صُنفت مجلة «لوجورنال» خلال العشر سنوات الأولى من نشأتها في خانة الصحافة المستقلة، المدافعة عن التوجه الديمقراطي المناهض لكل ما هو مخزني في المغرب. كما لعبت أدوارا مهمة إبان بداية العهد الجديد. ومع صدور كتاب «محمد السادس : سوء الفهم الكبير»، لأحد مؤسسي المجلة، الصحافي علي عمار، تم الكشف عن أسرار ومناطق ظل كان يجتمع فيها مؤسسو المجلة مع رموز دار المخزن ورجالات العهد الجديد. «المساء» تكشف أسرارا تنشر لأول مرة، من خلال سلسلة من الحوارات مع فعاليات ساهمت في تأسيس التجربة، وتعيد تجميع عناصر القصة الكاملة لمجلة اسمها «لوجورنال». إليكم التفاصيل... - لكن صاحب القناة التلفزية (TF1) تربطه علاقة حميمية بالنظام المغربي؟ > صاحب القناة «بويك» لا تربطه علاقة حميمية فقط بالنظام المغربي، بل هو من شيد مسجد الحسن الثاني، بالدارالبيضاء. ألم أقل لك سابقا إن المخابرات المغربية فاشلة، فقد كانت تراقبنا نحن الصحافيين المغاربة بينما تركت أصدقاءها الأوفياء يسربون الشريط. - لنعد إلى موضوع الجنرال العنيكري؟ > قلت.. لتخليص مديرة القسم التجاري من قبضة «الديستي»، اتصلت حينها بالعنيكري وأشعرته بأن ما يفعله أمر غير معقول، فأجابني بالقول: تعال عندي إلى المكتب لنتحدث قليلا؛ فأجبته بأنني لا أشتغل معه حتى آتي إلى مكتبه، فقال لي لنلتق، إذن، في فندق «هيلتون» بالرباط. وحينما ذهبت إلى هناك، وجدت رجلا، قال لي إن الجنرال ينتظرك في بيته. فرافقته في السيارة الرسمية، وحين وصلت إلى البيت، وجدت لعنيكري ممسكا بهاتفه النقال الذي لم يكن يتوقف عن الرنين. كان في كل مرة يجيب فيها عبر الهاتف يتلفظ بهذه الكلمات: هل أمسكتموه؟ ماذا يقول؟ هل اعترف؟ تبعوه تبعوه... في بادئ الأمر، تحدث إلي بأدب. بعد ذلك قال لي: «المرة المقبلة حينما تكون لديك مواضيع ساخنة، اتصل بي فسأساعدك»، وهو ما معناه أن أتصل به لآخذ الإذن بنشر الموضوع أو لا، وهو ما تقوم به حاليا إحدى الأسبوعيات الفرنكفونية. فأجبته قائلا: أنت لست مدير تحرير جريدتي لكي أتصل بك وأستشيرك. فحاول تهديدي، وحينذاك تشاجرنا وفضلت الانصراف. - وهل منعك من مغادرة المنزل؟ > لا، «مازال ماكايناش السيبة فالبلاد»، قال لي قبل مغادرتي لفيلته الضخمة التي توجد بشارع.. المهدي بن بركة بالرباط: «قل لصديقك بوبكر الجامعي إنه بدأ يقترب شيئا فشئيا من حقيقة ملف دار السفارة المغربية بواشنطن»، حيث كانت «لوجورنال» قد شنت حملة عنيفة بخصوص ملف إقامة محمد بنعيسى، السفير المغربي حينها بالولايات المتحدةالأمريكية. - وماذا فعلت؟ > بلغت بوبكر بالأمر وقلت له إن المخابرات هي من يوصل إليك هذه المعلومات، وعليك أن تكشف دواعي وخلفيات ذلك. - هل فعلا تم تجنيد صحافي تابع ل«لوجورنال» من طرف «الديستي» أيام الجنرال العنيكري؟ > (يضحك)، بالفعل. يتعلق الأمر بطالب كان يدرس بكلية الحقوق بالرباط، قدم إلي من أجل العمل بالأسبوعية، وقبلت طلبه ليلتحق بالقسم السياسي ضمن طاقم «لوجورنال»، وبقي يعمل هناك لسنوات بعد مغادرتي المجلة. في أحد الأيام، كتب مقالا شجاعا يقول فيه علينا أن «نمد الجسور للتحاور مع البوليساريو». لكن كم كانت مفاجأتي مذهلة حينما علمت فيما بعد بأنه تم تجنيده من طرف «الديستي». - وهل كان بوبكر الجامعي على علم بذلك؟ > رغم أنني كنت قد غادرت «لوجورنال»، فقد التقيت أبوبكر الجامعي وتحدثنا في هذه «المصيبة»، وبدا بوبكر منزعجا جدا ومتأثرا بسبب اختراق مجلته من طرف «الديستي». قلت له ساخرا: «هل تعلم أن كل أسراركم توجد حاليا في مقر الديستي بتمارة؟». - وهل التقيت هذا الصحفي بعد تجنيده من طرف المخابرات؟ > نعم، التقيته في إحدى المرات صدفة قرب شقته التي اقتناها بحي أكدال، وهو داخل إلى مرأب العمارة على متن سيارة «فياط أونو» تابعة ل«الديستي». - وماذا كان رد فعلك؟ > فاجأته بالقول: «ألا تستحيي من نفسك؟ أمس كنت مع المناضلين، واليوم مع المخبرين»، بقي متجمدا في مكانه وقال لي: «اسمح لي، لا أستطيع أن أتحدث إليك في أسرار الدولة». - هل يتعلق الأمر بنفس الصحافي الذي كتب ذلك المقال الشجاع حول الصحراء؟ > نعم، لكن لما واجهته بالأمر وذكرته بالمقال، نفى نفيا قاطعا كتابته لأي مقال يتعلق بالبوليساريو. ولما أعلمت بوبكر مرة أخرى بالأمر، انزعج جدا وقال لي: «ماكايحشمش، أنا أتوفر على الدليل». سنوات بعد ذلك، التقيت أخ هذا الصحفي داخل الطائرة وأنا في رحلة من باريس إلى الدارالبيضاء، فقال لي إنه لم يعد يتحدث مع أخيه إلا في المناسبات العائلية، ولا يتفق معه بخصوص اختياراته، كما أنه لم يعد يتحدث إليه في الأمور السياسية. - هل من صحافيين مخبرين آخرين؟ > بالطبع. لكني لا أملك دلائل على اشتغالهم كعيون وآذان ل«الديستي». فكل جريدة تتوفر على ممثل ل«الحموشي»، المشرف على مديرية المحافظة على التراب الوطني. للأسف، لقد أصبح جاريا العمل بهذه الأمور داخل بعض الجرائد والأسبوعيات. - إذن، أنت بدورك كنت مخترقا في أسبوعيتك «دومان» بنسختيها العربية والفرنسية و«دومان ماغازين»؟ > من الممكن ذلك، لكنهم كانوا يهدرون وقتهم في الفراغ، لأن كل ما كانت تتم مناقشته داخل هيئة التحرير كنا ننشره دون تردد.