/ماذا يعني لنا المفهوم الشامل لكلمة المدرسة؟ *المدرسة مؤسسة اجتماعية تنوب عن الأسرة في التربية والتكوين وتنقل الثرات الثقافي والاجتماعي والروحي من جيل لآخر عبر سياسة تعليمية يتم اعتمادها من طرف الدولة تتخذ من البرامج والمقررات وسيلة لتمرير غاياتها ومراميها في التربية والتكوين عبر الأسلاك التعليمية؛ وذلك قصد الحصول على المواطن الصالح المتشبع بقيم مجتمعه في الحياة ومحترما لتقافته وتاريخه والعمل علىالنهوض بمستقبل أمته بالمساهمة في تطوير كل مناحي الحياة التي سيندمج فيها كعنصر اجتماعي فاعل ومؤثربما هوايجابي بالمحافظة على هوية وشخصية مجتمعه التي رسمها أجداده بمنظومة قيم متكاملة... لكن السؤال الذي نود طرحه خلال مناقشتتا وتحليلنا لمنظومة القيم التي ما فتئت تمررها مدرستنا المغربية ،لكن السؤال الذي نود طرحه هنا ،هو إلى أي حد قد كانت ناجحة في ذلك مع ما تعرفه مؤسساتنا التربوية والتعليمية من ظواهر غريبة عن منظومتنا ومجتمعنا المغربي كالعنف المدرسي؛ بشتى أنواعه وأصنافه سواء ، منه ما هو لفظي وآخر جسدي؛أو التعاطي للمخدرات، مما يفقدها حرمتها ومكانتها الرمزية والاجتماعية،كالغش أثناء المراقبة المستمرة أو الإمتحانات الاشهادية،وكلها مظاهر سلبية تهدد وتضرب في عمق روح ونبل الرسالة التربوية... إذن لكي نجيب عن محاور هذه الاشكالية،يتطلب منا مساءلة أكثر من متدخل في الحياة المدرسية ولكي نحدد الأسباب الموضوعية التي ساهمت في الوصول بمنظومتناالتربوية إلى خطوط حمراء حيث أمست تهدد مركزيتها في تربية النشء وتطوير سلوكاته المدنية نحو الأفضل ،في إطار استحضار منظومة أخلاقيات المهنة ودور الفاعلين التربويين بالمشاركة مع باقي المتدخلين في القضاء على كل السلوكات الغريبة والغير مرغوب فيها داخل الحياة المدرسية حاضرا ومستقبلا . 2/الاصلاحات المرحلية التي عرفتها المدرسة المغربية. إن المدرسة المغربية عرفت تحولات كبيرة منذ السنوات الأخيرة وخاصة بعدما بدأنا في إنزال دعامات وبنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين كإطارتشريعي وتنظيمي وتربوي وبيداغوجي وقع عليهنوع من التوافق بين مختلف الفرقاء السياسيين والاجتماعيين ؛من أجل إصلاح منظومتنا التعليمية والنهوض بمستواها نحو الأفضل، حيث واكب هذا الإنزال ما يسمى بالكتاب الأبيض كآلية لتبسيطوأجرأة التدخل؛وبداية تنفيذ أكثر من مشروع جديد؛كل واحد يهدف إلى تحقيق أهداف بعينها؛ كما تعتبر إمتدادات لمشاريع أخرى تصب في نفس الهدف،وكذلك كان ،فقد وقع تغيير جدري على مستوى البرامج والمناهج الدراسية للرفع من جودة التعلمات الأساسية وتحقيق الكفايات الاستراتيجية والمنهجية واللغوية لدى متعلمينا حتى يندمجوا في الحياة العملية للمجتمع بشكل ايجابي وفعال، مما سيساهم في خلق نوع من الثروة وتطوير الاقتصاد والمساهمة في التنمية البشرية.