إذا كان الدّور الأوّل في بناء شخصيّة الإنسان المتّزنة يعود للعائلة، فدور الدّين لا يقلّ أهمّيّة عنها. وإن كان للأهل دور كبير في التّنشئة الدّينيّة، فإنّ هذه المسؤوليّة ملقاة على عاتق المؤسّسات الدّينيّة، الموكلة بنشر الفكر الدّيني. لا يقتصر التّعليم الدّيني على قراءة آيات مقدّسة وحفظها وحسب، وإنّما يعتمد بشكل أساس على تربية الشّخصيّة الإنسانيّة بكل أبعادها، الفكريّة والثّقافيّة والنّفسيّة والرّوحيّة. ولمّا كانت الأديان مبنيّة على المحبّة والانفتاح، وجب بثّ روح المحبّة في قلب الإنسان، لينفتح على الآخر. فلا يكون التّعليم الدّينيّ مجرّد تلقين عنصريّ وإنّما سلوكٌ حرٌّ ينفتح من خلاله الفرد على الآخر ويتقبّله كما هو. كما لا يتّفق التّبشير بالمحبّة بين الجماعة الواحدة، بل يجب أن تنتقل إلى الآخر. فالمحبّة تفاعل مطلق وشامل، ولا تقتصر على أشخاص معيّنين. ولا تترجم معناها الحقيقيّ في الجماعة الواحدة الّتي تؤمن بنفس العقائد وتتبنّى المفاهيم عينها، بل عندما تتقبّل هذه الجماعة مفاهيم الآخر وتحترمها وتناقشها دون الاقتناع بها. كما تؤثّر الحوارات الدّينية على الفكر الإنسانيّ وتركيبته النّفسيّة. فهذه الحوارات الكثيرة بأغلبها لا تظهر سوى المزيد من العنصريّة والانغلاق، إذ إنّها تتحوّل إلى جدالات وسجالات، تستفزّ الغرائز وتثيرها، وتعمّق الحقد والكراهية بين الأفراد. ويجتهد كلّ طرف منها في إثبات دينه الحقّ، ويعزل نفسه عن الآخر ويعتبره خارجاً عنه. ناهيك عن التّراشق بالاتّهامات، والحروب الكلاميّة الّتي ترمي بالرّسالة الدينيّة السّامية في هاوية الجهل. لا يخلو أيّ دين على مستوى الأشخاص من الأخطاء، فالإنسان أيّاً كانت عقيدته، يخضع للضّعف البشريّ، وبالتّالي لا يجوز لأحد أن يزايد على أحد. وهذه الأخطاء نتجت عن الافتقاد للحوار والانفتاح والمحبّة. كما تمّ الاستخفاف بروحانيّة الدّين واستُخدم الحرف سلاحاً لشنّ أفظع الحروب وفرض السّلطة الدّينيّة واستعباد النّاس باسم الله. المحبّة وحدها سيّدة كلّ دين، والمبدأ الأصيل لكلّ حوار، وهي واحدة وإن تعدّدت السّبل إليها .