المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى احترام حق الجمعيات في التبليغ عن جرائم الفساد    بحث رسمي: 11.2% فقط من الأسر المغربية ترجح قدرتها على الادخار    واتساب تطلق ميزة "الخصوصية المتقدمة للدردشة" لحماية المحادثات من التصدير والتنزيل التلقائي    نائب عمدة الدار البيضاء يتهم محسوبين على "جماهير الحسنية" بتخريب بعض مرافق ملعب محمد الخامس    نبيل باها: قد نصبح قوة كروية كبرى إذا واصلنا على نفس المنوال    كرة القدم.. المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يتوجه إلى مصر للمشاركة في كأس إفريقيا    تأجيل محاكمة عزيز البدراوي ومحمد كريمين    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    20 مليار مقطع فيديو حُمّلت على "يوتيوب" منذ إطلاقه قبل 20 سنة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    مديرة وكالة الدعم الاجتماعي من واشنطن: الميزانية السنوية للدعم الاجتماعي قد ترتفع إلى 30 مليار درهم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    قراءة في الجولة الثامنة من الدوري الاحترافي : الجيش الملكي يزكي رتبته … والرجاء تعود في صمت … والوداد تتعذب    بنكيران يناشد "إخوانه" بالتبرع لتغطية تكاليف عقد مؤتمر "المصباح"    إحباط تهريب أكثر من 11 ألف مفرقعة بميناء طنجة المتوسط وتوقيف فرنسي من أصل مغربي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    سلسلة هزات ارتدادية تضرب إسطنبول بعد زلزال بحر مرمرة وإصابة 236 شخصاً    الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية: منصة للإبداع المجتمعي تحت شعار "مواطنة مستدامة لعالم يتنامى"    روبي تحيي أولى حفلاتها في المغرب ضمن مهرجان موازين 2025    الصين تنفي التفاوض مع إدارة ترامب    وزراء الخارجية العرب يشيدون بالجهود المتواصلة التي يبذلها الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس من أجل الدفاع عن القدس الشريف    الملك محمد السادس يعطي اليوم انطلاقة أشغال مشروع القطار فائق السرعة "LGV" القنيطرة – ومراكش    مجلس حزب الاستقلال بإقليم ميدلت يدعو إلى تخليق الحياة العامة والنهوض بالأوضاع التنموية    الحبس ثلاث سنوات لشرطي وسنتين لآخر وتبرئة الثالث في قضية ياسين شبلي ومحاميه يصف الأحكام ب"الصادمة"    حشود غفيرة تودع البابا فرنسيس    اتحاد طنجة يحتج بشدة على "المهزلة التحكيمية" ويطالب بفتح تحقيق عاجل    وعي بالقضية يتجدد.. إقبال على الكتاب الفلسطيني بمعرض الرباط الدولي    الجيش المغربي يجري مناورات "فلوطيكس 2025" في المتوسط لتعزيز جاهزية البحرية    المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة: المغرب نموذج بارز للابتكار    الصين تعلن عن التجارب الجديدة لعلوم الحياة في محطة الفضاء    خالد بوطيب يجبر فيفا على معاقبة الزمالك    في 58 دائرة انتخابية.. "الأحرار" يهيمن على نتائج الانتخابات الجماعية الجزئية    شراكة رائدة بين بيوفارما و الفدرالية المغربية لمربي أبقار سلالة أولماس – زعير لتطويرهذه السلالة المغربية    كيوسك الخميس | المغرب وجهة استراتيجية للمصنعين الأوروبيين للسيارات    جهة الداخلة – وادي الذهب تضع الاستثمار في صلب دينامية التنمية الجهوية    برادة يحوّل التكريم إلى "ورقة ترافعية" لصالح المغاربة و"اتحاد الكتاب"    السبتي: العنف الهستيري ضد غزة يذكّر بإبادة الهنود الحمر و"الأبارتايد"    إيواء شاب يعاني نفسيا مستشفى انزكان بعد احتجاج عائلته على عدم قبوله    "الذكاء الاصطناعي" يرشد الفلاحين بالدارجة في المعرض الدولي بمكناس    طنجة.. مصنع كبير "يطمع" في الرصيف ويشوّه وجه المدينة! (صور)    منتوج غريب يتسبب في تسمم 11 طفلا باشتوكة    مشاركة OCP في "سيام".. ترسيخٌ للعنصر البشري في التحول الفلاحي    البطولة: الجيش الملكي يعزز وصافته والمغرب التطواني يحقق تعادلا مثيرا أمام الفتح الرياضي في الرمق الأخير من اللقاء    مقاضاة الدولة وأزمة سيادة القانون: الواقع وال0فاق    الحكم الذاتي والاستفتاء البعدي!    نادي "الكاك" يعتذر لجمهور القنيطرة    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    في الحاجة إلى مغربة دراسات الهجرة..    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يدفع الشعوب للاستنجادِ حتى بالشياطين؟
نشر في أخبارنا يوم 27 - 11 - 2011

أجريت قبل حوالي عشر سنوات استفتاء في برنامجي. يسأل الاستفتاء الأخوة المشاهدين والمشاهدات:” هل ستدافع عن وطنك فيما لو تعرض لتدخل خارجي بحجة التخلص من نظام الحكم الظالم في بلدك؟”
وقد كانت النتيجة متوقعة، خاصة في ظل أجواء التحضير الغربي لغزو العراق وقتها. أكثر من خمسة وثمانين بالمائة من المصوتين عبروا عن استعدادهم التام لصد التدخل الخارجي والدفاع عن أوطانهم حتى لو كان الهدف المعلن من ورائه تخليص الشعوب من الطواغيت الجاثمين على صدورهم.
