برقية تعزية ومواساة من الملك إلى خادم الحرمين الشريفين إثر وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود    ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: المغرب يعتمد خيارا واضحا لتدبير إنساني للحدود    بايتاس: "التراشق والشيطنة" لا يخدم مكافحة الفساد والاستراتيجية الوطنية حققت 80% من أهدافها    أخنوش يتباحث مع وزير الخارجية اليمني و الأخير يجدد دعم بلاده لمغربية الصحراء    بوغطاط المغربي | تصاعد خطر الإرهاب يعيد النقاش حول "المسؤولية المعنوية" لمتأسلمي العدل والإحسان والبيجيدي وأبواق التحريض في اليوتيوب    رئاسة الأغلبية الحكومية تعلن الاشتغال على دينامية لتقليص بطالة المغاربة    أداء إيجابي ببورصة الدار البيضاء    بعد تعليق نتنياهو قرار اطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين.. تقارير اعلامية: "الإفراج من سجن عوفر سيتم خلال ساعات الليل"    أمر تنفيذي من "ترامب" ضد الطلاب الأجانب الذين احتجوا مناصرة لفلسطين    زياش ينتقل رسميا إلى الدحيل القطري    الوداد يعزز صفوفه بالحارس مهدي بنعبيد    إطلاق النسخة الأولى من مهرجان "ألوان الشرق" في تاوريرت    بلاغ من طرق السيارة يهم السائقين    ساعات من الأمطار الغزيرة تغرق طنجة .. والعمدة يدافع عن التدابير    الملك يهنئ العاهل فيليبي السادس    قتلى في اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية قرب واشنطن    مقتل "حارق القرآتن الكريم" رميا بالرصاص في السويد    عاجل.. الوزير السابق مبديع يُجري عملية جراحية "خطيرة" والمحكمة تؤجل قضيته    عصام الشرعي مدربا مساعدا لغلاسكو رينجرز الإسكتلندي    مارين لوبان: من يحكمون الجزائر يخفون الحاضر.. لديهم اقتصاد مدمر، وشباب ضائع، وبلد في حالة تفكك    قرعة دوري أبطال أوروبا غدا الجمعة.. وصراع ناري محتمل بين الريال والسيتي    الوداد البيضاوي يعزز صفوفه بمهاجم صانداونز الجنوب إفريقي على سبيل الإعارة    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    المغرب يحقّق أرقامًا قياسية في صادرات عصير البرتقال إلى الاتحاد الأوروبي    ""تويوتا" تتربع على عرش صناعة السيارات العالمية للعام الخامس على التوالي    افتتاح السنة القضائية بطنجة: معالجة 328 ألف قضية واستقبال أكثر من 42 ألف شكاية خلال 2024    على ‬بعد ‬30 ‬يوما ‬من ‬حلول ‬رمضان.. ‬شبح ‬تواصل ‬ارتفاع ‬الأسعار ‬يثير ‬مخاوف ‬المغاربة    "ماميلودي" يعير لورش إلى الوداد    الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يبقي سعر الفائدة دون تغيير    حاجيات الأبناك من السيولة تبلغ 123,9 مليار درهم في 2024    استقرار أسعار الذهب    الشرع يستقبل أمير قطر في دمشق    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    وزارة الأوقاف تُعلن عن موعد مراقبة هلال شهر شعبان لعام 1446 ه    نيمار يتنازل عن نصف مستحقاته للرحيل عن صفوف الهلال    الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة آغام بيرغر    أمطار رعدية غزيرة تجتاح مدينة طنجة وتغرق شوارعها    أمير قطر يصل لدمشق في أول زيارة لزعيم دولة منذ سقوط بشار الأسد    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    كيوسك الخميس | الداخلية تتجه لتقنين تطبيقات النقل    مجلة الشرطة تسلط الضوء في عددها الجديد على الشرطة السينوتقنية (فيديو)    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    جائزة عبد الله كنون تكرّم الإبداع الفكري في دورتها الثانية عشرة حول "اللغة العربية وتحديات العولمة"    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    6 أفلام مغربية ضمن 47 مشروعا فازت بمنح مؤسسة الدوحة للأفلام    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجمعية الخيرية الإقليمية بالناظور تنظم ندوة حول "المسيرة الخضراء باعتبارها منعطفا تحرريا في تاريخ المملكة" بتأطير من الزميل عبد المنعم شوقي والخطيب الأستاذ محمد الجوهري.
نشر في أخبار الناظور يوم 07 - 11 - 2015