لكن للأسف لم يتم الوصول إلى جل الأهداف المرسومة سالفا؛ مما حثم على الوزارة الوصية التدخل من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه ،فيما أصبح يسمى بالمخطط الاستعجالي؛ والذي رصدت له حينذاك أموال طائلة لم يتم تدبيرها بعقلانية وحكامة؛ عندما ثم إنزال ما يسمى ببداغوجية الإدماج والتي لم تجد التربة المناسبة لتمريرها؛ لأنها لم -تناسب وبيئتنا ومحيطنا السوسيوتقافي والسوسيوتربوي؛ وذلك لعدة اعتبارات قد يكون منها ما هو لوجيستيكي تقني ؛كغياب البنية التحتية والوسائل الديداكتيكية الحديثة؛ كتكنولوجيا الاعلام والتواصل ،وكذلك غياب الأطرالمؤهلة بسبب ضعف التكوين وغيره... ،وكل هذا ساهم في المزيد من تأزيم الوضع وفقدان المدرسة لعدة نقط في الوسط الاجتماعي ،مما جعلها تعيش في سيرورة من التخبط والازدواجية في الخطاب، وكل ذلك كان له ثمنه والمتمثل في في فقدان المدرسة لدورها الرئيسي ألا وهو التكوين والتربية وتمرير منظومة من القيم الخيرة داخل فضاءاتها، والقضاء على كل الانحرافات الأخلاقية بشتى تمظهراتها ؛مادامت تقافة المدرسة تبقى دائما تحملروح عصرها ،لأنها وسيلة وأداة كبرى لإصلاح ما أفسده الآخر والسمو بالروح والعقل الإنساني نحو مدارك الفضيلة والتسامح والحب والتعايش.. 3/المدرسة المغربية وتحديات العصر. ****************************** *إن السؤال الذي أراه مناسبا كي يطرح بالأساس في هذه المرحلة الانتقالية هو:** ماهي التغيرات التقافية والاجتماعية والاقتصادية التي جعلت المدرسة المغربية تخلف موعدها في التأطير والتكوين التربوي والعلمي؟؟ فيما لاشك فيه أن ما يعرفه العالم من تجديد للمعارف والمعلومات بشكل كبيرومسترسل؛يجعل تقافة المدرسة لاتواكب ما يتم ترويجه وتداوله عبر الشبكة العنكبوتية ،ومنابر التواصل الاجتماعي ،وعبر تقنيات تكنولوجيا التواصل والاعلام؛ مما جعل أكثرية المتعلمين يشعرون بنوع من الملل مما يقدم لهم داخل حجرات الدرس في غياب حركية الصورة وديناميتها التي أمست سلوكا يوميا معتادا في حياتنا المعاصرة، وكل ذلك له ثأثيره السلبي على حافزية المتعلم وإقباله على التعلم والرغبة في المشاركة، خاصة وأن جل التلاميذ والتلميذات أمسوا يتقنون لغة و تقافة التكنولوجيا الحديثة في الإعلام والتواصل،مماأصبح يفرض على مدارسنا في الوقت الراهن مواكبة العصر وتطوره في هذه المجالاتوالانفتاح على المستجدات لدمجها في التربية والتكوين خاصة وأننا في عصر السرعة بشتى تجلياتها في مجالات البحث العلمي والمعرفي مما ينعكس على القطاعات المنتجة والحيوية للمجتمع . كل هذا يجعل المتعلم ينشغل بأشياء أخرى غير ما يقدم له من مواد دراسية ،ويدفعه إلى إحداث الشغب أو خلقه داخل الفصل كردة فعل منه ،حيث ساهمت الهواتف الذكية في خلق نوع آخر من لغة التواصل الجديدة ببن المدرس والمتعلم داخل فضاء الحجرات الدراسية مما أثر على العلاقة التواصلية القديمة وكل عناصرها عبر نقل الأحداث والوقائع التي تمر في الأقسام إلى شبكات التواصل الاجتماعي؛وربما فبركتها لتسلي أو الانتقام أو كتحد صارخ لما يقدم إليه من دروس قد لاتجذبه وليست له رغبة فيها. كما أن الكل مسؤول في ما يقدم عليه شبا بنا وشا بتنا من سلوكات غير حضارية ومنافية لقيمنا كمجتمع له تقافته الاسلامية الأصلية ؛والمنفتح على الأخر؛على أساس أن لاتمس قيمه ومبادئه وأسسه الاجتماعية.