عندما أقارن تلك الأجواء قبل حوالي عقد من الزمان بالأجواء السائدة الآن في العالم العربي أشعر بقشعريرة رهيبة، لا بل بكثير من الحزن والأسى على هذا التحول الخطير في مواقف الشعوب العربية من التدخل الخارجي. لكن منبع حزني ليس انقلاب الشعوب على مواقفها القديمة بقدر ما هو امتعاض شديد من أولئك الذين دفعوا الشعوب إلى التفكير بالمحظور حتى لو كان تدخلاً عسكرياً في بلدهم.
لقد كان السواد الأعظم من الناس في الماضي يعتبرون كل من يحاول الاستعانة بالخارج خائناً وجب رجمه وحتى نفيه خارج الأوطان، إن لم نقل قتله.
يا الله كم كانت جرعة الحمية عالية في نفوس الكثير من العرب وقتها!! بدليل تلك المظاهرات الحاشدة التي خرجت في أكثر من بلد عربي ضد التدخل الغربي في العراق. لكن على ما يبدو أن طواغيتنا الساقطين والمتساقطين أبوا إلا أن يجعلوا الشعوب تكفر بوطنيتها وحتى بأوطانها، وتمد يدها حتى للشياطين كي تساعدها في التخلص من رجس جلاديها وفاشيتهم وهمجيتهم غير المسبوقة.
لنقارن الجو السائد الآن بالجو الذي ساد قبل حوالي عقد من الزمن فسنرى أن الكثير من الشعوب بات يتوسل للخارج أن يتدخل كي يحميه، وينقذه من براثن الطغاة وجيوشهم وبلطجيتهم وقتلتهم المأجورين وأجهزة قمعهم الرهيبة.
لقد عرفت الكثير من الدعاة والنشطاء السياسيين والإعلاميين الذين كانوا يعتبرون مجرد التفكير بالاستعانة بالأجنبي خطيئة لا تغتفر، إلا أنهم اليوم يتصدرون الصفوف المطالبة بتدخل دولي أو على الأقل حماية دولية لهذه الانتفاضة العربية أو تلك.
لا بل بتنا نشاهد مظاهرات عربية حاشدة ليس ضد التدخل الأجنبي، بل للمطالبة به. وكم شاهدنا لافتات مكتوبة بالخط العريض يحملها المتظاهرون وهي تندد بالمجتمع الدولي لأنه يتخاذل في نصرتهم سياسياً وحتى عسكرياً.
في الماضي القريب كانت كل اللافتات العربية المرفوعة تندد بالتدخل الدولي، وتحذر من مغبته وتبعاته. أما الآن، فهي تندد بكل من لا يتدخل، وبكل من يحذر من التدخل. وقد لاحظنا أن بعض الثورات العربية خصصت أياماً كاملة من مظاهراتها للدعوة للتدخل، أو لصب جم غضبها على الذين يتكاسلون في التدخل. هل شاهدتم مظاهرة عربية واحدة تندد بتدخل الناتو في ليبيا؟ لا.
لم تعد المطالبة بالمساعدات العسكرية الخارجية، حتى بثمن، رجساً من عمل الشيطان فاجتنبوه، بل غدت مشروعة، لا بل مطلوبة تماماً، إن لم نقل فرض عين. قليلة جداً هي الأصوات التي تحذر، أو تسخر من المطالبين بالتدخل.
