تعتبر نزاهة الانتخابات الركيزة الأساسية في عملية البناء الديمقراطي, حيث تضفي الشرعية علي المؤسسات االمنتخبة و تجعل المواطن يشارك في صنع القرار وتوجيه السياسات في بلده. ومن ثم فأن المشاركة السياسية تصبح هدفا ووسيلة, فهي هدف لأن الحياة الديمقراطية السليمة ترتكز علي اشتراك المواطنين في مسئوليات التفكير العام والعمل لصالح مجتمعهم, وهي وسيلة لأنه عن طريق المشاركة يشعر الناس بأهميتها ويمارسون طرقها و أساليبها, وتتأصل فيهم أنماط وأساليب تصبح جزءا من سلوكهم وثقافتهم. لهدا نصت كافة الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، على ضرورة ضمان الحرية وذلك بإجراء الانتخابات في مناخ حر و ديمقراطي وعدم تعرض المواطنين للخوف أو التنكيل نتيجة اختياراتهم. لكن هدا الشرط, اي نزاهة الانتخابات, غير كافية في انجاح اي عملية ديمقراطية في غياب مشاركة فعالة من المواطن في اختيار القادة السياسيين على أي مستوى: حكومي، أو محلي. في هذا السياق تعتبر انتخابات أعضاء المجالس البلدية الجماعية وأعضاء مجالس الجهات, التي عرفها المغرب مؤخرا (الجمعة 4 سبتمبر 2015) محطة هامة في مساره الديمقرطي حيث تآتي هذه الاستحقاقات في سياق اعتماد قوانين تنظيمية جديدة متعلقة بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. ورغم ما عرفته العملية الانتخابية من تبادلت الأحزاب السياسية المتنافسة(مشاركة 29 حزبا) بينها الكثير من الاتهامات بالفساد واستعمال المال ومقاطعة "العدل والإحسان" الإسلامية و"النهج الديمقراطي" اليساري الا ان حسب المراقيب هذه الاستحقاقات مرت في جو منح الضمانات الأساسية للحرية والنزاهة والشفافية، مو أن الخروقات التي تمت ملاحظتها لا تمس جوهريا بسلامة ونزاهة الاقتراع. مما ايعتبر قفزة نوعية في المسار الديمقراطي المغربي . لكن نسبة المشاركة من خلال الأحزاب تتسم بالضعف و المحدودية, حيث لم تنجح الأحزاب السياسية في حث الجماهير علي المشاركة و فتح قنوات جديدة بين الجماهير وصانع القرار. لانجاح هدا الانتقال اليمقراطي يتطلب مشاركة كبيرة من المواطنين و احزاب دات مصداقية في مستوى هدا الانتقال الدي يعرفه المغرب. لان , من الناحية النظرية على الاقل, ، تلعب الأحزاب السياسية دورا مركزيا في بناء مؤسسات ديمقراطية التي تعمل على تمثيل مصالح المواطنين. حيث تسهر هده الأحزاب السياسية خلال مرحلة الانتخابات على وضع جداول الأعمال السياسية التي يمكن أن تستجيب لهموم المواطنين وتعكس رؤيتها المستقبلية لخدمة الجتمع. في الممارسة العملية، فكما لحظنا في الانتخابات الاخيرة عجزت الأحزاب في تطوير اليات عملها من أجل التواصل مع المواطنين مما اثر بشكلا سلبي على نسبة المشاركة.وهدا ماتؤكده الاحصائيات حيث شارك في الانتخابات 14.5 مليون مغربي، (53,67 بالمئة). هده النسبة ضعيفة ادا اخدنا بعين اللاعتبار انها نسبة المشاركة المعلن عنها لا تشمل إلا المُسجّلين في اللوائح الانتخابية (حوالي 15 مليون) أما الذين اختاروا عدم التسجيل أو لم يبالوا به، فهم لايدخلون في نسبة المشاركة. الكل مسؤول عن عزوف المواطن عن الشاركة السياسية ، فالسلطة مسؤولة لتوفر الأجواء المشجعة على الانتخاب،لكن الأحزاب مسؤلة بنسبة اكبر لتقدم من البرامج والمترشحين ما يشجع على المشاركة، ولتقوم بما يكفي من العمل الميداني مع المواطن وإقناعه بالذهاب للانتخاب.أن الطبقة السياسية مطالبة بالعمل أكثر على تقليص نسبة الامتناع عن التصويت ومحاولة رفع نسبة التصويت إلى مستويات مقبولة. من بين الخطوات التي يمكن ان تساهم في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات و اعادة تقة المواطن في العمل السياسي هو اعادة النظر في الطريقة التي تمنح بها التزكية الحزبية لااختيار اعظاء الوائح الا نتخابية. قبيلة كل استحقاق انتخابي في المغرب تطفو فوق السطح مسألة اعداد اللوائح الانتخابية و عملية منح التزكية. حيث تضع الأحزاب السياسية مساطر ومعايير لمنح تزكياتها للأشخاص، الذين يطمحون إلى الترشح باسمها ، وتتباين هذه المساطر والمعايير من حزب إلى آخر.