.كوم - رشيد.م -

تخليدا للذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة ، وفي إطار البرنامج الاحتفالي المتنوع الذي أعدته الجمعية الخيرية الإسلامية الإقليمية بالناظور بهذه المناسبة ، احتضنت قاعة الندوات بمقر هذه الأخيرة ، ندوة حول الدلالات العميقة لتخليد ذكرى المسيرة الخضراء باعتبارها منعطفا تحرريا في تاريخ المملكة ، ساهم فيها كل من الزميل عبد المنعم شوقي رئيس تنسيقية فعاليات المجتمع المدني بشمال المغرب ومقرر اللجنة الإقليمية للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بالناظور الدريوش ، والخطيب الأستاذ محمد الجوهري الذي يشغل في نفس الوقت مهمة الكاتب العام للمكتب الإداري للجمعية الخيرية الإسلامية الإقليمية بالناظور.

الندوة التي تابعها حضور كبير ومتميز من مختلف مكونات المجتمع المدني إلى جانب السيد باشا مدينة الناظور، والسيد رئيس المجلس البلدي للمدينة، وممثل البنك المغربي للتجارة الخارجية وافريقيا في شخص رئيس مجموعة الناظور، وأطباء وتجار وتلاميذ من الجنسين ،استهلت بتأكيد الزميل عبد المنعم شوقي على أهمية تخليد مثل هذه الملاحم والأمجاد التاريخية لوطننا ، وان الرسالة التي يتم توجيهها اليوم للعالم ونحن نخلد الذكرى الأربعين لحدث المسيرة الخضراء ، هو كون كل مدن المغرب وقراه من شماله وجنوبه ، لها القيمة نفسها والمكانة الواحدة ، ولا يوجد جزء من هذا التراب لا يحتفل فوقه المغرب ويخلد فيه الذكرى العطرة.

وأوضح الزميل شوقي بأن المغرب اليوم قيادة وشعبا هو في الصحراء ، وتحولت العيون إلى عاصمة للمغرب حيث يتواجد جلالة الملك محمد السادس نصره الله بصفته رئيسا للدولة وأمير المؤمنين.

وتحدث المحاضر عن الترتيبات التي سبقت الإعلان عن تنظيم المسيرة الخضراء من طرف مبدعها جلالة الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، والسرية التامة التي هيأت بها وكانت شرطا أساسيا لنجاح المسيرة ، لذلك كانت مفاجأة خصوم المغرب كبيرة أيضا.

وأضاف الزميل عبد المنعم شوقي إلى أنه مباشرة بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية بلاهاي ، خاطب جلالة الملك الراحل شعبه الوفي يوم 16 أكتوبر ليعلن عن تنظيم مسيرة خضراء سلمية تستكمل وحدتنا الترابية، تلك المسيرة التي قالت عنها إذاعة الجزائر في أول تعاليقها "هذه كذبة واضحة"وقالت عنها إذاعة مدريد"أضحوكة" وقالت جريدة يومية فرنسية " لايمكن لدولة في مستوى المغرب أن تنظم ما أعلن عنه الملك بدون إعداد مسبق..."

وفي صبيحة اليوم السابع عشر من أكتوبر 1975 ، فتحت مكاتب التطوع أبوابها وانتظم أمامها مئات الآلاف من الرجال والنساء ، لاحظ المراقبون أنه في عدد هائل من الحالات ، كانت عائلات بكامل أفرادها تقف في الصفوف للتسجيل والتطوع.

وأوضح الزميل شوقي أن الملك الراحل الحسن الثاني أكرم الله مثواه ، طلب فقط 350 ألف متطوعا ومتطوعة ، وهذا هو العدد في الصباح فقط ، قد تم تجاوزه ليبلغ في نهاية المطاف ما يفوق المليونين.

