إن فشل العدالة الجنائية في تحقيق غاياتها من خلال تزايد ظاهرة الإجرام و اتساع خطورة العواقب الناجمة عن هذه الظاهرة أصبح يؤرق بال المهتمين للتفكير في البديل لهذه العدالة الجنائية التي أصبحت توصف بالعدالة العقيمة ، و أنتج هذا التفكير ما يطلق عليه اليوم بالعدالة التصالحية وهي تعتبر كنمط حديث لفض الخصومات ذات الطابع الجنائي بهدف التصدي لظاهرة الإجرام بآليات بديلة للعدالة الجنائية الكلاسيكية وببعد إزدواجي إنساني وتصالحي يضع كافة الأطراف المعنية بالجريمة في الصدارة من أجل تحقيق عدالة ترضي الجميع :الضحايا- الجناة-المجتمع ، من خلال برامج تعتمد أساسا على الرضائية والتواصل ومعالجة عواقب الجريمة ، بإصلاح أضرار الضحية وإعادة الإدماج للجاني وتعزيز السلم الإجتماعي. و في هذا الصدد فإن مؤسس فكرة العدالة التصالحية " هاورد زاهر " عبر عن فشل العدالة الجنائية بأنها عدالة تتميز بشكلياتها العقيمة من جهة ، و جعلها العقاب حكرا على الدولة من جهة آخرى و هو أساس الأزمة التي فرضت ظهور المولود الجديد هو العدالة التصالحية كنهج بديل ، كما أنه عرف العدالة التصالحية بأنها " مسار للمعنيين بالجريمة لتشخيص الأضرار الناجمة عنها و الإستجابة للحاجيات و الإلتزامات بهدف إصلاح هذه الأضرار و إرساء الإنسجام الإجتماعي"
ومن باب الإنصاف فإذا كانت العدالة التصالحية تتضمن لفظين داليين العدل و التصالح فإن الشريعة الإسلامية السمحة و من خلال مجموعة من الآيات القرآنية ما فتأت تدعوا إلى الصلح و التصالح و العفو و التوبة . فالعدالة التصالحية تسعى للدفاع على فكرة تلاقي الأطراف و أن هدفها الأساسي من خلال برامجها يتمثل في التصالح الكامل للعلاقات الإجتماعية الذي أصبح يشغل جميع الأطراف الضحية ، الجاني، المجتمع و باهتمام إنساني متطور. فهي ترتكز بالأساس إلى طرفي الجريمة ، و هو الإرتكاز الذي يسعى إلى استعادة العلاقة بينهما من خلال جبر ضرر الضحية و إعادة إدماج الجاني و تعزيز إرساء السلم الإجتماعي . كما أن موضوع العدالة التصالحية يطرح جملة من الإشكالات هل العدالة التصالحية هي البديل الحتمي للعدالة الجنائية ؟ و هو جوهر الإشكال ، و أنها ستحل محلها آجلا أم عاجلا ، أم أنها نمط مكمل للعدالة الجنائية ؟ أم هي عدالة موازية و بآليات مستقلة و جهاز مستقل؟ هذه الإشكاليات لم تسلم من الإختلاف بين مختلف المهتمين بالمجال الجنائي خاصة ، و بحقل العدالة عموما حيث ذهب اتجاه إلى اعتبار العدالة التصالحية أنها حركة في حين أعتبرها البعض الآخر أسلوبا أو نموذجا جديدا للعدالة الجنائية . و لرفع اللبس و توضيح الصورة أكثر ، ارتأينا ختم حديثنا بالوقوف عند مختلف المبادئ و الهداف و الخصائص التي تميز مفهوم العدالة التصالحية. · مبادئ العدالة التصالحية : أولا : مشاركة كل الأطراف المعنية بالجريمة ؛ ثانيا : الإحترام الواجب المتبادل بين كافة الأطراف ؛ ثالثا : السعي للبحث عن نتائج مقبولة بالإجماع ؛ رابعا : التزام الأطراف بالنتائج المتوصل إليها . · أهداف العدالة التصالحية أولا : تعزيز النظام و السلم الإجتماعي و رأب الصدع و الحفاظ على الروابط الإجتماعية ؛ ثانيا : مساعدة الضحايا ومنحهم الحق في المشاركة و الإستجابة لمطالبهم ؛ ثالثا : دعوة جميع الأطراف و خصوصا الجناة لتحمل مسؤوليتهم اعتبارا للمفهوم الذي تقوم عليه العدالة التصالحية "تحمل المسؤولية و تحمل التبعات و النتائج المترتبة عن الجريمة. · خصائص العدالة التصالحية: أولا: إشراك كافة الأطراف المعنيين بالجريمة لتقييم عواقبها؛ ثانيا :التركيز على تعويض الأضرار الناجمة عن الجريمة؛ ثالثا :تحمل الجناة مسؤولية أفعالهم؛ رابعا :مشاركة المجتمع من خلال ممثليه في مسار تسوية النزاع الناجم عن الجريمة؛ خامسا:فتح قناة للتواصل مع أطراف الخصومة الجنائية عبر توسيع هامش العدالة التصالحية .