إن قضاء الحاجة البيولوجية بأزقة وشوارع مدننا أصبحت ظاهرة مألوفة ومعاشة، بسبب انعدام مراحيض عمومية بمواصفات مطلوبة ومعقولة، وما قد يترتب عن ذلك من مشاهد مقززة تخجل العين من رأيتها، ويشمئز الأنف من شم روائحها الكريهة،و من شأن هذه الظاهرة المشينة أيضا أن تأثر بشكل سلبي على صحتنا وعلى المنظر العام للمحيط الذي نعيش فيه ، وتبقى شريحة المرضى والنساء الأكثر تضررا من غياب هذه المرافق الصحية ببلادنا، فغالبية النساء والفتيات لا يجرأن على دخول المقاهي لقضاء حاجتهن البيولوجية، خوفا من النظرات الغير البريئة لبعض رواد هذه الأمكنة التي لا زالت حكرا على الرجال بمدن الجهة الشرقية. رغم أهمية المرحاض العمومي في الحياة العامة للفرد، تغيب المجالس الجماعية بشقيها القروي والحضري ببلادنا هذا المعطى الهام، من برامجها المعتمدة لتدبير وتسيير الشأن المحلي ،إذ آخر شيء يمكن التفكير فيه من طرف الهيئات المنتخبة هو إنشاء وبناء مراحيض عمومية بالأزقة والشوارع لتكون رهن إشارة المواطنين لقضاء حاجتهم البيولوجية والتخلص من فضلاتهم ، لتجنب المواقف الحرجة التي قد يتعرض لها المواطن حينما تدركه حاجته خارج منزله، ولا سيما المرضى منهم الذين يضطرون لاستعمال المرحاض عدة مرات في اليوم، الأمر الذي يدفع ببعضهم إلى قضاء حاجته بوسط الشارع العام وما يترتب عن ذلك من إزعاج وإحراج للمارة وتشويه وتلويث لحاسة شمهم نتيجة الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف، وتشوه المنظر العام لمدننا ، إذ أصبحت هذه المشاهد المقززة مألوفة في أزقة وشوارع مدننا بعدما تحولت العديد منها وخاصة تلك التي تعرف حركة مرور خفيفة أو تلك المحاذية للبنايات المهجورة إلى مراحيض عمومية ومرتعا لرمي الأزبال وملاذا لكل أنواع الحشرات والكلاب والقطط الضالة. وتبقى المرأة في مجتمعنا الأكثر تضررا من غياب هذا المرفق العمومي، إذ تجد صعوبة كبيرة ، في ولوج أبواب المقاهي والمطاعم لقضاء حاجتها لتجنب النظرات والهمسات التي قد تتابع خطواتها من طرف رواد هذه الأمكنة التي لا زالت حكرا على الرجال بمدن الجهة الشرقية، وإن بدأت هذه الفضاءات في الآونة الأخيرة بعاصمة الجهة على الخصوص تستقطب زبناء من الجنس اللطيف، إن غياب هذا المرفق لم يقتصر فقط على الشوارع فالعديد من الإدارات العمومية والخاصة أيضا، لا تتوفر على مراحيض وإن كانت موجودة فهي تبقى خاصة بالموظفين ولا يمكن استعمالها للعموم. المجالس الجماعية المتعاقبة على تسيير تجهز على ما تبقى من مراحيض عمومية خلفها الاستعمار للتحول المدينة إلى مرحاض كبير وشاسع الشأن المحلي كانت مدينة وجدة تتوفر إلى عهد قريب على عدد مهم من المراحيض العمومية،بُنيت في عهد الحماية الفرنسية ،خاصة بالشوارع الكبرى التي يتردد عليها المواطنون وبعض الطرقات التي تؤدي إلى الأحياء الآهلة بالسكان وتعرف حركة نشيطة للمارة،كما كانت هناك