لقد اظهر العقد الأخير انتشار البنوك الإسلامية التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية واستطاعت كسب المزيد من الثقة بعد تخطيها الازمة المالية العالمية الاخيرة وتوفر القدرة لدى البنوك الإسلامية على التكيف واستعياب الصدمات المالية ما جعلها اقل المتأثرين بانعكاساتها بفضل تميزها بتمويل العمليات الاستثمارية الحقيقة وابتعادها عن العمليات التقليدية التي تمارسها البنوك التجارية والتي تقوم على منح التسهيلات المباشرة وغير المباشرة والتي يتصف بعضها بالمضاربات، وقد بذلت الجهود الكبيرة لجعل تلك البنوك الإسلامية تواكب الاحداث المالية وتطوع الاساليب المالية الحديثة بما يتناسب ومبادئها وطبيعة عملها، أرقام و حقائق :
نمت الصناعة المصرفية الإسلامية في شكل سريع، على امتداد العقود الأربعة الماضية، إذ ازداد عدد المصارف الإسلامية في العالم الى نحو 450 مؤسسة ومصرفاً حول العالم، يتركز نحو 40 في المئة منها في الدول العربية وتحديداً في دول الخليج العربي. وتوسعت قاعدة موجودات هذه المصارف والمؤسسات المالية لتتجاوز 700 بليون دولار.
وقدر خبير مصرفي لدى أحد المصارف السعودية حجم أصول المصارف الإسلامية في العالم بنهاية العام الماضي 2010 بنحو 895 مليار دولار بزيادة قدرها 8.85%
وأشارت توقعت مصادر مصرفية، ارتفاع أصول ودائع المصارف الإسلامية إلى تريليون دولار عام 2012، مدفوعة بنمو سنوي وسطي يتراوح بين 15 و20 في المئة. ولا تشمل هذه الأرقام النوافذ الإسلامية التقليدية وصناديق الاستثمار الإسلامي، البالغ عددها 500، ويُتوقع بلوغها ألفاً هذا العام.
وقدرت تقارير اقليمية وعالمية حجم الصكوك الاسلامية بأكثر من 130 مليار دولار، تشكل 13 في المئة من التمويل الاسلامي الاجمالي، اما القروض المجمّعة فيصل حجمها الى 85 مليار دولار، والصناديق الاسلامية الى 35 ملياراً، إضافة الى أنواع اخرى من التمويل، مثل المرابحة.
هذا و بلغ حجم الأصول المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية والمعدة للاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأقصى، بلغت 267 بليون دولار نتيجة التوسع الاقتصادي القوي، وارتفاع الإنفاق الحكومي ومستوى السيولة النقدية، ما يؤدي إلى تأمين عائدات كبيرة لصناعة إدارة الأصول الإسلامية تقدر ب1.34 بليون دولار.
يُذكر أن حصة دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ نحو 90 في المئة من الأصول لمجموع المصارف الإسلامية في الدول العربية، نصفها تقريباً في السعودية، تليها الإمارات بنحو 20 في المئة، ثم الكويت ب17.4 في المئة، والبحرين 11 في المئة. وتبلغ قاعدة حقوق المساهمين للمصارف الإسلامية العربية 32.7 بليون دولار، ما يشير إلى استمرارها في تعزيز قواعدها الرأسمالية لمواجهة نشاطها وازدياد حجم أعمالها
وبالرغم من الزخم الذي يشهده قطاع الصيرفة الاسلامية عالمياً في السنوات الأخيرة فهو يشكل واحداً ونصف في المئة فقط من الاقتصاد العالمي الذي يتجاوز 65 تريليون دولار، وأقل من واحد في المئة من أصول المصارف التقليدية. إنتشار البنوك الاسلامية عالميا :
على أثر النجاح الذى حققته المصارف الإسلامية وتنامى حصتها فى السوق المصرفية بسبب الإقبال الكبير على منتجاتها , بدأت البنوك الاجنبية بفتح نوتفذ اسلامية جديدة في بنوكها, فقد كان عدد البنوك الأجنبية المستثمرة إسلامياً على صعيد العالم لا يتجاوز العشرة عام 1999، ارتفع عددها الآن إلى قرابة (150)؛ إذ استطاعت العالمية أن تطرح مفهوماً جديداً في التعاملات المصرفية، وليس أدل على ذلك من سعي الكثير من البنوك العالمية لإنشاء أقسام إسلامية لتلبية الطلب المتزايد لعملائها المسلمين على الخدمات البنكية التي تتوافق وتعاليم الشريعة الإسلامية،
وقد أدى نجاح الخدمات المصرفية للبنوك الإسلامية إلى جذب اهتمام العديد من المصارف العالمية إلى تقديم خدمات مصرفية إسلامية مثل مجموعة هونج كونج شنجاهاي المصرفية , (HSBC) تشيس مانهاتن سيتي بنك, (يو.بي.إس) الذي أسس في عام 2002 بنك (نوريبا) الذي يعمل وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، إلى جانب مصارف إقليمية ومحلية موثوق بها، كما شهدت بريطانيا مولد بنك بريطانيا الإسلامي عام 2004، في محاولة لجذب أموال حوالي مليوني مسلم يعيشون في بريطانيا، كما وافقت ماليزيا على منح ترخيصين مصرفيين إسلاميين لبنوك من الشرق الأوسط للعمل في البلاد في إطار سعي البنك المركزي لتحويل ماليزيا إلى مركز عالمي للتمويل الإسلامي. ازمة الديون الاوروبية و الربيع العربي ينعكسان ايجابا على مستقبل البنوك الاسلامية: حيث توقع خبراء ماليون ان يستفيد قطاع المصارف الإسلامية من مرحلة "الربيع العربي" التي تشهد تغيراً واضحاً في نظرة الغرب الى هذا القطاع، الذي تمكن من مواصلة نموه خلال الأزمة المالية العالمية التي أثبتت ان "ابتعاد الصيرفة التقليدية عن الشفافية، كبَّدت المؤسسات المالية العالمية خسائر فادحة". وتوقع رئيس التمويل الاسلامي في شركة "تومسون رويترز"، رشدي صديقي، ان يتضاعف حجم القطاع خلال السنوات الخمس المقبلة إلى تريليوني دولار، من تريليون حالياً، حسبما ذكرت صحيفة "الحياة" اللندنية.
