يبدو أن الحكومة لا تعترف بأن المواطن كائن حي يأكل و يشرب و يذهب إلى المرحاض ، فليس حضاريا أن تكون لدنيا مدن مليونية محرومة من المرافق الصحية العمومية ، و لا أتخيل كيف يكون وضع مواطن مغربي مصاب بإسهال مزمن أو يتناول أدوية مدرة للبول ، هل يحمل معه مرحاضه المتنقل ؟ لو أن مواطنا داهمه نداء الطبيعة في الشارع ، سيكون مضطرا إلى كظم سوائله حتى يعود إلى البيت ، هذا إن كان مازال لدى المغاربة قدرة على الكظم ، أو ربما يطوف على المقاهي عسى أن يجد راحته المفقودة ، و في الغالب سيفتش عن شاحنة مركونة على الرصيف لعله يسقي عجلاتها السوداء في غفلة من المارة و السائق . و لكن من المثير للخجل عند البعض أن يجد نفسه مضطرا لدخول المقهى ، و حين يسأله النادل ماذا يريد أن يشرب ، يحني رأسه خجلا و يقول بأدب شديد : " أريد فقط أن أفعلها في مرحاضكم لو سمحت » .. البعض قد يلتجئ إلى المساجد ، لكنها لا تكون مفتوحة في كل وقت ، و حتى لو كانت مفتوحة فقد لا يحبذ البعض فكرة الدخول إلى بيت العبادة خصيصا لقضاء الحاجة . سيكون حظك جيدا لو أن الأمر توقف عند الرغبة في إفراغ الصنبور ، أما لو كنت مسخوطا فستجد نفسك في حاجة إلى إفراغ الأمعاء ، و هنا لب المشكلة ، فلو كنت في أحد الأحياء الهامشية قد لا تجد صعوبة في العثور على بقعة مهجورة ترتكب فيها خطيئتك الطبيعية ، أما لو كنت تتسكع في قلب البيضاء مثلا و داهمك النداء الأكبر فمصيبتك كبيرة إلى حد مثير للحرج ، و لو رغبت في الصبر ستفضحك رائحة الغازات خصوصا إذا كنت مضطرا لركوب الحافلة أو التاكسي . شيء مثير للتقزز عندما تكون ماشيا في أمان الله ( خصوصا في الأحياء الشعبية ) و فجأة تداهمك رائحة كريهة ، و تكتشف بكثير من الحسرة و بعد فوات الأوان أنك دست على كعكة صفراء ! .. فقبل أن نكتب على الحيطان عبارة « ممنوع البول يا حمار » ، علينا أن تفكر في آلاف العمال الذين يخرجون من بيوتهم في الصباح الباكر و لا يعودون إلا في الليل ، وقد يكون بعضهم ممن يتناولون أدوية مدرة للبول أو مسببة للإسهال ، و طبعا ستكون المشكلة أكثر حرجا لو تعلق الأمر بسيدة محترمة . دعونا نتخيل امرأة داهمها الإسهال في الشارع ، لا أدري كيف ستصرف ، ربما تبحث عن أحد المقاهي و تنفح النادل درهما أو درهمين من أجل قضاء بضعة دقائق في بيت الراحة ، و لكن ماذا لو أن حظها كان سيئا و لم تجد مقهى في المكان ، هل تطرق أبواب البيوت و تطلب « ضيف المرحاض » ؟ لعل الحكومة لا شأن لها بهذه المرأة المسكينة ، لأن الدولة تصر على تجاهل إنشاء مراحيض عمومية لدواع وطنية خالصة ، و ذلك حفاظا على الموروث الثقافي المغربي ، و أيضا لإنعاش قطاع السياحة ، فبعض السياح يجيئون إلى المغرب خصيصا لالتقاط صور ثمينة لمواطنين كادحين يقضون حاجته الطبيعية في الهواء الطلق ، و بعد ذلك يعود هؤلاء السياح المحظوظون إلى بلادهم لإقامة معارض فوتوغرافية عن فلسفة العودة إلى الطبيعية لدى المواطن المغربي . تبقى مسألة إنشاء مراحيض عمومية مسألة حيوية إلى حد يفوق التصور ، ويظل الحق في إفراغ المثانة و الأمعاء حق طبيعي لكل مواطن ، تماما مثل حقه في التصويت خلال الانتخابات ، و على الحكومة أن تفكر جديا في بناء سلسلة من المراحيض العمومية قبل أن تفكر في دعوة المواطنين إلى صناديق الاقتراع . ثم إن بناء المرافق الصحية العمومية ، سيكون له عدة ايجابيات ، بالإضافة إلى إنقاذ المواطنين من شر الإحراج ، ستساهم هذه المرافق في خلق مناصب شغل جديدة ، لأن كل مرفق صحي سيحتاج لعمال نظافة ، و أجور هؤلاء العمال ستأتي عن طريق التمويل الذاتي ، فكل مواطن يريد إفراغ مثانته من الشاي أو أمعائه من البصارة ، سيكون ملزما بأداء رسوم إجبارية تتراوح بين درهم لإفراغ المثانة ، و ثلاثة دراهم لإفراغ الأمعاء ، و كفى الله المغاربة شر الإحراج . على وزارة التجهيز أن تحاول إدخال الفرحة إلى أمعاء المغاربة بإنشاء مركبات صحية عمومية ، أو تستورد مراحيض متنقلة قابلة للطي يحملها المواطن في حقيبته كلما هم بالخروج من البيت . و لعل أفضل حل هو تعويد الكبار على ثقافة ارتداء الحفاضات.