باستثناء ملعب فرنسا، الواقع بعيداً نسبياً، إلى شمال المواقع التي تعرضت للهجوم الإرهابي الذي استهدف العاصمة الفرنسية باريس، يُلاحظ أن الهجمات تعمدت استهداف الدوائر 10 و11 و12 في شرق العاصمة الفرنسية في دائرة كاملة تقريباً حول مقر صحيفة شارلي إيبدو الساخرة التي تعرضت بدورها إلى مذبحة أولى في يناير(كانون الثاني) 2015 خلفت 11 قتيلاً. ورغم الشكوك التي لا تزال قائمة حول الجهة التي أمرت بتنفيذ المذبحة، إلا أن المجزرة التي شهدتها نفس المنطقة ليل الجمعة، والتي خلفت في حصيلة مؤقتة غير رسمية ما يصل إلى 150 قتيلاً، وأكثر من 200 جريح، 80 منهم على الأقل في "حالة حرجة"، ستطرح حسب وسائل الإعلام الفرنسية الكثير من الأسئلة، عن الطريقة والسهولة النسبية التي نجح بفضلها المهاجمون من التسبب في أضرار فادحة، وخسائر بشرية ضخمة، رغم اعتماد فرنسا خطة طوارئ مشددة في إطار "فيجي بيرات" الخطة الأمنية المكثفة التي فعلتها في أقصى درجاتها منذ اعتداءات يناير(كانون الثاني) ضد الصحيفة، وما تبعها من محاولات معلنة وأخرى غير معلنة. منتظرة وأكدت صحف لوفيغارو ولوموند ومجلات لوبوان والاكسبريس الفرنسية، جميعها في تغطيتها لمخلفات العملية الإرهابية، السبت، أن "خبراء الأمن ومكافحة الإرهاب، ضاعفوا من التحذيرات من كابوس الرعب، ومن عمليات نوعية تقوم على التخطيط المنسق لتنفيذ عمليات في توقيت واحد، أو متقارب، وفي أكثر من مكان، وضد أكثر من هدف". وأضافت لوفيغارو أن" السؤال الذي كان حاضراً بقوة في ذهن كل المسؤولين الأمنيين، لم يكن عن وقوع العملية من عدمه، ولكن عن توقيتها". تهديدات منذ 2007 وإلى جانب توزيع الجرائم التي نفذها المسلحون، الذين لا يزال عددهم الحقيقي مجهولاً، يطرح العدد الكبير من القتلى في مسرح باكاتلان، أسئلة لا تقل أهمية، ذلك أن هذا المسرح تعرض بدوره ومنذ 2007 إلى تهديدات متفاوتة الجدية والخطورة. وكان المسرح محل اهتمام مخططين لاعتداءات ومحاولات كثيرة، بسبب استقباله في مناسبات عديدة لأنشطة أو شخصيات فنية يهودية أو إسرائيلية، ما جعله عرضةً لمحاولات اعتداء كثيرة. ومن أشهر المخططات التي استهدفت المسرح، ما جرى في 2008 بالتزامن مع العملية الإسرائيلية في غزة، حيث هاجم عدد من الملثمين المسرح والمشرفين عليه، وهددوهم بإحراقه كاملاً إذا سمحوا بإقامة الحفل السنوي ل "ماغاف" المنظمة الاجتماعية التابعة لحرس الحدود الإسرائيلي. وفي 2011 أحبطت الشرطة محاولة لتنظيم جيش الإسلام لضرب المسرح، رداً على "تعامله مع اليهود والصهاينة ضد العرب والمسلمين". من إسرائيل إلى باريس وبمناسبة الاعتداء الأخير، ضد المسرح، يُذكر أن هذا الفضاء احتضن أول حفل لفرقة موسيقى الروك، "ايغلز أوف داث" بعد جولتها في إسرائيل، التي أثارت حسب تقارير صحافية من تل أبيب موجة استهجان من قبل الفلسطينيين وخارجها أيضاً وتواترت التعليقات ضد هذه الفرقة، وكثرت الدعوات إلى مقاطعة حفلاتها، وصولاً إلى تهديدات ضمنية وأخرى صريحة، وفق ما نقلت مجلة لوبوان الفرنسية على موقعها، السبت. السيناريو الكابوس ومن الأسئلة الأخرى التي ستفجرها هذه العملية الإرهابية أيضاً، تلك التي تتعلق باستعداد وقدرة الأمن الفرنسي على التعامل مع هذا السيناريو الكابوس، كما قالت لوبوان الفرنسية، خاصة أن الأمن الفرنسي وضع في الحسبان منذ العملية الإرهابية التي ضربت الهند في 2008، التي خلفت 166 قتيلاً، خطة تعرف بالتدخل لمواجهة عمليات متعددة منسقة في وقت واحد، وهو بالضبط السيناريو الذي عاشته باريس مساء الجمعة، ولكن هذه الخطة والتدرب عليها، منذ 2009 لم الكارثة من الحصول والحصيلة من أن تكون بهذا الثقل، رغم أنها غير نهائية بعد. وتضمن سيناريو التدريبات حسب المجلة، انفجار قنابل في محطة قطارات وفي قصر المؤتمرات في باريس، وتفجير في ملعب فيلودروم في مرسيليا، واحتجاز رهائن في فندق كريون ومطار بورجيه للطيران الخاص في باريس، ومجموعة أخرى في برج الدفاع في وسط العاصمة باريس، وأخرى في بنك في مدينة ليون. وتذكر هذه الخطة التي وضعها خبراء الأمن ومكافحة الإرهاب بتفاصيل كثيرة في الهجوم الذي شهدته باريس مساء الجمعة، ولكن ذلك لم يشفع للأمن في تفادي هذه الكارثة الاستثنائية.