لن يكون تعيين الرئيس السابق للموزمبيق، جواكيم شيسانو، من طرف الاتحاد الإفريقي، مبعوثا خاصا في نزاع الصحراء، المبادرة الأخيرة ضد المغرب، بل ستتكاثر مثل هذه المواقف كلما تقدمت بلادنا في علاقاتها الثنائية مع البلدان الإفريقية، وكلما زادت أزمة هذا الاتحاد استفحالا. تولى شيسانو الرئاسة بعد موت زعيم مقاومة الاستعمار البرتغالي، وأول رئيس بعد التحرير، سامورا ماشيل، في ظروف مازالت غامضة، سنة 1986، بعد سقوط طائرته. وقد اشتهر شيسانو بنظرية غريبة في السياسة سماها "الوساطة المتعالية"، وهي عبارة عن رياضة "يوغا" فرضها على أعضاء الحكومة والجيش والشرطة والموظفين والمواطنين، واعتبرها كافية لتحقيق التوازن السياسي والأمن والسلام في بلده. وتميّزت فترات حكمه التي دامت 19 سنة بالفساد والرشوة، واتهمته المنظمات الدولية بتزوير الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مرتين. وكان باستمرار يزور الجزائر ومخيمات تندوف في إطار دعمه لانفصاليي "البوليساريو". ومنذ أن غادر رئاسة الدولة في 2005، تولى بعض المهام في منظمات دولية، قبل أن يتحوّل إلى متخصص للاتحاد الإفريقي في مهام الوساطة السياسية، والتي فشل فيها بشكل واضح. غير أن فشله يعكس، في الحقيقة، فشل الاتحاد الإفريقي على كل المستويات. لا يوجد أي نزاع في إفريقيا تمكن فيه هذا الاتحاد من المساهمة في حلّه، ابتداء من الصومال ومالي والسودان ودارفور وإفريقيا الوسطى... رغم كل المآسي والمذابح والمجاعات التي كان ضحيتها المدنيون، وخاصة الأطفال والنساء. وكان الفشل الذريع في الوساطة بين نظام القذافي والمعارضة المسلحة، أسطع دليل على عجز الاتحاد الإفريقي، بل الأدهى من ذلك، فقد صوتت دولة جنوب إفريقيا لصالح تدخل قوات حلف الأطلسي في ليبيا، في الوقت الذي كانت فيه مبادرة الاتحاد قائمة، مما اعتبره العديد من المراقبين الأفارقة خيانة من طرف هذا البلد. وللتذكير، فالاتحاد الإفريقي رأى النور في دوربان بجنوب إفريقيا، البلد الذي تزعم مبادرة تعويض منظمة الوحدة الإفريقية، بهذا الإتحاد. غير أن الذي هيّأ له هو القذافي، من خلال اجتماع "سرت" الذي صدر عنه "إعلان" حدّد الأهداف والغايات، ومن أهمها تحقيق "الولاياتالمتحدة الإفريقية". واعتبر القذافي في أحد تدخلاته أن هذه العملية ليست صعبة، انطلاقا من بعض المعطيات كتلك التي تؤكد أن مساحة 18 بلدا إفريقيا هي أقل من ولاية نيويورك، وأن تعداد ساكنة 11 بلدا من هذه القارة لا يصل إلى مليون نسمة، وكان عدد من الرؤساء الأفارقة يجارونه في هذه "الأفكار"، مادام يدفع بسخاء. لكن ما يحصل في أرض الواقع يناقض هذا التصور النظري، حيث تغرق إفريقيا في النزاعات والحروب.. وغياب التضامن حتى الإنساني من طرف الاتحاد الإفريقي الذي لم يقدم لحد الآن أي مؤشر مقنع على النجاح فقط في تطوير التعاون بين البلدان الإفريقية، فما بالك بتحقيق "الولاياتالمتحدة الإفريقية"؟... ومن بين الانتقادات التي توجّه للاتحاد الإفريقي، مساهمته في تكريس البلقنة في هذه القارة، وكان آخرها في جنوب السودان، حيث تم خلق كيان جديد في إفريقيا يضخّم القبلية والصراعات الطائفية الدينية بدعم واضح من بريطانياوالولاياتالمتحدة الإمريكية. وفي الوقت الذي تسحب فيه الدول الإفريقية اعترافها، تباعا، بما يسمى ب"الجمهورية الصحراوية"، تسارع دولة جنوب إفريقيا، بمجرد ميلادها، إلى الاعتراف بهذه "الجمهورية الوهمية"، قبل أن تغرق في حروبها الداخلية بين القبائل. الآن ما الذي دفع هذا الإتحاد إلى تعيين "ممثل خاص" له في النزاع حول الصحراء المغربية؟ هناك، في اعتقادنا عدة دوافع تكمن كلّها في أن بعض الدول مثل جنوب إفريقيا والجزائر تستفيد من أزمته، وتمرر مبادرات من شأنها إعطاء انطباع بأن الاتحاد له دور ومهمة في القارة. وكلما زاد فشله الفعلي، كلما ضاعف من مثل هذه القرارات، من أجل تبرير وجوده. غير أن من أهمّ الدوافع أيضا هو محاولة خلق شرخ بين المغرب والبلدان الإفريقية التي نجحت معها العلاقات الثنائية على كل المستويات، خاصة وأن المغرب تمكن من لعب أدوار ديبلوماسية مهمة في نزاعات فشل فيها الاتحاد الإفريقي الذي يحتفظ بعضوية كيان لا وجود له، ولا يعترف به أغلب أعضائه ويكرّس البلقنة والتجزئة، في الوقت الذي ينص فيه ميثاق الاتحاد على تحقيق "الوحدة"، ومع ذلك يعلن بكل وقاحة أن له الحق في تعيّين ممثل وهمي له في نزاع اتخذ فيه موقفا مسبقا وقرر في مصيره، كما أرادت ذلك الطغمة الحاكمة في الجزائر، والتي سيقرر شعبها في يوم ما.. مصيرها.