مراحيض بالقرب من المساجد، تقدم خدماتها بدون مقابل مادي تستقبل المواطنين من المارة ومنهم الأطفال والعجزة والنساء الحوامل والمرضى الذين يفاجئهم قضاء حاجاتهم الضرورية والطبيعية خارج بيوتهم لسبب من الأسباب لا يستطيعون التحكم فيها خاصة حينما يتعلق الأمر بالمصابين بداء السكري،وأمراض الجهاز البولي،وأولئك الذين يعانون من مشكل في القولون، وفي الوقت الذي كانت تنتظر فيه ساكنة مدينة وجدة من المجالس المنتخبة أن تعمل على إضافة مراحيض عمومية أخرى ، قامت هذه المصالح على الإجهاز على ما تبقى منها من الحقبة الاستعمارية، لتصبح وجدة بوابة المغرب العربي بمثابة مرحاض كبير. رحلة البحث عن مرحاض عمومي لقضاء الحاجة. من منا لم يقع يوما في ورطة اسمها "البحث" عن مرحاض للتخلص من فضلاته، قد يعجز اللسان عن وصف الحالة التي نكون عليها ، ويزداد الوضع سوءا حينما يكون الأمر أكثر ضرورة، ويتعذر علينا إيجاد "بيت الراحة" كما يحلو للعديد منا تسميته لأنه يمكننا من التخلص من أشياء يصعب علينا الاحتفاظ بها داخل أحشائنا. ولمعرفة معاناة بعض المواطنين من غياب المراحيض العمومية بمدينة وجدة، قامت "صحيفة الناس" بطرح السؤال على بعضهم ، وبهذا الصدد أفاد "حسن" 45 سنة يشتغل موظف بإدارة عمومية متزوج وله 3 أبناء وفاعل جمعوي وحقوقي ، لقد بات هذا المشكل لصيقا بدول العالم الثالث فقط،فيما تعتبر الدول المتحضرة المراحيض العمومية من بين أبرز الضروريات،لذلك يلاحظ تواجدها في كافة المدن وعبر مختلف الأحياء والتجمعات السكنية،والأكثر من هذا كله أنها مجهزة بكافة المستلزمات،أما عندنا – يضيف – في المغرب وليس في مدينة وجدة فقط،فهي مفقودة وإن كانت موجودة فهي بعيدة كل البعد عن المستوى المطلوب" وإن كان المشكل لم يطرح لدي بصفة شخصية لكوني أشتغل بإدارة عمومية وسط شارع كبير يتوفر على مقاهي عديدة، لكن هذا يضيف متحدثنا أنه لا يعني أنني لم أقع في مواقف حرجة وخصوصا حينما أكون برفقة أسرتي بعدما تضطر زوجتي أو إحدى بناتي على قضاء القضاء في مرحاض بمقهى، وبصفتي كفاعل بيئي وحقوقي يبقى على المجالس الجماعية أن تتعامل مع الموضوع بكل جدية والعمل على بناء مراحيض عمومية بمواصفات مقبولة على الأقل في الوقت الراهن بالشوارع الكبرى والأسواق وغيرها من الأماكن الأخرى التي تعرف حركة دائمة ومستمرة للأشخاص، لما لهذا المرفق من دور هام وفعال في مجال التنمية البشرية لكون العديد من التقارير الدولية التي تم إنجازها بهذا الخصوص تنص على التعامل مع الموضوع بنوع من الجدية والمسؤولية لتجاوز بعض المشال المطروحة بحدة داخل العديد من دول العالم الثالث التي تفتقر إلى المرافق الحيوية تفرز جملة من المخلفات الكارثية التي من شأنها أن تساهم في زيادة نسبة التلوث وما قد ينتج عن ذل من أمراض تفتك بصحة الفرد، فالأمر إذن أكثر مما نتصور ونعتقد ، فالمراحيض العمومية أصبحت معيارا حقيقيا