انكب نخبة من الباحثين المغاربة والأمريكيين، مساء أمس الجمعة بالرباط، على مناقشة موقع الإسلام في أمريكا بين تصور الآباء المؤسسين للولايات المتحدة ورؤيته المعاصرة. وسلط كل من روبرت أليسون، أستاذ التاريخ بجامعة سوفولك، وبول هيك، أستاذ الأديان بجامعة جورج تاون بالولاياتالمتحدة، وحسن أوريد الباحث والمفكر، والمختار غامبو، الأستاذ الباحث، الضوء على جوانب متعددة من علاقة الولاياتالمتحدة بالعالم الإسلامي. وفي معرض بسطه لتصور الآباء المؤسسين للولايات المتحدة للإسلام، أكد أليسون أن منطقة شمال إفريقيا شكلت بالنسبة للآباء المؤسسين "مرآة" عكست طموحاتهم في بناء مجتمع ينعم بالحرية ويسود التناغم بين مختلف مكوناته الدينية والثقافية والإثنية. وشدد خريج جامعة هارفارد على أن رؤية الآباء المؤسسين اتسمت بÜ"البراغماتية" حيث راموا، من خلال الاطلاع على تجارب هذه البلدان، أساسا، اكتشاف طرق تفاعل وتنظيم مكونات المجتمع المختلفة داخل بلدان شمال إفريقيا. وأبرز الباحث انفتاح توماس جيفرسون على تعاليم الإسلام ومنظومته القانونية سواء خلال مقامه في باريس كسفير للولايات المتحدةالأمريكية أو عهدته الرئاسية، متوقفا عند مجموعة من المحطات التي طبعت الفترة الأولى من اتصال الولاياتالمتحدة بالعالم الإسلامي والتي ترجع إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الثامن عشر. وفي هذا الصدد، أشار أليسون، بالخصوص، إلى إبرام الولاياتالمتحدة مع المغرب أقدم معاهدة للسلام والصداقة تجمعها مع بلد أجنبي، واعتقال السلطات الجزائرية الخاضعة آنذاك للسيطرة العثمانية لعدد من الأمريكيين خلال إبحارهم بالمياه الجزائرية دون ترخيص. متبنيا مقاربة منطلقها الأشخاص العاديون، استعرض المختار غامبو مجموعة من الوقائع التي تؤرخ للعلاقة المتميزة التي ربطت بين المسلمين والأمريكيين، مسلطا الضوء على قصة مصطفى الزموري، الذي سيق كعبد "للعالم الجديد" ونجح في إقامة علاقات إنسانية متميزة مع ساكنة الولاياتالمتحدة وتحرير نفسه من قيد العبودية. كما استحضر مضامين المحادثة الهادئة التي جرت بين إمام مسلم وأسير أمريكي من الذين اعتقلتهم السلطات الجزائرية. أكد غامبو أن البحث في ماضي العلاقات بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي يفتح الباب أمام تغيير الرؤية الحالية القائمة على التوتر والتنافر بين الطرفين. من جانبه، تطرق أوريد لأوجه تأثير العالم الإسلامي والولاياتالمتحدة في بعضيهما، مؤكدا أن التأثير سار في الاتجاهين وأن الطرفين أثرا في المخيال الجماعي لبعضهما منذ زمن طويل. وبخصوص تأثير الإسلام على الولاياتالمتحدة، أشار فضلا عن الزموري وقصص الرهائن الأمريكيين بالجزائر مع عدد من المسلمين، إلى النسبة المعتبرة من أبناء غرب إفريقيا المسلمين الذين سيقوا كعبيد للولايات المتحدة وساهموا في بناء الشخصية الأمريكية على امتداد العقود. وفي ما يتعلق بتأثير الولاياتالمتحدة في العالم الإسلامي، أبرز أن الولاياتالمتحدة كانت أحد أكبر المساندين لحركات التحرر بعدد من الدول الإسلامية، سواء من خلال نقاط ويلسن الأربعة عشر، أو الميثاق الأطلسي لسنة 1941، ولقاء أنفا الذي احتضنته المملكة. وقال إنه لأسباب متعددة، أبرزها الحرب الباردة، اتخذت العلاقات بين الطرفين، لاسيما بعد حرب يونيو 1967 اتجاها معاكسا. أما بول هيك، فنقل الحضور إلى واقع المسلمين في الولاياتالمتحدة اليوم، مؤكدا أن المسلمين لهم ضمانة قانونية في ممارسة ديانتهم من خلال عدم تمييز الدستور الأمريكي بين أي دين، مؤكدا على أهمية إيجاد المسلمين موقعا لهم في "الشخصية" الأمريكية تماما مثلما فعلت باقي المجموعات الدينية والاثنية من قبيل اليهود والكاثوليك الذين عانوا في الماضي من التمييز وسط المجتمع قبل أن ينصهروا فيه. وأبرز أستاذ الأديان أن المسلمين الأمريكيين بدأوا في هذا المسار، مشيرا إلى أنه منذ هجمات 11 شتنبر، أضحى المسلمون أكثر المنخرطين في الحوار بين الأديان وأشد المدافعين عن الحقوق الفردية التي تعد احدى السمات الأساسية للشخصية الأمريكية. وأكدت رئيسة مؤسسة الصداقة المغربية الأمريكية، ياسمين الحسناوي، في كلمة افتتاحية أن هذه الندوة التي تنظمها المؤسسة بمعية مؤسسة "سيركل جيفيرسون باريس" وبتعاون مع سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمغرب حول موضوع "الآباء المؤسسون للولايات المتحدةالأمريكية والإسلام"، تروم القطع مع الأفكار المسبقة السلبية المنتشرة حاليا في صفوف المسلمين والأمريكيين حول بعضهما، وإرساء أرضية للنقاش بين محاضرين مرموقين من المغرب والولاياتالمتحدة وجمهور غني من الأساتذة الجامعيين والمثقفين والمنظمات غير الحكومية لتقاسم معارفهم حول موقع الإسلام في الولاياتالمتحدة منذ تأسيسها وإلى غاية القرن الواحد والعشرين. وفي ختام هذا اللقاء، الذي تميز بحضور على الخصوص نائب رئيس بعثة السفارة الأميركية، السيد ماثيو لوسنهب، وقعت مؤسسة الصداقة المغربية الأمريكية ومؤسسة "سيركل جيفيرسون باريس" اتفاقية للتعاون في ما بينهما.