هر التي تحف المشهد الانتخابي بالوطن للتسلية فقط، وليس بغية نشر اكتشاف جديد. وقلت في خربشتي السابقة أن المتعطشين لتسيير الشأن المحلي و الوطني نوعان: نوع غر لا يعرف شيئا، و نوع يحترف العمل السياسوي الانتخابوي. وفي هذه الخربشة سأتناول المصوتين وقلت سابقا أنهم ثلاثة انواع على اختلاف أعمارهم: النوع الأول: وهم غالبية المصوتين ويحترفون التصويت و هم جيش من السكان المهمشين الذين يعتبرون الانتخابات متنفسا لقضاء مآربهم البسيطة و المتمثلة في بعض المصالح الخاصة كحضور وليمة أو الحصول على مبلغ مالي زهيد لكل فرد، أو فك دين قد لا يتعدى ألف درهم على ابعد تقدير. ضمن هذا النوع سنتحدث أيضا عن الوسطاء، وفي غالبيتهم نجد فقهاء المساجد، وتجار الخمور و الممنوعات و ووسيطات الدعارة و أعوان السلطة وأرباب العائلات الكبيرة عددا...و الوسطاء هم الذين يربطون اتصالات بهؤلاء المهمشين، و يحصلون على عمولات أفضل من المصوت نفسه، إذ قد يستفيد الوسيط من مبالغ مالية قد تصل الى 100000 درهم على ابعد تقدير وكذا امتيازات عينية وسمعة في الوسط الذي يعيش فيه، وتختلف الوساطة و ثمنها أيضا حسب طبيعة الدائرة الانتخابية. وتجدر الإشارة انه لولا الوسيط فهذه الفئة تضل غير مبالية بالتصويت.
النوع الثاني: هم طبقة يمكن أن تصنف ضمن ذوي الدخل المتوسط، وتنقسم إلى قسمين: فئة تصوت مقابل امتيازات عينية، كالحصول على رخصة البناء مثلا أو ربط للماء والكهرباء، كما يمكن أن تحصل على محل تجاري أو عقار أو رخصة سياقة طاكسي، أو استغلال أملاك البلدية، أو تشغيل لأحد الأقرباء وتكون تعبئتها ضرورية وتحت مضلة الانتماء الحزبي أو القبلي أو العائلي و تتخذ لبوسا متحضرا، بل وقد تجند ما يسمى بالمجتمع المدني المتمثل في جمعيات ووداديات وتعاونيات لا يظهر معظم نشاطها إلا في الحملات الانتخابوية، كما بدأت الآن في الانفتاح على الشبكات الاجتماعية لتشغيل ماكينتها الانتخابوية و التي تكون سابقة لأوانها حتى لا تتهم بالتعبئة الانتخابوية الآنية. وتتم عملياتها بأقنعة مختلفة يتداخل ويختلط فيها الديني بالخيري، والرياضي بالفني والإعلامي.
أما الفئة الثانية ضمن هذا النوع فلا تصوت وتعتبر الانتخابات مجرد سحابة صيف عابرة.
النوع الثالث: هم طبقة من ذوي الدخل المرتفع أو النشاط التجاري العالي، و هم رجال أو نساء أعمال، يسخرون مركزهم ووضعهم الاجتماعي لدعم مرشح معين، تحت لافتة حزبية أو قبلية، وذلك لوضع بيادق في مراكز القرار إن على المستوى الوطني أو المحلي، وبالتالي الاستفادة من الأوعية العقارية للجماعات، و فرص استثمار تحتاج لنفوذ سياسي في الجماعات الترابية، كما تستفيد من رخص و تصاميم التهيئة، و مشاريع تفوض لشركاتهم مقابل رساميل ضخمة، ويشكل تشغيل الشباب الدعامة الأساسية لوقود الحملات الانتخابوية لدى هذا النوع.
وباختصار، إن النجاح في الانتخابات لا يتأتى إلا باستخدام هذه القنوات، وبالتالي التحكم في أصوات الناخبين، و للإشارة فهذه الكتلة الناخبة لا تقاطع و لا تستوعب الجرم السياسي الذي تقترفه. لكن الفوز أو نجاح المقاطعة مثلا، لن يتحقق إلا بالتحكم بهذه الأنواع الثلاث .