للتنمية البشرية في كل مناحي الحياة وعلى شتى الأصعدة، وتعتبر الموضوع العديد من المنظمات من بينها صندوق النقد الدولي بمثابة آلية أساسية لقياس درجة التنمية. وفي السياق ذاته أكدت سيدة تشتغل في مجال التدريس أن غياب مثل هذه المرافق من الشوارع يفرض علينا في أحيان عديدة التعايش مع مظاهر مشينة يندى لها الجبين على اعتبار أنها بعيدة كل البعد عن الحشمة والحياء،فمظهر شخص يقضي حاجته في الأماكن الشاغرة وداخل العمارات والزوايا أمر مقرف للغاية، وصار عادة مألوفة ومن ثمة فإن ما يحدث من (تجاوزات) لابد من ردع مرتكبيها حتى نحافظ على نظافة المحيط من جهة وفرض مبدأ وجوب الاحترام،ولا يتأتى ذلك إلا بتدخل الجهات المختصة لمحاربة هذه الظاهرة ووضع حد لانتشارها. أما "وفاء" تلميذة تدرس بإحدى ثانويات المدينة، وقفت عند معاناتها مع هذا المرفق قد تنطلق من المؤسسة التي تدرس بها، فهي لا تتوفرعلى مراحيض بالمواصفات المطلوبة حيث تنعدم فيها أدنى شروط النظافة أو "الراحة" الأبواب مكسرة، الصنابير تعرضت غالبيتها للتخريب، المياه مقطوعة، رائحة كريهة تخنق الأنفاس، عبارات قبيحة مكتوبة على الجدران تلوث بصرك أرقام الهواتف أيضا ، أدخنة السجائر تتصاعد ، بقايا حفاظات دم الحيض منتشرة هنا وهناك، هذا حال مراحيض المؤسسة التي أدرس فيها، مضيفة أنها تضطر في أحيان عديدة إلى حبس أنفاسها حتى العودة إلى منزل أسرتها لتقضي حاجتها البيولوجية، ولا أجرأ على دخول مقهى خوفا من التحرش من طرف رواد المكان، إضافة إلى أن بعض المقاهي المجاورة لبعض المؤسسات التعليمية، يعمد إلى إغلاق المرحاض العمومي في وجه المارة بحجة أنه غير مشغل باستعمال قفل يتم تسليم مفاتيحه إلا للزبناء لتفادي دخول الغير لقضاء حاجته، سؤال وجهناه لنادل فرد علينا أن صاحب المقهى يلجأ إلى هذه الطريقة لتجنب استعمال المرحاض من طرف المارة، إذ نشعر في أحيان كثيرة بالإحراج لذا نلجأ إلى تعليق لا فتة تحمل أن المرفق غير مشغل ونفتحه فقط لزبنائنا، أما مقاه أخرى لم تعمل على إغلاقها بل حولت الخدمة بالمقابل من خلال إسناد المهمة لإحدى السيدات لتتولى مهمة تدبير هذا المرفق حينها يصبح الآداء إجباريا حتى بالنسبة للزبناء فما بالك بالمارة. حبس قضاء الحاجة البيولوجية لوقت طويل يساهم بشكل واضح في إصابة الشخص بأمراض عديدة على مستوى الأمعاء والمسالك البولية وإضعاف وظيفة الكليتين. بحكم التغييرات التي طرأت على العادات الاستهلاكية للمواطن الذي كثيرا ما يمضي ساعات طويلة يأكل ويشرب خارج البيت لسبب أو لآخر إضافة إلى تزايد عدد المصابين بداء السكري وبقية الأمراض الأخرى التي تحتم على أمثال هؤلاء دخول المرحاض لعدة مرات في اليوم. ومهما يكن فإن تكلفة إنجاز مرحاض عمومي في كل شارع لا يمكنها أن تضاهي تكلفة التكفل الطبي بشخص واحد يعاني من تبعات حبس البول داخل الجسم لمدة طويلة فشتان بين الميزانية الأولى