بعضها يضع لجانا لتدبير العملية وأخرى أوكلت المهمة لهياكلها التنظيمية ففي الوقت الذي اختارت بعض الأحزاب شخص أوكلت إليه مهمة تدبير عملية منح التزكيات.هكذا اصبحت عملية منح التزكيات في بعض الاحزاب مسألة مصالح دون أي استشارة مع القواعد في قرارات منح التزكية مما أفقد الكثير الثقة في الإطارات السياسية. وكما يلاحظ يتم تغيب الناخب في اداء رايه في عملية الاختيار الاولي لمنح التزكية للمنتخبين مما ينتيج عنه لوائح لا تظيف اي قيمة للحزب . الحقيقة ان الشعب المغربيى لم يعد يعتبر الانخاط في الاحزاب السياسية مسالة ضرورية لهدا فاعطاء تحظير اللوائح الانتخابية مكان مهمة لما يلعبه الافراد يوم ادلاء الاصوات في تحديد الفائز. لدا ففترة ما قبل االنتخابات حاسمة ودات اهمية بالغة لاختيار اعظاء اللوائح بشكل يشجيع المواطن على المشاركة في االنتخابات. من أجل ذلك على الاحزاب اعادة النظر في طريقة تزكية اعظاء الوائح الانتخابية. ومن اجل المساهمة في دفع بالنقاش اقترح خيرين يتم اعتماذهما في دول أخرى.0. الخيار الاول الاعتماد على الانتخابات التمهيدية أو الانتخابات الأولية وفيه يقوم الحزب بإجراء انتخاب بين أعضائه لاختيار الأعضاء الذين سيمثلون الحزب في الانتخابات العامة القادمة. ويمكن أن يرشح أيُّ عدد من أعضاء الحزب أنفسهم في الانتخاب التمهيدى، ولكن الفائزين فقط هم الذين يمثلون الحزب في الانتخاب العام.وتساعد الانتخابات الأولية الأحزاب على معرفة أي من المرشحين يفضله أعضاء الحزب. ومن خلال هذه العملية الانتخابية الأولية يتم اختيار المرشحين للانتخابات االجماعية والاقليمية و على مستوى الجهة. هذه الانتخابات تجرى من قبل الناخبين، وليس من قبل قادة الأحزاب. لكن بالنسبة لكيفية إجراء ذلك بالضبط، فإنه يجب أن يعتمد على الإطار القانوني والقواعد الداخلية للحزب. هكذا ستساهم العملية في تعبئة اطر الحزب وقواعده استعدادا للانتخابات العامة و اشراك الشعب في صنع القرار يمكن للاحزاب الاعتماد على طريقة اخرى اقل تكلفة وهي جمع التوقيعات في المرحلة التمهيذية. أن مسألة التوقيعات هي واحدة من وسائل البحث عن طرق أخري لاقتراب من االمواطن. وهي تختلف تماما عن التصويت ومع ذلك فإن للتوقيعات فضيلة أنها تلقي الضوء علي المترشح , وتضعه في احتكاك مباشر مع الناخبين , وتعطي الرأي العام فرصة لتقييمه وإذكاء روح المنافسة.لكن على الحزب متابعة جمع التوقيعات وأعدادها الحقيقية عن كتب وضع في الحسبان ان جمع التوقيع قد يخضع لقواعد الإحراج والضغط الشخصي. في الاخير يتم اختيا ر اعظاء الوائح الانتخابية على اساس عدد التوقعات التي حصل عليها المتنافسون. وخلال المرحلة التمهيدية في التنافس على اللوائح الحزبية يمكن استثماره في تسجيل الناخبين.ما يهمنا هنا هو تسجيل أن كل من الخيارين, الاعتماد على الانتخابات التمهيدية اوحملات جمع التوقيعات,يضيفان ابعادا آخر للمسار السياسي الجاري في البلاد, وتعطي فرصة للشعب االفرصة للمشاركة في ااختيار ممثليه منذ انطلاقته.. الانتخابات ليست معادلة صفرية يتم تقيمها حسب ثنائية الربح و الخسارة للعدد المقاعد بل هي فرصة سانحة لطرح البرامج والأفكار للنقاش مع القواعد الحزبية ووتمرين الشباب الواعد على العمل السياسى ليكونوا اعمدة يرتكز عليها في اتمام المسار الديمقراطي . و أى منظمة سياسية مسؤلة عليها ان تشاركة في تعبئة المجتمع و لا تترك المجال لأباطرة الانتخابات يعيثون فيها فسادا. الخلاصة هي أن رفع نسبة المشاركة في الانتخابات خطوة اخرى الى الامام في المسار الديمقراطي و رهان أساسي وحاسم يتطلب التعبئة الشاملة من طرف الاحزاب حتى تكون في مستوى تطلعات الشعب المغربي.إن جميع الدول التي مرت بمراحل انتقالية في تأسيس نظمها السياسية ، لم تجد حلول جذرية لجميع المشاكل في آن واحد ويمكن قول ان المغرب يرى الضوء في آخر النفق .