وتحدث الزميل عبد المنعم عن لحظات انطلاق المسيرة التي كان يقول عنها الخصوم والأعداء بأنها "أكذوبة" و"اضحوكة" ، ليتيقن العالم أجمع بأن ملك المغرب ، والشعب المغربي عازمان على الدخول إلى صحرائهم واسترجاعها مهما كلفهم ذلك من تضحيات.
أمواج بشرية مؤمنة بقضيتها انطلقت في مسيرة كان سلاحها كتاب الله وهي مستعدة للتضحية في سبيلها.

واستحضر الأخ شوقي عبد المنعم الوضعية التي كانت عليها العيون ، خاصة وأن اسبانيا الجنرال فرانكو كانت تعاني من ويلات التخلف والمجاعة ، ولم تكن في العيون سوى آبار من الماء الملح ، وإدارة واحدة مخصصة لمندوب الحكومة في حاضرة أقاليمنا الصحراوية ، لكن بعد التحاقها بأرض الوطن ، تحولت إلى ورش كبير من المشاريع التنموية .

40 سنة من البناء – يضيف شوقي – تم فيها تحويل الصحراء من مداشر وثكنات إلى مدن كاملة المواصفات الدولية للعمران ، وبلغت فيها شبكة الماء الصالح للشرب 100 في المائة ، وشبكة الإنارة العمومية 93 في المائة ، وزينت المدن بنافورات ، ومساحات خضراء ، وشيدت مختلف الإدارات والمصالح الخارجية ، وقاعات للمؤتمرات والندوات .

40 سنة كان المغرب يصرف فيها الملايير على البناء ، وكانت الجزائر تصرف الملايير على المؤامرة التي لم تأت بنتيجة سوى نتيجة واحدة تتعلق بوصول الجزائر إلى عتبات خطيرة من الفقر ، وتضرر الميزانية والاضطرار لاستخراج مخزونات الاحتياطي من العملة نتيجة انخفاض أسعار البترول بشكل متسارع.

وفي ختام عرضه القيم ، أكد الزميل عبد المنعم شوقي ،أن هذه المعركة يجب أن تظل حاضرة في أذهاننا.وأن نستحضر مغزاها الحقيقي ، حيث كانت في مضمونها وشكلها مسيرة سلمية عظيمة لاسترجاع المغرب لجزء من ترابه ، معززة بسلاح الهوية الإسلامية التي قرر جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني أن يعتمدها إلى جانب إيمان الشعب المغربي بوطنيته وهويته التي تضرب جذورها في عمق التاريخ والتي يحاول البعض طمسها أو مسخها، وأننا اليوم أمام رهان تاريخي جديد ، علينا أن ننطلق منه لوضع حد لكل الابتزازات السياسية والدبلوماسية وشراء الذمم التي تستعملها الجزائر كي تستمر في ابتلاع مزيد من المساحات الترابية دون وجه حق ، وأن نكون على أهبة الاستعداد لتلبية نداء الوطن وقد دقت ساعة الحقيقة لإيقاف كل المخططات سواء كانت صادرة عن الجزائر أو من ملحقاتها من الدول الأخرى التي تسبح في فلك سياستها.

وتناول الخطيب الأستاذ محمد الجوهري بعضا من الجوانب الدينية للمسيرة الخضراء ، بعد أن هنأ الجميع بهذه المناسبة السعيدة والتاريخية التي تؤرخ وتوثق لملحمة عظيمة ولذكرى وطنية مجيدة حافلة بالمعاني والعبر، يعتز بها، ويستحضرها، ويرى فيها جانبا من تاريخه الحافل، وجهاده الوطني المتواصل، الهادف إلى الحفاظ على وجوده وشخصيته، وعزمه وحريته، وكرامته وحضارته، يستخلص ما يقوى عزمه وإرادته ليواصل مسيرته الحضارية وبتاء صرحه الشامخ من السؤدد والفخار في خطوات موفقة نحو مدارج الرقي والكمال المنشود.
وأضاف الأستاذ الجوهري مؤكدا، بأن المسيرة الخضراء كانت أسلوبا حضاريا فريدا ورائعا برز فيه المغرب وهدف من خلاله إلى استكمال وحدته الترابية واسترجاع أقاليمه الصحراوية المغتصبة وإلى صلة الرحم مع أبنائها البررة الذين ظلوا دائما متمسكين بوطنيتهم المغربية الصادقة متشبثين بوفائهم وبيعتهم لملوك الدولة العلوية الشريفة. كما كانت ترتكز هذه المسيرة على الواقع الجلي والحقيقة التاريخية الناصعة، والوثائق المقنعة والحجج المغربية الدامغة وتستند إلى الشرعية الدولية.

