اعتبر أكثر من ملاحظ ومتتبع لقضية الصحراء في إقليمكاطالونيا ( شمال شرق إسبانيا) أن تعيين الموزامبيقي جواكيم شيسانو من قبل منظمة الاتحاد الإفريقي كمبعوث إفريقي خاص الى الصحراء ، هو بمثابة صرخة يائسة تدل على أن حجج خصوم المغرب بشأن نزاع الصحراء التي طالما استخدموها للإيقاع بدول بعيدة جغرافيا عن المنطقة، أصبحت تنهار الواحدة تلو الأخرى. وكان قرار الاتحاد الإفريقي القاضي بتعيين شيسانو مبعوثا خاصا إلى الصحراء، والذي وصفه العديد من المختصين في مجال السياسة الدولية وتدبير النزاعات ب "المتهور واللامسؤول" ، قد خلف جدلا واسعا بين خبراء القانون الدولي والدبلوماسيين الدوليين حول قاعدة سمو القوانين والقرارات على مستوى المنظمات الدولية ، كما خلف نوعا من الاستياء ، ظاهرا أحيانا و مستترا أحيانا أخرى ، لدى عدد من متتبعي تطورات النزاع حول الصحراء.
وترتب أيضا عن هذه الخطوة بروز أسئلة محرجة حول الهدف الحقيقي من هذا القرار خاصة وأن الجميع يعرف أنه لا مجال لتعويض الدور الأممي المتمثل في مهمة المبعوث الخاص لبان كي مون الى الصحراء من قبل منظمة الاتحاد الإفريقي التي لم يسبق أن تمكنت خلال تاريخها من إيجاد حل لأي من النزاعات ، وكم هي كثيرة ومتكررة ودموية في القارة الإفريقية.
وحسب اندراو جوردي ياكاتا ، باحث بأحد المراكز الخاصة للبحث في مجال السياسة الدولية ببرشلونة فإن "هذا القرار غير مفهوم لأنه جاء أولا بعد شبه صمت للمنظمة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين، وبالتالي لماذا تعيين مبعوث خاص في هذا التوقيت بالضبط".
ثانيا ، يضيف ياكاتا "على الأرجح يمكن أن يثير هذا الموضوع مسألة أخرى وهي "سبق إصرار وترصد عدد من الدول الإفريقية كلما تعلق الأمر بقضية تخص المغرب كقضية الصحراء أو الدور المتميز الذي يضلع به في عدد من البلدان الإفريقية لاسيما خلال السنوات الأخيرة".
ويتساءل الباحث الاسباني قائلا "هل المستوى السياسي والمعرفي بالقانون والعلاقات الدولية وصل إلى هذا المستوى المنحط بين أعضاء الاتحاد الإفريقي حتى تضرب المنظمة بعرض الحائط بقرارات أممية وتحاول تعويضها بأخرى محلية، مع العلم أنها عاجزة حتى عن تدبير أتفه الأزمات على المستوى القاري".
وخلص الباحث وهو كاتب متعاون مع عدة مجلات ودوريات متخصصة في مجال العلاقات الدولية ، إلى أن تعيين رئيس سابق متورط في تزوير انتخابات بلاده ، ينم عن أن المنظمة الإفريقية ستنضاف الى "الهيئات الدولية الفاشلة على إيقاع الدول الفاشلة".
من جانبها ، قالت كارمين إسبينوثا صحافية متخصصة في العلاقات الدولية الأورومتوسطية في تصريح مماثل ، "يبدو أن قرار الاتحاد الإفريقي مبادرة سياسية شارك في وضعها تحالف مصغر من الدول الإفريقية ، كل حسب هواه ومصلحته المباشرة ، وبالتالي فإن قضية الصحراء ليست إلا مطية للوصول إلى أهداف لا علاقة لها بالشعب الصحراوي ".
وأوضحت أن مجموعة من البلدان مثل الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا تنضاف إليها بعض البلدان التي اعتادت ابتزاز المغرب كما الغرب عموما بكيفية أو بأخرى ، تحاول التشويش على سياسة المغرب تجاه جل بلدان القارة السمراء خاصة بعد الدور المركزي الذي أداه مؤخرا من أجل الحفاظ على وحدة دولة مالي واستتباب الأمن فيها.
وأضافت أن كل المؤشرات توحي بأن توطيد العلاقات المغربية الإفريقية على أساس الاحترام المتبادل، والمنفعة المشتركة "رابح رابح" يقض مضجع بلدان اعتادت أن تعتبر نفسها وصية علي إفريقيا سياسيا واقتصاديا. وخلصت إلى القول إن المغرب الذي انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية في ثمانينات القرن الماضي ، هو الوحيد في القارة الذي يتوفر على سياسة إفريقية واقعية وايجابية ومنسجمة ، وهو الأمر الذي لا يروق بتاتا لبعض الدول وعلى رأسها الجزائر لأسباب تاريخية متداخلة ومعقدة ، وجنوب إفريقيا التي لا ترى بعين الرضا "التوسع الاقتصادي والاستثماري للمغرب في الدول الإفريقية". أما الصحافي والدبلوماسي السابق في عدد من البلدان الإفريقية مانويل كومي ثدي ماريا ، فأكد بدوره في تصريح مماثل ، أن الاتحاد الافريقي الذى رأى النور بجنوب إفريقيا بمبادرة وتمويل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي ، والذي فشل في جميع مبادراته السلمية سواء في الصومال أو دارفور وغيرها ومؤخرا في إفريقيا الوسطى، هو بصدد البحث عن قضية يعيد تبنيها بطريقة أخرى تعيد له المصداقية التي فقدها.
وأضاف أنه طبقا لتجربته الدبلوماسية التي دامت عشر سنوات في القارة الإفريقية ، كان يتوقع أن تتخذ بعض الدول الإفريقية في إطار منظمتهم القارية ، قرارا بشأن الصحراء ، لان النجاحات المغربية أصبحت مستفزة لبعض البلدان المجاورة له شرقا وجنوبا.
كما أن خروج المغرب ، يضيف مانويل كوميث ، من أزمات الربيع العربي بدون أي خسائر ، خلق إحباطا لدى خصومه الذين كانوا يعتقدون أن موجة الاحتجاجات ستؤثر سلبا على البلاد مشيرا إلى أن المملكة خرجت عكس ذلك أكثر قوة وثباتا من السابق.
وبخصوص شخصية جواكيم شيسانو المثيرة للجدل ، قال كوميث دي مريا "إن ما أعرفه عن هذا الرئيس السابق هو توليه السلطة في بلاده نتيجة مصرع أول رئيس للموزمبيق سامورا ماشيل في ظروف مشبوهة ، وأنه قام بكل (ما يلزم) من أجل إعادة انتخابه رئيسا للبلاد مرتين" .
وعن البعد الذي يتخذه قرار تعيين مبعوث إفريقي للصحراء على المدى القصير والمتوسط ، قال الدبلوماسي الاسباني السابق ، إنها مجرد "فرقعة في الهواء" ستزول أثارها بمجرد ما تنهي المنظومة الدولية بعض القضايا ذات الأهمية القصوى مثل النزاع في العراق وسوريا وأوكرانيا، لتتفرغ بعد ذلك لهذا الموضوع الذي لا يشكل أي خطر على السلم العالمي.
وقال في الختام، إن "الحل الوحيد لازمة الصحراء يمر عبر منظمة الأممالمتحدة على أساس مقترح الحكم الذاتي الموسع الذي يبدو أنه الحل الأمثل ، في غياب أي مقترح من قبل الأطراف الأخرى سواء المعنية أو الفضولية " .