إلى حد الآن لا زال المغاربة ينتظرون ترجمة الوعود والشعارات التي رفعها السيد رئيس الحكومة، ولا زالوا ينتظرون أن يكون في مستوى خرجاته وتصريحاته وخطاباته الشعبوية ،حيث أن شعار مكافحة الفساد أصبح مجرد أسلوبا للمزايدة واستخدامه كورقة سياسية بحسب الحاجة والظروف، وبالتالي فإن كل حديث عن" استراتيجية وطنية للنزاهة" أو " مخطط تشريعي كفيل بحماية المال العام " أو" إخراج القانون التنظيمي الخاص بالهيئة الوطنية للنزاهة" سيظل مادة للاستهلاك الإعلامي والاستغلال السياسي والمزايدة به على كل الداعين إلى سياسة حقيقية وفعالة لمحاربة الفساد واستغلال النفوذ. وساكنة الناظور خيبت الحكومة أملها وآمال كل الغيورين على البلد وأصبح من حق المواطنين أن يتعاملوا مع كل الوعود في قادم الأيام بمنطق ما يرونه وليس ما يسمعونه. وبما أن إخفاء الحقائق يدخل في باب خرس الشياطين، وبما أن الفساد ينطلق من هذا السكوت المتواطئ، ولكون الخطاب المزدوج هو أشد مضاضة على المواطن من الحسام المهند ،فإننا أردنا اليوم أن نستحضر تلك الخلاصات التي وصل إليها المجلس الأعلى للحسابات بخصوص الفضائح المدوية التي عرفتها مشاريع خصصت لها العشرات من الملايير إبان تولي العامل "عبد الوافي لفتيت" مهام إدارة شؤون عمالة الناظور ، وهي مشاريع طالما راودت ساكنة المنطقة وجاءت بفضل الرعاية الملكية السامية التي خص ويخص بها جلالته هذا الإقليم. إلا أن هذه المشاريع طالها الغش الواضح، وحلت يومئذ أمطار الخير لتعرية حقيقتها ، ولا زلت أتذكر الندوة التي عقدها الكاتب الإقليمي لحزب رئيس الحكومة بالناظور، والتي نشرت يومية "المساء" في عددها الصادر بتاريخ 11 أكتوبر 2008 مقتطفات من بعض ماجاء على لسان ممثل الحزب الحاكم بالإقليم والذي أكد أن " السلطات – وكان العامل هو عبد الوافي لفتيت – تتحمل المسؤولية عما شهدته المدينة من فيضانات كشفت عن زيف الإصلاحات الأخيرة التي صرفت فيها الملايير ..." هذا ما قاله حزب رئيس الحكومة الحالي وهو في المعارضة ، وبعد توليه شؤون تدبير الشأن العام وأصبح رئيسا للحكومة ، يقوم باقتراح نفس "العامل" لتسند له مهمة والي جهة الرباطسلا زعير . ونسي السيد رئيس الجكومة أنه عندما يقال ما لا يفعل وعندما ينتصر الخطاب المزدوج عما سواه يكيل صاحبه بمكيالين فذلك هو قمة الإستهتار بالحقوق.
من لا يتذكر ذلك الاحتقان وتلك الإحتجاجات التي تم قمعها بكل الوسائل حينما أرادت ساكنة الناظور الخروج إلى الشارع لتحتج على ما طال المشاريع الملكية السامية من غش خلال فترة العامل" لفتيت"؟ ، وحتى الندوة التي أرادت الزميلة الأسبوعية المحلية" أنوال اليوم " تنظيمها بالمدينة تحت عنوان " المشاريع الملكية بالإقليم بين الأهمية وواقع الغش والتبذير " والتي دعي إليها الأستاذين محمد أزواغ والنقيب عبد السلام حشي منعت واشترط الباشا على الزملاء في " أنوال اليوم " أن يكون الإخبار بعقد الندوة " مرفقا بوثيقة تحمل توقيع المحاضرين في الندوة "وهذا أسلوب غريب لم نسمع عنه في أي زمان. وتم منع مسيرة حاشدة استجابت لها ساكنة الإقليم للتنديد