خطاب افتتاح أشغال المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أعزائي أعضاء المجلس الوطني ينعقد أول اجتماع للمجلس الوطني بعد تنظيم مؤتمرنا السنة الماضية في ظرف حساس من حياة حزبنا العزيز. ولا يجب أن نغالط أنفسنا، فنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة برهنت على فشل إستراتيجيتنا السياسية، والسؤال الذي يتعين علينا الإجابة عنه خلال هذين اليومين لا يتعلق بالأخطاء التكتيكية أو عدم فعالية الوسائل المستعملة لبلوغ أهدافنا السياسية. ولا يتعلق الأمر في هذه المرحلة بمعرفة إن كان علينا الانسحاب من الحكومة أم لا، إن كان علينا التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة وليس مع العدالة والتنمية. لا، بل إن المسألة التي يجب أن تتعبأ لها كل طاقاتنا ترتبط بالهدف المتوخى من معركتنا السياسية: لماذا نناضل؟ ما النموذج المجتمعي الذي نريد تكريسه؟ ما هي المؤسسات السياسية والاقتصادية التي نسعى إلى إقامتها؟ باختصار، أي مغرب نريد؟ لا يا أصدقائي. إننا نرتكب خطأ فادحا إن اعتبرنا هذه القضايا محسومة منذ زمن طويل. فمواطنونا لم يعودوا يعرفون من نكون، ولا الأمر الذي نناضل من أجله، وأخذ مناضلونا يبتعدون عنا لأننا أربكناهم. ومن حقهم المطالبة بالتوضيحات اللازمة ومن واجبنا أن نمدهم بها. هل مازلنا متعلقين بفكرة بناء مغرب ديمقراطي سياسيا وتقدمي اجتماعيا وينعم بالرفاه والإنصاف؟ إنني أطرح عليكم السؤال يا أصدقائي لأنه، في ضوء حصيلتنا السياسية خلال ال11 سنة الأخيرة في الحكومة، لا تبدو الإجابة بذلك الوضوح الذي نظنه. هل قمنا بما يلزم ليحصل المغرب على مؤسسات ديمقراطية؟ لقد قبلنا بالتصويت لصالح الإصلاح الدستوري ل1996 كبادرة حسن نية تجاه المرحوم الحسن الثاني وليس من باب الاقتناع بأن هذا الإصلاح سيفضي إلى إقامة نظام سياسي ديمقراطي. كنا نعلم أن هذا الإصلاح لن يسمح بفصل السلط، ولن يكرس استقلال القضاء، ولن يعيد النظر في الصلاحيات التي تكاد تكون مطلقة للملك. ولكننا قررنا الاستجابة لنداء الحسن الثاني لأنه أكد لنا حرصه على دمقرطة البلاد، وأقنعنا بأن هذا المسلسل سيكون أكثر سلاسة مع مشاركتنا في الحكومة. لم نكن مغفلين، وكنا ندرك أن هذه الإصلاحات الاقتصادية ستكون لها عواقب اجتماعية وبالتالي سياسية يمكن أن تزعزع استقرار الملكية. فمنذ بداية الستعينيات أدرك أنه لم يعد بمقدوره اللجوء إلى القمع كما كان يرغب، وقام بعدة خطوات انفتاحية، ولكوننا إصلاحيين طيبين كنا نرغب أن نجنب المغرب مواجهة باهظة الثمن. جئنا نحمل معنا سنوات النضال ومصداقيتنا الوطنية والدولية كحزب ديمقراطي. حملنا معنا الشهيدين المهدي وعمر، حملنا معنا تضحيات عبد الرحيم العظيم الذي لم يستسلم قط لنداءات المخزن. فقد فضل، وهو رجل الدولة ذو الصيت الدولي، ظل المعارضة على الأنوار المفسدة للسلطة. حملنا معنا آلام وتضحيات مناضلينا، وكنا نرى أن هذه التضحيات لن تذهب سدى إذا ما خولت لنا أن نمنح للمغاربة دولة ديمقراطية تخدمهم بل أن تقمعهم. وأدعو أولئك الذين انبهروا أمام تعليقات الصحف العالمية على وصول الملك الجديد إلى الحكم إلى إعادة قراءة تلك الصحف نفسها غداة يوم 4 فبراير 1998، حين قبل عبد الرحمان اليوسفي بتولي منصب الوزير الأول. فقد حاز فيها الحسن الثاني والملكية على أكثر المقالات إعجابا. فكأن جراح سنوات الرصاص اندملت بضربة عصا سحرية. ولكن للأسف، بعد 11 سنة، أبلغتنا الملكية من خلال صمتها المترفع بأنها لا ترغب في الإصلاحات الدستورية. ويذهب الأمر إلى حد يمكن للمرء أن يعتقد معه أن مجرد الحديث عنها هو بمثابة جريمة المساس بالملك. فالسلطات متمركزة بين يدي الملك كما كان الحال في السابق، والقرارات المهمة يتم اتخاذها في الديوان الملكي، والتوجهات السياسية الكبرى للدولة تقرر فيها اللجن الملكية. ولم نكتف بعدم الاستنكار بوضع اليد هذا بل قمنا بإضفاء الشرعية عليه. هل كنا مجبرين على لعب دور توركويمادا (أكبر قادة محاكم التفتيش في إسبانيا القرن ال15) لقمع الصحافة وترك عبد الرحمان اليوسفي يفقد مصداقيته في عيون الديمقراطيين؟ هل كان من اللازم على صحافتنا أن تعيد نشر محاضر الاستنطاق التي حررتها الدي إس تي فيما يسمى بقضايا الإرهاب الإسلامي، وتقدمها على أساس أنها حقائق لا يرقى إليها الشك أبدا؟ لقد التزمنا الصمت لما كانت مصالح النظام تمارس التعذيب، وأشحنا بوجوهنا ّلما كانت جمعيات حقوق الإنسان المحلية والدولية تفضح وجود المعتقل السري بتمارة. كل هذا من أجل أي نتيجة؟ حزب الأصالة والمعاصرة. فهذه هي المكافأة التي حصلنا عليها. تمت مكافأتنا بخلق فريق حزب للملك يقول لنا بكل صراحة: "لقد أخفقتم في مهمة التصدي للإسلاميين، ولم نعد في حاجة إليكم إلا ككومبارسات". وبصراحة، هذا ما نستحقه. لقد أصابنا ما يصيب الذين يتنكرون لقيمهم ومبادئهم. لقد بررنا موقفنا بضرورة مكافحة الإسلاموية، وضد هذا الخطر المطلق كان يتعين علينا تحقيق التوحد المقدس مع الملكية، ولو كان ثمن ذلك هو المساس بحقوق الإنسان. وكنا نقول لا ديمقراطية لمناهضي الديمقراطية. وخسرنا على الصعيدين معا. فقد فقدنا مصداقيتنا، ولم يعد لخطابنا أي ثقل لدى المغاربة. وفي نهاية المطاف تسبب هذا في إضعاف قدرتنا على التصدي للمشروع السياسي والاجتماعي الذي يحمله هؤلاء الإسلاميون. في ما يتعلق بالاقتصاد، كان إخفاقنا كذلك بينا. لنتذكر هنا خرجات عزيزنا فتح الله ضد برنامج الخصخصة. كيف بالله عليكم انتقلنا من الرفض البات لتحرير الاقتصاد إلى القبول وبدون شروط لأكثر أشكال هذا التحرير سوءا؟ كنا في الماضي ندافع عن "الدولة المنتجة" من أجل حماية الصالح العام، ثم قبلنا بتحرير اقتصادنا بشرط الحفاظ على الصالح العام عبر تدخل الدولة التي أوكل إليها دور المنظم والمراقب. ماذا لدينا اليوم؟ هيئات ضبط ومراقبة ضعيفة. فرجال الأعمال المنضوون تحت جناح الملكية يمسحون أرجلهم في مجلس أخلاقيات القيم المنقولة والوكالة الوطنية للقيم المنقولة. لقد تتبعنا صامتين أناسا حاصلين على الMBA لا ثقافة لهم وهم يأخذون كرهائن أجهزة الدولة وجعلها في خدمة المصالح الخاصة لأقوياء النظام. لقد غدت صناديق التقاعد، أو بالأحرى صندوق الإيداع والتدبير الذي أنشأه حبيبنا عبد الرحيم بوعبيد، مجرد مانحين دورهم هو تمويل أهواء رجال الأعلام الشباب هؤلاء. ثم هناك الصحراء. هل نسدي لبلدنا خدمة بغضنا الطرف عن تناقضات السياسة التي تتبعها بلادنا بخصوص هذه القضية؟ نعم، إن الصحراء مغربية. ولأننا نؤمن بقوة بهذا الأمر علينا أن ننبه المشرفين على تدبير هذا الملف إلى انزلاقاتهم. لقد أضعفتنا سياسة ال"بني وي وي" التي سرنا على نهجها في هذه القضية، بل أكثر من ذلك فهي لا تخدم بتاتا قضيتنا الوطنية. بعد حدوث التناوب، اعتقدنا أن زمن النضال والتهميش والقمع قد ولى. لقد استسلمنا للارتخاء واستسلمنا لإغراء جمع الثروة. لقد كنا على خطأ. فالمعركة مازالت متواصلة، ودعوني أذكركم بأننا ديمقراطيون، بأننا نرغب في انتقال ديمقراطي سلمي أكثر ما يمكن، وبأننا نقبل أداء ثمن أفكارنا. إن ما سبق أقل من حصيلة جامعة مانعة لكل أخطائنا. إنه نداء من أجل عودتنا إلى جذورنا، لتشريف شهدائنا، لنخدم تطلعات مناضلينا من خلال استرجاع القيم التي شكلت أساسا لمعركتنا. إن بلادنا في حاجة إلى يسار عصري وقوي. ورغم كل نواقصنا، يظل حزبنا المرشح الأفضل ليشكل قطبه الأساس. إن ال"يو إس إف بي"، الحروف الأربعة التي يبتدئ بها اسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية باللاتينية، غنية بكنوز من الشرعية وبالتالي فهي تتوفر على إمكانات سياسية كبيرة. فلنحرص على توظيف هذه الشرعية لتحقيق سعادة مواطنينا وازدهارهم. عن "لوجورنال"