم العربي منقسم إلى دويلات اقطاعية وفي كل دولة مصالح فئوية، وهذه المصالح الضيقة هي حجر العثرة أمام تحقيق الإندماج في اتجاه التوحيد الذي يتمثل في التنازل عن بعض المصالح، وبعض جوانب من السيادة الوطنية، منها السياسة النقدية والسياسة الجمركية". وأكد البدوي أن "هذه التنازلات تتطلب إرادة سياسية قوية والتي لم تتوفر حتى الآن لأن الدول العربية لم تكون دولا ديمقراطية، والآن هناك تونس والمغرب وهما بلدان لهما المقومات للتنازل بخصوص السيادة الوطنية من أجل بناء التجمع الإقليمي، أما الجزائر لا تزال في خطى متعثرة وليس في اتجاه جعل المجتمع ديمقراطي". موضحا أن ليبيا لا تزال تعاني مشاكل داخلية، وبالتالي فالظروف لا تزال غير مهيئة لبناء اتحاد مغاربي. وأضاف:" وإلى جانب العوامل السياسية، هناك كذلك المصالح الإقتصادية حيث لا ترضى بعض الدول بالتنافس عند فتح الأسواق بسبب إمكانية إلحاق الضرر ببعض القطاعات التي تبقى مرتبطة بأوروبا وبالتالي ففي الوقت الحاضر ليست مؤهلة للتنازل عن هامش من مصالحها" . من جهة اخرى، اعتبر البدوي أن النجاح في اندماج تونس في الإقتصاد العالمي يتطلب رافدين: أولا يجب تدعيم الإندماج الوطني وثانيا ضرورة اعتماد الخطوات السريعة والجديّة في الإندماج الإقليمي. وأضاف:" لأنك كي تستطيع تحسين قدرتك التفاوضية، ولكي تحسن موقعك في الإندماج في السوق العالمية، وخاصة في المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي الذي يعتبر الشريك الإقتصادي الأول لتونس، يجب أن تملك الرصيد الإندماجي لذلك، ومن دونه تبقى القدرة التفاوضية ضعيفة ولا تكسب المكانة التي تمكنك من التقدم بيسر في الموقع الجديد الذي تريد بلوغه". أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الرباط عبد العزيز كراكي، فقد أوضح لوكالة الأنباء المغربية أنّ "مستقبل المغرب العربي يمر لا محالة باندماج مغاربي وكل تأخير يؤثر سلبا في هذا الجزء الكبير من المتوسط ، ومن صالح الأوروبيين أن تتقاسم مجتمعات الضفة الجنوبية القيم نفسها في مجال الديمقراطية والعدالة". وكان الرئيس التونسي قد عبّر عن آمال كبيرة وطموحات أكبر في أن يتحقق حلمه في إنجاز "اتحاد المغربي العربي" في السنة الثانية لثورات الربيع العربي وإعطاء الدفع لهيكل متعثر كان يعاني عراقيل داخلية و خارجية ولا يزال. د. المرزوقي أكد أنّ أمله هو في أن تتحقق "الحريات الخمس" لمواطني بلدان المغرب العربي وهي حريات التنقل والإقامة والعمل والإستثمار والإستملاك وحق المشاركة في الإنتخابات البلدية في جميع البلدان المغاربية الخمس. وقال المرزوقي: "إن تونس قررت أن تمضي في هذا الإتجاه دون إضاعة الوقت ولكن هذه الخطوات يجب أن تكون في إطار قرار جماعي". وأضاف: "إن التقارب قد بدأ فعلا بين المغرب والجزائر، وقد تكثفت اللقاءات والمشاورات في الفترة الأخيرة، وهو مؤشر إيجابي من أجل تحقيق مطلب الشعوب المغاربية التي تتوق إلى الحرية والإندماج و التطور و النمو". وقال المرزوقي في حديثه لوكالة الأنباء المغربية: "سنعمل هذه السنة على إعادة الانسجام بين أشقائنا الجزائريين والمغاربة والليبيين والموريتانيين بهدف إحياء حلم الاتحاد المغاربي الكبير المتعثر منذ سنوات". والتقى الرئيس التونسي في مستهل زيارته الإقليمية العاهل المغربي محمد السادس الذي دعا إلى قيام "نظام مغاربي جديد يأخذ في الاعتبار التغيرات التي شهدتها كل من ليبيا وتونس". ودعا إلى "عقد قمة مغاربية هذا العام" وذلك من أجل تفعيل اتحاد المغرب العربي وإعادة بنائه على أسس جديدة من التكامل والإندماج والمصالح المشتركة. وأضاف المرزوقي: "إذا نجحنا في عقد قمة مغاربية فسيكون الإتحاد المغاربي على السكة". وفي مقر إقامته في المغرب وخلال لقاء جمعه بالجالية التونسية إلى جانب عدد من الشخصيات المغربية، أكد الرئيس المرزوقي أنّ الوقت قد حان لبعث الحياة في هذا الهيكل الجامد من جديد: قائلا "نريد اليوم سياسة تخدم الشعوب المغاربية ولن يكون ذلك إلا بتفعيل وإعادة الحياة إلى الإتحاد المغاربي". وأضاف: "إن بلداننا تسلك اليوم طريق الإصلاح والبناء، وهو ما يستدعي توفر اتحاد قوي شبيه بالاتحاد الأوروبي إلى جانب أمله في بعث برلمان مغاربي يتمتع بجملة من الصلاحيات وله مفوضية مغاربية على غرار المفوضية الأوروبية حتى يتمكن من ايصال صوته الى الإتحاد الافريقي وتعزيز وزن الاتحاد المغاربي في محيطه المتوسطي والعربي". وأوضح الرئيس المرزوقي أنّ السنة الجارية ستكون سنة الإتحاد المغاربي قائلاً: "علينا أن نرفع هذا التحدي حتى يتمتع أبناؤنا بهذا الفضاء، ضمن التكتلات الإقليمية والدولية، ولو كان هذا الإتحاد فاعلا لما وجدنا مناطق حدودية مهمشة في تونس على الحدود مع الجزائر أو ليبيا، فليس لنا من خيار سوى هذا العيش في هذا الفضاء". وعن العراقيل التي تقف أمام هذا الإتحاد "مشكلة الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب" ولكنه أضاف أنّ هناك "إرادة صادقة من الملك المغربي محمد السادس والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في تجاوز هذه المشكلة". من جانبه أكد رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بنكيران لوكالة تونس افريقيا للأنباء، أنه يعتبر زيارة الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي "خطوة هامة على طريق تحقيق طموحات شعوب المغرب العربي التي تتطلع إلى الوحدة". وأضاف بنكيران:"الارادة المشتركة للبلدين تكمن في تحقيق الوحدة المغاربية خاصة عبر فتح الحدود وتحريك التعاون في مختلف المجالات، كما هو الحال في عدة كتل اقليمية تمكنت من الاندماج رغم العديد من نقاط الاختلاف". ويرى المراقبون أن مصير البلدان المغاربية الخمسة مرتبطة ببعضها البعض وبالتالي لا مناص ولا مخرج في ظل هذه التكتلات الإقليمية والعالمية وهذه الأزمات الإقتصادية الخانقة، إلا بقيام هذا الهيكل المغاربي الذي يحقق الإندماج الإقتصادي في مرحلة أولى ولن يرى هذا الفضاء المغاربي النور إلا في ظل توفر إرادة سياسية قوية لقادة هذه الدول جميعا.