بما شاب هذه المشاريع من غش وتلاعب كانت ستنطلق من ساحة الشبيبة والرياضة . وفي محاولة لإطفاء نار الغضب ، دعيت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمنتخبون إلى لقاء بقاعة عمالة الناظوريوم 15 أكتوبر 2008 ترأسته موفدة الحكومة السيدة نزهة الصقلي ، وتحول بدوره إلى غضب كبير وتذمر عبر عنه الحضور واعتبر بمثابة محاكمة شعبية لعبد الوافي لفتيت . وفي الوقت الذي كانت فيه ساكنة الاقليم وبناء على ماعاينته بأم أعينها من تلاعب وما استقر عليه رأي المجلس الأعلى للحسابات في تقريره حول ما عرفه برنامج التأهيل الحضري للناظور من عيوب شابت مجموعة من المحاور الطرقية بالرغم من أنه لم يمض على تسلمها نهائيا في أغلب الحالات سنتين ومن عدم احترام لمعايير الجودة المعمول بها في مثل هذه الأشغال،تنتظر مساءلة ومحاسبة هذا العامل على ضياع أهم فرصة أتيحت للإقليم من أجل تأهيل أفضل يستجيب لطموحات الساكنة في ظل ما يوليها له جلالة الملك من كبير العناية وعظيم الاهتمام ، يتم تعيين نفس العامل واليا على العاصمة ، علما بأن كل المشاكل التي يعاني منها المواطنون حاليا ،هي نتاج لذلك الغش الذي عرفته العديد من المشاريع وأدى العمال الذين تعاقبوا على ا لعمالة بعده ،ثمن هذا الغش. ومن جملة ما أورده المجلس الأعلى من أمثلة ملموسة في تقريره هذا ،الطريق البحري وشارع محمد الخامس والطريق رقم 19 والرصيف قرب حي ترقاع وشارع 3 مارس بالإضافة إلى حلبة للسباق وملاعب رياضية ، ولاحظ المجلس الأعلى للحسابات أن العيوب تتلخص في تشققات واقتلاع لحواشي الأرصفة والزليج ولطبقة السير. وتطرق المجلس إلى أداء مبالغ غير مستحقة في إطار الصفقات المتعلقة بأشغال التهيئة الحضرية ، وذلك بسبب عدم التطبيق الدقيق لمقتضيات دفاتر الشروط الخاصة المتعلقة ببعض الصفقات المبرمة : الصفقة رقم 2008/02 . الصفقة رقم 2007/ 24 الصفقة رقم 2009 / 26 الصثفقة 2007 / 23 وأكد المجلس الأعلى في ذات التقرير إلى أن المعطيات والبيانات المعتمدة لاحتساب المبالغ المستحقة تبقى غير مبررة بشكل كاف مما نتج عنه أداء مبالغ غير مستحقة تقدر ب : 3.148.885.02 درهم. وأقر المجلس أيضا بعدم مطابقة أشغال بلغت كلفتها 6.454.824.00 درهم للمواصفات التقنية المتضمنة في دفاتر الشروط الخاصة. فرجوعا للصفقة رقم 2009 / 47 ، يرى المجلس أن المقاولة المكلفة بالإنجاز بوضع شبابيك محيطة بالملاعب الرياضية مختلفة عن بعضها البعض،وقد بلغت كلفة هذه الأشغال ما مجموعه 954.000.00 درهم مع احتساب الرسوم، وتتضمن أشغال الصفقة كذلك ، إنجاز أرضية لملاعب كرة المضرب بتقنية " terre battue "حسب المادة 2-2 من دفتر الشروط الخاصة ، غير أن زيارة موقع الأشغال أثبتت أن الأرضية أنجزت برمل من فئة "grain de riz "وقد بلغت كلفة هذه الأشغال ما مجموعه 192.000.00 درهم مع احتساب الرسوم. ووقف المجلس الأعلى كذلك عند أداء قيمة كمية 3.000 متر مكعب من التحجير دون تحديد أماكن الإنجاز أو تبريرها ، مما جعل أداءها غير مبرر ، ويصل مبلغها الإجمالي إلى ما قدره 540.000.00 درهم دون احتساب