وعزا صديقي هذا التوجه، الى تزامن مرحلة الربيع العربي مع بدء تخفيف الغرب ربطه قطاع التمويل الإسلامي بالإرهاب، وخفض حدّة خطاب الولاياتالمتحدة تجاه الحركات الإسلامية المعتدلة، ما من شأنه تغيير الصورة النمطية لهذا النوع من الصيرفة من قبل المستثمرين والزبائن الأجانب, واشار الى ان الغرب مضطر الى التركيز على قطاع المصرفية الإسلامية، بهدف استقطاب "البترودولار"، في وقت يعاني شحّاً في السيولة، نتيجة ازمة المال العالمية. البنوك الاسلامية تثبت مكانتها بعد الازمة العالمية الاخيرة : لقد أثبتت الأزمة المالية العالمية الأخيرة مدى هشاشة رؤوس أموال البنوك بعد أن ضخّت الحكومات البلايين إلى بعض البنوك الكبرى، وذلك لعدم تمكن هذه البنوك من استخدام رؤوس أموالها لامتصاص الخسائر، بسبب أن تركيبتها هي أقرب إلى الديون منها إلى المساهمات النقدية الفعلية، بعد أن ابتدعت تلك البنوك أنواعاً من الأدوات المالية وأدخلتها ضمن أموالها الخاصة. والبنوك الإسلامية كانت بعيدة عن هذا لأنها لا تعتمد على أدوات الدين في دعم رؤوس أموالها، وإنما على مساهمات فعلية من المساهمين أو ودائع الاستثمار، وكلها أموال لا تتصف بصفة الديون وإنما تشارك في الربح والخسارة، وهي المشكلة التي قامت لجنة بازل3 بمعالجتها وذلك بتنقية تركيبة رؤوس الأموال لدى البنوك. لقد صدرت اتفاقية ''بازل 3'' عقب اجتماع محافظي البنوك المركزية والمسؤولين الماليين الممثلين لأعضاء ال 27 للجنة بازل بعد توسيعها، وذلك في مقر اللجنة في بنك التسويات الدولية في مدينة بازل السويسرية في 12 أيلول (سبتمبر) 2010.
التحديات التي تواجه القطاع المصرفي الاسلامي من دخول النظام العالمي: ان من اهم التحديات التي تواجه القطاع المصرفي الاسلامي هو وضع إطار تنظيمي ورقابي للمؤسسات المالية الإسلامية, خاصة بعد أن أخذت في تثبيت أقدامها على مستوى العالم بعد أن كانت خدماتها قاصرة لفترة على الدول الإسلامية. ومن أبرز التحديات في هذا الصدد التوصل إلى إطار تنظيمي ورقابي يتلاءم مع النظام العالمي الذي تخضع له البنوك التقليدية.
في تقرير نشرته وكالة موديز - أن دخول صناعة التمويل الإسلامي في العملية التنظيمية العالمية بات حاجة ملحة في الوقت الراهن في ظل اتفاقية بازل 2. ويشير إلى أن المصرفيين الإسلاميين يرمون إلى الانخراط في النظام المصرفي العالمي, حيث إن طريقة إدارتهم صناعتهم تشي بأنهم لا يجدون تعارضاً بين حرصهم على خدمة المجتمع الإسلامي بتقديم خدمات مالية مطابقة لأحكام الشريعة, وبين الانضمام إلى النظام المالي العالمي الذي يضم مؤسسات تعمل بنظام الفائدة الذي يتعارض مع الشريعة.
البنوك الاسلامية و المسؤولية الاجتماعية : يؤكد رجال الاقتصاد أن البنوك الإسلامية ساهمت بشكل مباشر في انتعاش الاقتصاد العربي والعالمي؛ إذ إن البنك الإسلامي أساسًا شركة استثمار حقيقي، وليس استثماراً مالياً، ومن ثم فعمليات البنك الإسلامي هي الدخول في إنشاء مشروعات استثمارية وفقاً للأولويات الإنمائية للبلد الذي يوجد فيه البنك الإسلامي؛ حيث يساهم البنك في المشروعات الصناعية والمشروعات الزراعية، ومشروعات الخدمات من صحة، وتعليم، وتدريب إلى آخره، ومن ثم يدخل في كافة المشروعات الاقتصادية التي تعمل على تنمية القدرة الإنتاجية للمجتمع موضع التنمية.