1) أمس، اتصلت بالأمل قلت له، هل ممكن أن يخرج العطر لنا من الفسيح والبصل؟ قال أجل قلت، وهل ممكن أن تُشعل النار بالبلل؟ قال أجل، فكل شيء محتمل قلت، إذن حكام العرب سيشعرون يوما بالخجل؟ قال، أبصق على وجهي إذا هذا حصل إذن، لا أمل... بهذه الأبيات الشعرية الساخرة والحارقة التي كتبها الشاعر العراقي أحمد مطر، بدأ فيصل القاسم، الحلقة الأخيرة من برنامج "الاتجاه المعاكس" على شاشة قناة "الجزيرة" القطرية، والتي عرفت مفاجأة كبرى، تمثلت في كون 68,7 % من العرب يعتبرون الاستعمار الأجنبي أرحم بهم من الأنظمة العربية الحاكمة! 2) هذه النتيجة الغريبة والمثيرة التي انتهى إليها تصويت العرب في برنامج تلفزيوني مباشر، تعكس حالة الانفصام الخطير الذي يعاني من ويلاته العرب اليوم، والذي يجعلهم لا يعرفون ما الذي يريدونه بالتحديد، فهم من جهة، يعتبرون الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب بصفة عامة شرا مستطيرا، ومصدرا لكل الشرور التي تحيط بهم، وفي نفس الآن يعتبرون هذا الغرب "الامبريالي والاستعماري" أرحم بهم. ممّن؟ من الأنظمة التي تحكمهم! ما يعني أن العرب ينطبق عليهم اليوم ما سوف ينطبق على الداخلين إلى جهنم بعد يوم الحساب، والذين سيبحثون عن جواب لسؤال واحد: أين المفر؟ العرب يكرهون الغرب (ظاهريا فقط)، ويعتبرونه في ذات الوقت رحيما، لذلك فهم أيضا يتساءلون أين المفر؟ أي أن أيامهم تشبه كثيرا يوم الحشر! 3) وما يثير الانتباه والاستغراب في نتيجة تصويت برنامج "الاتجاه المعاكس"، هو أن الذين شاركوا في هذا التصويت هم من مشاهدي قناة "الجزيرة"، التي تحمل همّ القومية العربية، وتقف في وجه الولاياتالمتحدةالأمريكية، (المستعمر الأكبر في الوقت الراهن)، ومع ذلك صوّت مشاهدوها ضد التيار الذي تسير وفقه الجزيرة، ما يعني، أن كل مَشاهد المجازر التي اقترفها جنود الجيش الأمريكي، ونقلتها كاميرات الجزيرة إلى مشاهديها من العراق وأفغانستان والصومال وغيرها، إضافة إلى فضائح سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو الأسود، والمجازر التي يقترفها الجيش الإسرائيلي المدعوم أمريكيا في حق الفلسطينيين.. كل هذا لم يؤثر على "سمعة" الاستعمار الغربي في عيون العرب، والدليل هو أن ما يقارب سبعين بالمائة منهم يعتبرون الجيوش الاستعمارية أرحم من الأنظمة العربية الحاكمة! وإذا كان هذا هو رأي مشاهدي الجزيرة، فماذا يا ترى سيكون رأي الجيل الثالث والرابع الذين يشاهدون قنوات الخلاعة العربية، والذين لا يعرفون شيئا اسمه القومية العربية، ومهتمون بما يجري في الغرب أكثر من اهتمامهم بما يجري داخل أوطانهم؟ إن نتيجة التصويت التي انتهت عليها الحلقة الأخيرة من برنانج "الاتجاه المعاكس"، تعبّر عن شيء واحد، وهو أن اغلبية العرب يفضلون العيش تحت سيطرة الاستعمار الأجنبي، على العيش تحت أحذية الأنظمة العربية الطاغية، غيرْ حْشمو يْگولوها ديريكيت وصافي! 