فللإعلام الوطني دور كبير في المساهمة في تكوين شخصية أبنائنا وبناتنا من خلال ما يقدم إليهم من برامج ثقافية واجتماعية فلا بد عليها أن تتجنب كل ما من شأنه أن يساهم في انحراف في سلوكات ومعاملات النشءللآخر، والسهر على تمرير خطابات وارساليات تعزز ما تقدمه المدرسة في مجالات التربية على المواطنة والسلوك الحضاري للمواطن في إطار الحق والواجب .... كما أن نفس النهج يجب أن تساهم به باقي مؤسسات المجتمع المدني ،وخاصة التي تشتغل على التربية والتكوين،وذلك عن طريق ادماج فئات الشباب في المجال الفني والرياضي والتقافي والمشاركة في تطوير كفاءاتهم حتى يتم ملء أوقات فراغهم بما يفيدهم في تكوين شخصياتهم تكوينا يرتكز على آحترام الآخر وتحمل المسؤولية والتسامح وغيره من السلوكات المدنية التي أمست من الضروريات الأساسية في حياتنا كمواطنين . . أما دور المدرس فيبقى محوريا ورياديا؛ كعنصر بشري فعال ووسيط؛ له ارتباط يومي في الزمن والمكان للمساهمة في التأطير والتكوين الشبابي نحو الأفضل من خلال تدخلاته المباشرة والغير مباشرة في العملية التعليمية التعلمية ،فالمواد الدراسية تساهم في تلقين وتمرير القيم الخلقية وتنزيلها عبر الامتداد مع باقي المواد الدراسية الأخرى، مادامت تكمل بعضها البعض في إطار الكفايات العرضانية، دون إغفال النوادي المدرسية وتفعيلها عبر الانفتاح على جمعيات اامجتمع المدني في إطار شراكات تبنى على أساس كلنا جميعا يدا في يد من أجل مواطن صالح يحترم القانون والحق في إطار منظومة من القيم المتوازنة للمجتمع المغربي .. كما أن هذه الآليات كلها عندما تشتغل بشكل فعال فإنها تهدف إلى إطفاء السلوكات السلبية والمساهمة في تعزيز السلوكات الايجابية ،عن طريق تفعيل روح القوانين والتشريعات التي وضعت للحد من هذه الظواهر لكن بعدما يصبح المتعلم قادرا على احترام المسؤولية وتطبيق القانون وتجنب كل ما من شأنه أن يسئله كتلميذ أو تلميذة داخل مجموعته وفي إطار علاقته مع الأخر ،حيث يبدأ يحترمه كما هو كما من واجب الآخر أن يبادله نفس السلوك.. فإن للمدرسة أدوارا كبرى وأساسية في تجنيب متعلمينا السلوكات السيئة كالغش والعنف مثلا ،وذلك من خلال جعل المتعلم يشعر بوجوده وكينوننه داخل محيطه المدرسي،خاصة وأنه يعتبر مركز العملية التربوية والتعليمية برمتها؛ فلا بد أن يتم تجنب العنف اللفظي كيفما كان نوعه عند مخاطبتنا وتعاملنا معه ودفعه للإندماج والمشاركة بأساليب تربوية تحترم كرامته وشخصه كما نتجنب كذلك أسلوب التحقير والاستفزاز وسط جماعته دون أن ننسى أساليب التحفيز والتشجيع في معاملاتنا معه.هذاإضافة إلى دور المساعدة الاجتماعية للفئة المشاغبة داخل جماعة القسم من خلال حلقات الانصات للتعرف عن الحالة الاجتماعية والنفسية التي عادة ما يكون لها النصيب الأعظم في جل الانحرافات في سلوكاتهم.. وقد تم إنشاء مرصد وطني لمنظومة القيم لمواكبة سيرورة تفعيل استراتيجيته للحد من بعد السلوكات الغير مرغوب فيها داخل مجتمعنا التربوي والتعليمي؛ وترسيخ منظومة من القيم التي ترتكز على روح العصر ،كالتربية على المواطنة والتسامح واتخاذ القرار وتحمل المسؤولية وتدبير الاختلاف واحترام الآخر،حيث مافتئت الوزارة تصدر مذكرات وزارية في هذا الشأن سواء للحد من العنف من جميع مصادره والبحث عن السبل الكفيلة بالحد منآفته؛ خاصة أنه يتفاقم بشكل خطير ضد أسرة التعليم سواء من طرف المتمدرسيين أو من طرف آباء وأولياء التلاميذأنفسهم؛ في تحد صارخ لحرمات المؤسسات وللقوانيين