وبين المحاضر بان الباحث المخلص والدارس المنصف عندما يتأمل في منطلق المسيرة الخضراء، والمراحل التي مرت بها والظروف التي تمت فيها، يتضح له أن مبدع المسيرة الخضراء الملك الحسن الثاني رحمه الله كان يعيش سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختزل الزمن في ذاكرته ومخططه: فربط بين صلح الحديبية وعمرة القضاء والفتح (فتح مكة)، كان مؤمنا أنه سيدخل الصحراء، وبقدر ما كان يفكر في سلامة رعاياه المغاربة الذين كانوا سيتوجهون إلى الصحراء في المسيرة الخضراء، كان وبنفس الدرجة مشغول البال على رعاياه داخلها
لقد اتخذ كل الاحتياطات التي تكفل سلامة الذاهبين المتوجهين إلى الصحراء، ولم يصب أحد بسوء كما لو كان الأمر قد تم بمعجزة أو سلسلة معجزات، 350 ألف مواطن تقلهم القطارات والشاحنات ولم يحدث أي صدام أو غيره، أما رعاياه في الصحراء فهم مواطنون يتحمل مسؤوليتهم وكانوا في أسر المستعمر وخضعوا للترهيب والترغيب، وكأني به كان يردد قول الرسول صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وتذكر موقف الرسول عليه السلام عندما فتح مكة ودخلها، وقال: "ما تظنون أنى فاعل بكم ؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم". هذه الكلمة ترقب مضمونها عدد كبير من المهتمين والمنشغلين فكان الخطاب الملكي يوم 23 أكتوبر 1975؛ حيث أعلن فيه الحسن الثاني، رحمه الله، العفو عن مذنبيهم والإحسان لمسيئهم. أي ثقة بالله؟ وأي يقين بالنصر؟ وأي يقين بعثته هذه الكلمات في نفوس الجماهير الزاحفة إلى الصحراء، وأي باب للرحمة والوطنية والعودة، فتحته أمام الذين ظلموا أنفسهم وأخطئوا.
وأشار الأستاذ الجوهري محمد إلى أن هذا الخطاب تحدث فيه الراحل الحسن الثاني بصراحة عن صلح الحديبية واستشهد بآيات من سور الفتح واقتبس من السورة الكريمة اسم العملية فسماها عملية الفتح. ولا بد هنا لفهم الخلفيات الفكرية لعملية المسيرة في تفكيره من نقل بعض الفقرات التي لا شك أنها عاشت في وجدانه عاما كاملا... ولنحاول أن نذكر بما أوحته هذه العبارات للحسن الثاني وهو يفكر في الحاجز الذي فرضه الاستعمار بين الصحراء ورعاياه الصحراويين المبعدين عن وطنهم. وإذا بحثنا عن أوجه التشابه بين المسيرة الخضراء وشوق المغاربة المحاصرين وصلح الحديبية، فإننا نجد ونقرأ في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، في "حياة محمد " لحسن هيكل، واصفا حال المسلمين وحرمانهم من أداء واجبهم الديني (العمرة) المفروض عليهم، والمهاجرون منهم يذوقون ألم النفي، وألم النفي الحرمان من وطنهم وأهلهم فيه، وكانوا واثقين بنصر الله ورسوله، وإن يوما قريبا يوم النصر لابد آت يفتح الله لهم فيه أبواب مكة ويطوفون بالبيت العتيق ويمارسون شعائر الحج والعمرة وبينما هم مجتمعون في المسجد إذ أنبأهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما رآه في منامه ( ورؤيا الأنبياء حق ) أنهم سيدخلون المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين، لا يخافون.