وقليلة أيضاً هي وسائل الإعلام التي تستنكر الاستنجاد بالأجنبي للمساعدة في إزاحة هذا الطاغية أو ذاك. لقد غدت رغبات التائقين للتدخل عنواناً عريضاً على صفحات الجرائد العربية والمواقع الإلكترونية. والويل كل الويل لمن يبدي رأياً معارضاً للتدخل، فهو ملعون مطعون وخائن إلى يوم الدين.
باختصار، لقد أصبح الوطني ذاك الذي يطالب، ويبارك الاستعانة بالأجنبي، والخائن هو الذي يعارض الاستعانة. آه كم شعرت بالصدمة عندما سمعت أناساً كانوا وطنيين إلى وقت قريب وهم يقولون:” الآن باستطاعتنا أن نتفهم دعوة أحمد الجلبي للأمريكيين كي يضربوا النظام الحاكم في العراق، ونعذره.
والآن نستطيع أن نتفهم كنعان مكية وهو يقول: إن وقع أصوات الغارات الأمريكية على جيش صدام كانت أجمل من أنغام بيتهوفن على أذني”.
كم تفاجأت عندما سمعت شاباً عربياً على إحدى الفضائيات وهو يتوعد جيش بلاده بطائرات أوباما “العظيمة” على حد وصفه! وضع رهيب للغاية فعلاً ومثير للبحث والدراسة والتمحيص. من الذي دفع الشعوب إلى التفكير بالاستنجاد حتى بالشياطين؟
لقد سمعت أناساً كثيرين، بمن فيهم كتاب وإعلاميون ونشطاء، يقولون إن الفرق قد زال في نظر ملايين العرب بين الطواغيت المحليين الجاثمين على صدور الشعوب تحت شعارات وطنجية واهية وأولئك الذين كنا نحاربهم إلى وقت قريب كأعداء ومحتلين وغزاة.
لا بل إن أحدهم قالها بوضوح: “لم يعد هناك فرق بين الغازي الأمريكي والعدو الصهيوني من جهة والأعداء المحليين الممثلين بالطغاة العرب من جهة أخرى.
لقد أثبتت الثورات العربية الأخيرة للكثير من الشعوب أن الغزاة والأعداء أرحم بهم بكثير ممن أسماه الشاعر اليمني الكبير البردوني يوماً “بالمستعمر الوطني”.
وقد قالها أحد كبار الشيوخ قبل فترة:” لقد كان المستعمر الفرنسي أكثر رحمة بنا من طواغيتنا الآن، فعلى الأقل عندما كنا نحارب الفرنسيين، ونهرب إلى المساجد للاحتماء داخلها، كان الجنود الفرنسيون يحترمون قدسية المساجد والجوامع، وبالتالي يمتنعون عن دخولها أو قتلنا داخلها وتدنيسها.
أما الآن فقد أصبح الهجوم على المساجد وتدميرها أسهل من شرب الماء بالنسبة للطواغيت العرب وعصاباتهم المجرمة”.
ويصيح كاتب ليبي: ماذا كان سيفعل القذافي بمدينة بنغازي التي انفصلت عن نظامه لو لم يتدخل الخارج. ربما كانت الآن في غياهب اللاوجود.
كيف تلوم الذين يطالبون بالتدخل الأجنبي في هذه الحالة، يتساءل ناشط سياسي عربي؟ ما الذي أجبرك على المر غير الأمر منه، يضيف آخر؟
يا الله لماذا أوصلوا شعوبنا إلى هذا الوضع؟ أليس حرياً بالأنظمة التي تعتبر المطالبين بتدخل خارجي خونة وعملاء بألا تلوم إلا نفسها أولاً ؟ أليس الطواغيت السفلة هم المسؤولون عن دفع الشعوب حتى إلى أحضان الشياطين؟
لم أكن أتصور يوماً أن الإنسان العربي سيبدأ بالنظر إلى أعدائه التقليدين كالصهاينة والأمريكيين نظرة طبيعية مقبولة. لقد لاحظت في الآونة الأخيرة أن كثيرين لم يعودوا يهتمون بالصراع مع الأعداء أبداً بعد أن أصبح جل اهتمامهم منصباً على مقارعة العدو الداخلي الذي قتلت جيوشه من الشعوب أكثر مما قتلت من الأعداء بعشرات المرات، مما جعل العدو الخارجي، رغم فظاعاته التاريخية، يبدو أكثر رحمة وإنسانية وقبولاً.
حسبي الله ونعم الوكيل !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.