الرسوم. ولاحظ المجلس بخصوص الصفقة رقم 2007 / 23 ، أنه تمت الإضافة في جدول المنجزات رقم 5 ما قدره 3.091.70 متر مكعب من طبقة القاعدة من نوع "G N A "دون تحديد أماكن الإنجاز ، خصوصا وأن هذا النوع من الأشغال يقتضي إنجاز بعض الأعمال القبلية كالحفر والتكديس، وتصل كلفة هذه الأشغال إلى 593.606.40 درهم مع احتساب الرسوم. وعاين المجلس الأعلى للحسابات كذلك ، أنه بخصوص الأشغال المتعلقة بالتشريب ، ينص الفصل lll-5 من دفتري الشروط الخاصة المتعلقين بالصفقتين رقم 2007 / 23 ورقم 2007 / 24 على أن تعبير"Dosage "الزفت المسال المستعمل للتشريب يجب أن يكون 1.33 كلغ / م مربع ، إلا أنه لوحظ أن هذه الأشغال لم تصل إلى القيمة المتعاقد بشأنها ، إذ أن كل العينات المأخوذة يتراوح تعبيرها بين 1.245 و 1.290 كلغ / م مربع ، وبالرغم من ذلك تم تسلم وأداء هذه الأشغال التي تصل المبالغ المتعلقة بها إلى ما قدره 697.876.80 درهم مع احتساب الرسوم. وبخصوص الأشغال المتعلقة بوضع حجارة الرصف "Pavés autobloquants "رأى المجلس أنه تم تحديد الخصائص التي يجب احترامها في إنجاز حجارة الرصف في الفقرة C10 من دفتر الشروط الخاصة المتعلق بالصفقة رقم 2007 / 27 والتي أنجزت الأشغال المتعلقة بها بشارع محمد الخامس بالناظور ، وحدد السمك الذي يجب توفره في 7 سنتمتر ، غير أن المعاينة الميدانية لموقع الأشغال ، بينت أن هذا السمك لم يتم احترامه ، وقد بلغت كلفة هذه الأشغال ما مجموعه 3.191.462.40 درهم مع احتساب الرسوم ، كما أن أشغال الرصف المنجزة في إطار الصفقة رقم 2008 / 22 لم تحترم السمك المنصوص عليه بدفتر الشروط الخاصة ، وبلغت كلفتها 1.138.360.80 درهم مع احتساب الرسوم. وبشأن الأشغال المتعلقة بوضع الحجارة من نوع "GOUROUGOU "لاحظ المجلس في تقريره إلى أنه تم إنجاز تكسية شارع محمد الخامس (الرصيف والفاصل ) باستعمال أحجار طبيعية ، وتبين من وثائق الصفقة رقم 2007 / 27 ومن خلال المعاينة الميدانية ،أن أشغال تثبيت الأحجار تختلف بحسب نوعها ، إذ يتم تثبيت الحجر من نوع "GOUROUGOU باستعمال الرمل ، أما الحجر من نوع " حجر تازة " فيتم تثبيته باستعمال خليط إسمنتي " "Forme de pose"وبالتالي فإن أشغال تثبيت الأحجار ، والتي على أساسها تم تحديد الثمن المقترح من طرف المقاولة يختلف عن المواصفات التقنية المحددة في المادة C 9 من دفتر الشروط الخاصة على اعتبار أن التثبيت قد تم في بعض الحالات باستعمال الرمل فقط ، كما أن أداء مبلغ أشغال تثبيت الحجر من نوعى " حجر تازة " غير منصوص عليه في جدول الأثمان. ورأى المجلس الأعلى للحسابت وهو يستعرض الخروقات التي تمت إبان مرحلة "لفتيت "، أن توريد حجارة من نوع "GOUROUGOU"بالرغم من أن المادة رقم 1 من المقتضيات التقنية للصفقة رقم 2008 / 23 نصت على أن هذه الأحجار يجب أن تكون منحوتة "raillée "وذات أحجام متوازية ، فإن الأحجار التي أنجزت بها الممرات بطريق " ازغنغان " لم تستجب لهذه المواصفات وقدرت المبالغ المتعلقة بهذه التوريدات ما قدره 281.124.00 درهم مع احتساب الرسوم..(يتبع )