4) إن الشيء الوحيد الذي يحتاجه العرب اليوم، هو أن يتم إدخالهم إلى مصحات الأمراض العقلية والنفسية واحدا واحدا، لعل وعسى أن يستعيدوا توازنهم النفسي والعقلي. فلا يعقل أن نشاهد المظاهرات الاحتجاجية الصاخبة ضد الغرب، تجوب شوارع البلدان العربية، وتُحرق فيها الأعلام الغربية، وترفع فيها الأصوات المنددة بالاستعمار الغربي والامبريالية الغربية المتوحشة، وفي نفس الآن يأتي المشاركون في هذه المظاهرات ويعتبرون الغرب الذي يتظاهرون ضده أرحم بهم من حكّامهم. ولا يعقل أيضا، أن يعتبر العرب الغرب عدوا لدودا، وعندما تتاح الفرصة أمام أحدهم للهجرة إلى هناك يغتنمها على الفور ولا يتردد ولو للحظة واحدة. أفلا يستحق أفراد هذه الأمة الغريبة أن يدخلوا إلى مصحات الأمراض العقلية والنفسية المستعصية؟ بلى! 5) لو كانت الشعوب العربية تريد أن تصنع خيرا في نفسها لتركت الغرب في "شبر من الوقار"، وتفرغت للطواغيت التي تحكمها بالحديد والنار، فمصدر الشر كله يكمن في هؤلاء، ومصائب العرب جميعها مصدرها هؤلاء، والكوارث العظيمة التي تلحق بالعرب ليس الغرب من يتسبب فيها، بل الأنظمة الاحتلالية التي تحكمهم، كما سمّاها المهدي شلوف، عضو المحكمة الجنائية الدولية، وأحد ضيوف الحلقة الأخيرة من برنامج "الاتجاه المعاكس". هذه الأنظمة الإحتلالية هي مصدر مصائب العرب، وليس الغرب. هذه الأنظمة الطاغية والظالمة هي التي جعلت العرب مهددين اليوم بالانقراض من على وجه الكرة الأرضية، حسب الدكتور شلوف دوما، بسبب أن الأمة العربية جمعاء لا تتوفر ولو على رأس نووي واحد، ولا على مفاعل نووي واحد، ولو كان لأغراض سلمية! في الوقت الذي تتوفر فيه باكستان والهند مثلا على مائة وعشرين رأس نووي لكل واحد منهما، أما إسرائيل، العدو الأكبر للعرب، فتتوفر على مائتي رأس نووي، تم تصنيعها داخل مفاعل ديمونة الرهيب، في انتظار أن تتمكن إيران بدورها من صنع رؤوس نووية، ويصير مستقبل وجود العرب في كف عفريت! 6) في باكستانوإيران وكوريا الشمالية، لا توجد حقوق ولا ديمقراطية، ولكن حكّام هذه البلدان يحرصون على الأقل على تقوية بلدانهم، حتى صار لها صوت مسموع ووزن على الساحة الدولية، أما الدول العربية فلا صوت ولا وزن لها، ليس دوليا فحسب، بل حتى على الصعيد الإقليمي، لأن ما يهم الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية التي تحكمها هي تقوية مصالح أفراد عائلاتها، ولتذهب مصلحة الأوطان إلى الجحيم. هذه الأنظمة لم تقدم شيئا لأوطانها ولا لشعوبها غير الديكتاتورية والقمع والقهر والقتل والاستبداد، لذلك فالذين قالوا بأن جيوش الاستعمار أرحم من هؤلاء الأنظمة هم على حق، وما يجب أن يفعله هؤلاء الآن هو أن يتركوا الغرب والاستعمار جانبا، لأن الاستعمار والاحتلال الحقيقي هو الذي تمارسه هذه الأنظمة، لذلك يجدر بكم أيها العرب أن تحمّلوها مسؤولية تردّي أوضاعكم، وضعف أوطانكم، ومصدر شروركم وشقاوتكم، وانفصام شخصياتكم أيضا! [email protected] mailto:[email protected]