والثانية، وفي هذا الإطار يؤكد الأطباء المختصين في أمراض الجهاز البولي على أن الكثير من الحالات التي تعاني من سوء أداء إحدى الكليتين لوظيفتهما سببه هو التعود على حبس البول داخل الجسم لأكثر من ست ساعات متواصلة،وهي الأمراض التي تعرف انتشارا كبيرا بمدينة وجدة وغيرها من المدن الأخرى، وحذر الطبيب الآباء والأولياء من منع أبناءهم من التردد على مراحيض المدرسة أو الروض بحجة عدم نظافتها لأن اختلال في وظيفة الإفراغ ينتج عن تكرار تجنب الطفل استخدام مراحيض المدرسة لحين عودته إلى المنزل وهو ما يؤثر بشكل سلبي مع مرور الوقت على عمل الكليتين، وما تتطلبه العملية من مصاريف مالية يصعب على العديد من الأسر توفيرها وخاصة أن غالبية الأسر لا تستفيد من خدمة التغطية الصحية لتخفيف من الوطأة، إذن ومن هذا المنطلق يضيف الطبيب أنه أصبح لزاما على الجهات المعنية أن تعالج الموضوع باهتمام بالغ بإشراك أطراف أخرى لأن المسألة تتطلب انخراط الجميع لكونها تتعلق بصحة المواطن بالدرجة الأولى إضافة إلى عامل المحافظة على رونق ونظافة محيطنا، ومن جانب آخر يرى العديد من المواطنين الذين حاولنا تقصي آرائهم ومواقفهم حول الموضوع،أن قلة المراحيض العمومية وانعدامها ليس حجة كافية وشافية ليقدم شخص ما على التبول أمام مرأى من الناس،هناك حرمات لا يجب تجاوزها،ثم إن هذا الفعل لن يحمل إلا الضرر للمحيط على اعتبار أنه يساهم في تشويه المنظر العام المراحيض العمومية لم يقتصر دورها على إفراغ الفضلات بل تحولت للأمكنة للبوح وإفراغ المكبوتات، وقبلة للمتسولين لتغيير ملابسهم وبائعات الهوى للممارسة الجنسية ولا سيما خلال الفترة الليلية أن تخف الحركة لا يمكن إخفاء حقيقة أخرى مفادها أن المراحيض العمومية،ظلت فضاء للبوح الاجتماعي والسياسي والرياضي ،وتحولت إلى مساحة للإشهارلطرح المواقف والبيانات، وصارت بمثابة فضاء للبوح عن ما تختزله الأعماق من مكبوتات من خلال ما تنمق به جدران وأبواب المراحيض من عبارات بديئة وإيحائية، كما يبقى هذا الفضاء الغرفة المفضلة للمتسولين لتبديل ملابسهم قبل الصعود إلى المنصة لملاقاة جماهيرهم العريضة التي تضخ في جيوبهم مبالغ مالية معتبرة،فالمتسولون كانوا يتبركون بهذه الأماكن ويتخذونها نقطة الانطلاق اليومية نحو الأماكن المحددة سلفا من قبلهم للتسول. ولم تعتبر المراحيض العمومية حكرا على المتسولين فقط وإنما شهدت كذلك تردد عدد من الفتيات المراهقات بين الحين والآخر بألبسة محتشمة ليخرجن بعد بضعة دقائق بآخر صيحات الموضة من ألبسة تكشف أجسادهن وسراويل ضيقة تعيق تنفسهن،يرتدونها مع الكعب العالي الذي قد يتسبب في تعثرهن بين الحين والآخر،ومساحيق الماكياج تلون وجوههن، بل يصير الفضاء وبصفة خاصة خلال الفترة الليلية للممارسة الرذيلة للعديد من بائعات الهواء بتواطؤ مع الساهر على تدبير شؤون هذا المرفق مقابل مبالغ مالية يتم التفاوض بشأنها.