انتقل نبأ هذه الرؤيا إلى سائر أنحاء المدينة المنورة ولكن كيف سيدخلون مكة والمسجد الحرام؟ أمحاربين مجاهدين في سبيله؟ أم سيفتح لهم قريش الطريق مذعنة صاغرة؟ كلا لا قتال ولا حرب بل أذن محمد عليه السلام في الناس بالحج وذلك في شهر ذي القعدة . وهذا الشهر نفسه هو الذي أعطى فيه الحسن الثاني رحمه الله – الأمر والأذن للمسيرة الخضراء وكلها شوق واشتياق إلى تقبيل رمال الصحراء والتيمم بالصعيد الطاهر وأداء ركعتي الشكر وصلة الرحم.
وإذا كانت الدول الشقيقة والصديقة أرسلت وفودا للمشاركة في المسيرة الخضراء تضامنا مع المغرب، فإن صاحب كتاب " حياة محمد" يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رسله إلى القبائل من غير المسلمين يدعوهم إلى الخروج بيت الله آمنين غير مقاتلين، وحكمته في ذلك أن تعلم العرب كلها أنه خرج في شهر الحرام حاجا، ولم يخرج غازيا، فإذا أصرت قريش على مقاتلته لم تجد من يؤيدها وما عسى أن تفعل قريش لقوم جاءوا محرمين، لا سلاح معهم إلا كتاب الله والعلم الوطني، وهما عنوان بارز على الإيمان القوي بنصر الله الذي وعد به عباده المخلصين المجاهدين في سبيله، ودليل صادق على محبة الوطن، وحب الوطن من الإيمان. كانت قريش تفاوض النبي صلى الله عليه وسلم، وتحاول إقناعه بعدم دخول مكة عنوة وطالت المفاوضات، فكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن رسل قريش ربما لم يكن لهم من الإقدام ما يقنعون به قريشا بالرأي الذي قرر، فبعث إليهم رسله يبلغهم رأيه ، فآذوا بعض رسله، بل أرادوا قتله وكانت ترسل جواسيس ليلا يستطلعون حال المسلمين وألقي القبض على جواسيس وجيء بهم إلى الرسول عليه السلام فعفا عنهم وخلى سبيلهم تشبثا منه بخطة السلام وبهتت قريش، وسقطت كل تكهناتهم وزعمهم بأن محمدا يريد حربا .
ولعل هذا الموقف الذي اتخذه الرسول عليه السلام هو الذي ارتضاه الحسن الثاني وكرر مرارا عدم الرغبة في محاربة الأسبان، والأمر بتحيتهم واقتسام الطعام معهم ودعوتهم إلى الخيام وهذا أمر صعب فهمه على البعض من الذين حرموا نعمة العلم والإيمان يقول – رحمه الله - في " التحدي " ص 277 – " فعانق إخوانك وأصدقائك الإسبانيين عسكريين ومدنيين، وإن أطلقوا عليك نارا فتسلح بإيمانك وتسلح بقوتك ".
وتبقى ملحمة الحديبية أو صلح الحديبية وبيعة الرضوان ماثلة في تفكير الحسن الثاني فقد استطاع أن يوحد بين صلح الحديبية وبين عمرة القضاء التي تم بها دخول مكة سلميا. عقد جلال كشك في كتابه " المسيرة ملحمة ملك وشعب مقارنة بين المسلمين الذين لبوا نداء الرسول للخروج إلى العمرة وبين تلبية الشعب المغربي لنداء جلالة الملك الحسن الثاني عندما أعلن عن تنظيم المسيرة الخضراء، ونقل عن كتب السيرة النبوية ما يلي: " نادى الرسول في الناس كي يتجهزوا للخروج إلى العمرة بعد أن منعوا منها من قبل... أقبل المسلمون يلبون هذا النداء الأنصار والمهاجرون الذين تركوا مكة منذ سبع سنوات ولم يحمل أحد سلاحا، إلا سيفا في غمضه... وسار المسلمون يحذوهم شغف الدخول إلى مكة ورؤية الأرض التي ولدوا فيها، ولمس وتقبيل الأرض المباركة فلما انكشف البيت الحرام أمامهم انفرجت شفاههم عن صوت منادين: " لبيك اللهم لبيك " وكذلك كان الشأن بالنسبة لمتطوعي المسيرة فقد