والتشريعات المتعامل بها في هذا الشأن ،والدليل هو ما يتم تداوله بشكل مستمرعبرشبكات التواصل الاجتماعي من تهجمات على نساء ورجال التعليم مما أفقد المدرسة رمزيتهافي ذاكرة المجتمع. مثلها مثل المسجد حيث يشتركا في رسالة منظومة القيم الأخلاقية والروحية للمجتمع المغربي،حيث نابت المدرسة عن المسجد في ارساء قيم المجتمع وتربية الأجيال على كل ماهو خير ونافع في تكوين الشخصية حتى يكون هناك تكامل وتناسق بين ماهو فكري/عقلي ووجداني/قيمي وحس حركي/رياضي. 4/هل فعلا تعتبر الدولة المدرسة المغربية ورشا من الأوراش الكبرى المفتوحة حاليا؟؟ ***********************************************************************
إذن حان الوقت للتفكير الجدي والمعقول في منظومتنا التربوية /التعليمية وجعلها من الملفات الاستراتيجية للدولة إلى جانب الأوراش الكبرى التي فتحتها الدولة عبر ربوع الوطن للنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة للمواطن المغربي عبر مشروع نور 1و2 للطاقة المتجددة والوصول إلى التخفيض التدريجي لفاثورة الطاقة وتبعاتها على خزينة الدولة، والمشروع الأخضر في النهوض بالقطاع الفلاحي لينافس في محيطه المتوسطي؛ ويحافظ على مكانته وجودته وتنافسيته في السوق الدولية، والمشروع الأزرق من خلال إعادة هيكلة قطاع الصيد التقليدي وتطويره عبر الدعم وتقوية بنيته التحتية وتطويرها عبر توسيع الموانئ وتجديد مراكب الصيد ؛ومشروع الطريق السيار لربط المدن المغربية عبر شبكة طرق فائقة الجودة للدورها الاقتصادي والاجتماعي دون إغفال تطوير شركات الاتصال عبر تقوية صبيبها لتنافس نظيراتها العالمية في مجال الاعلام والاتصال والتواصل عبر العالم، والذي أمسى سمة عصرنا. فلا شئ يتحرك خارج التكنولوجيا الحديثة في مجال الاعلام والتواصل ،اقتصاديا تقافيا اجتماعيا، لكننا لانحقق أهدافنا المرسومة عبر هذه المشاريع الكبرى والاستراتيجية إذا ما تم تغييب المدرسة المغربية ودورها الكبيرحيث تساهم في تكوين وتطوير كفاءات الموارد البشرية لأن الصراع الآن ومستقبلا بين دول العالم سيكون لا محالة بين التعليم أو الكارثة كما جاء على لسان المفكرالأوربي توينبي .فلا بد من إعادة الاعتبار للمدرسة والمدرسيين من خلال الاهتمام بحاجياتهم المادية والنفسية وأوضاعهم الاجتماعية ولايتحامل عليهم الآخر عن جهل للنيل من مكانتهم الاجتماعية والرمزية داخل المجتمعات المتحضرة ،لأن باحترامهم نحترم العلم والمعرفة والدليل يأتينا من دول الشمال وبالضبط من ألمانيا لما طلب أحد المسؤولين الزيادة في الأجور،إسوة برجال التعليم من مستشارة الحكومة الألمانية ميركل فلقنته درسا بليغا ،لما قالت له أتريد أن تقارن نفسك مع من علموك...فهذه قيمة رجال التعليم عندهم لأنه في خدمة الوطن؛ بأكبر تجلياته من خلال صناعة البشر وتكوينه وتعليمه ليندمج في مجتمعه بشكل ناجح ويساهم في تطويره وتقدمه وازدهاره ،لأن الثروة البشرية هي التي آنتصرت في الأخيرعلى الثروة المعدنية والطبيعية؛ والدليل أمامنا فدول الشمال تقدمت في غياب الثروة الطبيعية والمواد الأولية ،أما دول الجنوب فتعيش أحلك أيامها من فقر وجوع وصراعات طائفية وحروب وهجرة سرية وأمراض فتاكة وقاتلة تهدد بها نفسها والعالم.