كانت لفظة " الله أكبر " ترفع بأصواتهم بكيفية تلقائية تملأ فضاء سماء الصحراء وتبددت في نفوس الحاقدين بعض الإشاعات كانتشار الأمراض والأوبئة والجوع والعواصف الترابية التي هدأت وتبددت بدخول المتطوعين مهللين فرحين على هذا الجيل واجب الشكر لجلالة الحسن الثاني رحمه الله الذي أتاح لنا ولغيرنا فرصة رؤية هذه الصورة وهذه اللوحة للمسيرة الخضراء التي اقتبسها من السيرة النبوية العطرة، وهي صورة طبق الأصل من حيث المنهج والتخطيط والأعداد فكانت كما أرادها: مسيرة سلمية قرآنية لا حرب فيها ولا قتال.
ما أجمل العفو عند المقدرة؟ وما أعظم هذه النفوس التي سمت كل السمو وارتفعت فوق الحقد ، وفوق الانتقام، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عفا عن عدوه بعد أن مكنه الله منه وضرب بذلك للعالم كله مثلا رائعا في البر والوفاء بالعهد، وغير ذلك فإن كل هذه الصفات وكل هذه الخصال توفرت في الفكر الحسني، وهي مقتبسة من سيرة جده عليه السلام هذه هي الخلفية، أو الجوانب الفكرية التي استوحى منها الحسن الثاني فكرة المسيرة الخضراء ثم أصدر العفو عن الخاطئين أو المخطئين اقتداء بالنبي عليه السلام عندما قال لقريش بعد أن مكنه الله منهم " اذهبوا فأنتم الطلقاء". أما الجانب الديني للمسيرة الخضراء فقد تضمنته خطبه، ومنها خطابه الموجه إلى سكان إقليم الصحراء؛ قال – رحمه الله- مخاطبا رعاياه كأمير المومنين وكملك بيعته ما زالت في عنق سكان الإقليم، وكمسير ومخطط للدبلوماسية والسياسة الخارجية، وكجامع للشمل فبخصوص البيعة تلى قوله تعالى: " في سورة الفتح " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ..." فالبيعة تقتضي التراضي فالروابط التي تربط بين الراعي والرعية وهي في الدولة الإسلامية ليست هي تلك الأسس التي خلقها التاريخ صدفة بل هي قبل كل شيء ترابط وتعامل مبني على أعز ما في أنفسنا وأقدس ما في أرواحنا، وهو الإيمان بالله وبرسوله والعمل بكتابه العزيز فهذا الترابط القائم على الاختيار الحر، والإرادة المشتركة التي تستند إلى العقيدة الإسلامية يقوم ويستمر مهما حاول المستعمر عرقلته.
هذه البيعة التي عبر الشعب الصحراوي عن تمسكه بها، وعبر العرش العلوي عن التزامه بها، يقول عنها الحسن الثاني، رحمه الله:" هذه البيعة تلزمك وتلزمني وتضع على كاهلك وعلى كاهلي أعباء وواجبات شهدت بها محكمة العدل " وهي بيعة لم تنفصم قط ولا سقطت من أي جانب، لا من المبايعين ولا من المبايع ...ويقتبس من سورة الفتح الخصائص الخلقية للمسلمين الرحماء فيها بينهم الأشداء على الكفار ليصل إلى أنه لا يكفي جمع الشمل بتوحيد الصحراء، بل " لا بد من السماح والتسامح والتعاضد والتآلف والتآخي نظرا لكون الأمة الاسلامية كانت على فتح جديد: فتح صفحات جديدة أخرى لبناء مجتمع آخر... "
مجتمع يقوم على المحبة والتآلف والتسامح: أي يقوم كما قال: " على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أخلاق أجدادي وأخلاق والدي رحمة الله عليه بل واجبي – يضيف – أن أجمع الشمل وأن أصالح الجميع وأن أصافح الجميع"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.