لعل التوصيف المناسب والملائم للحالة التي أضحت تعيش على إيقاعها الإطارات الحزبية المغربية هو "الدراما الحزينة"، إنه الوصف الذي يمتلك الحد الأدنى من الحصافة، للإيحاء بكل ما يخفى ويتجلى داخل أحزابنا المغربية. لن نتحدث ها هنا عن الصراعات الداخلية في أغلب هذه الأحزاب، ولن نتطرق إلى غياب الديمقراطية والشفافية ضمن أجهزتها المنتخبة، ولن نتناول بالإشارة مقراتها المغلقة على مدار السنوات،والتي لا تفتح نوافذ وكالاتها الانتخابية إلا مع اقتراب المواعيد الانتخابية.. لن نشير إلى كل ذلك، بل سنحاول مقاربة أدوار هذه الأحزاب في خدمة الوطن والمواطنة والمواطنين، لسبب بسيط هو أن تساؤلات عريضة تطرح عن عدم قدرة هذه الأحزاب على الخروج عن صمتها، إلا إذا ما تلقت إملاءات بإصدار بيانات تدين سلوكات ومواقف قد تبدو للبعض مسيئة إلى الوطن، وهي لا تعدو في جوهر الأمر سوى مواقف وخطوات بسيطة لفضح المفسدين والفساد الذي ينخر مسيرة الوطن. لقد باتت الأحزاب المغربية، مع استثناءات قليلة، تخرج ببيانات موحدة في الموضوع والزمان والمكان، وفي المساء تلتئم اجتماعات القيادات، للاحتفال بما حققته بياناتهم من نصر ومن رضا، ومن مآسي وانكسارات في الموقع الآخر، لدى أعدائهم المفترضين، فيما يقفز التساؤل الملحاح إلى الواجهة.. أين هو الوطن الذي تدافعون عنه أمام كاميرات وعدسات التلفزة وميكروفانات الإذاعة. أليست المواطنة، كما استلفناها من عند الغرب، مفهوما يحيل على ثنائية الحق والواجب، فما هي الحقوق التي دافعتم عنها عمليا وإجرائيا لصالح المغاربة ولصالح الوطن. أين هي واجباتكم بعد أن أخذتم فوق حقوقكم الكثير من الامتيازات بالحق والباطل معا؟ على المغاربة أن يدركوا جيدا، ومنذ الآن، أن قيادات هذه الأحزاب تستخف بعقولهم وتستبلدهم بشعارات مستهلكة وبخرجات إعلامية مضبوطة، وفق أجندة على المقاس، وتعتبرهم مجرد كائنات انتخابية ليس إلا . في الوقت ذاته كان حريا ببعض هذه الأحزاب، التي ظلت لعقود من الزمن المغربي تسمي نفسها بالوطنية وتقدح في تشكيلات حزبية أخرى بكونها "إدارية" وصنيعة للمخزن، قبل أن يموت المخزن على تخوم ثقافة ومفاهيم السوق الجديدة التي روجتها الأمواج العاتية للعولمة. بعض قياديي هذه الأحزاب ينطبق عليهم القول الشهير للفيلسوف الألماني نيتشه: "الدناءة الحقيقية هي أن تنافق نفسك وأنت تعرف حقيقتك الدنيئة".. يوزعون المال ويشترون الذمم ويرجمون داخل الأسواق البدوية، ويتحملون كل صنوف الإذلال من أجل منصب لا يعدو أن يكون بئيسا، والحالة هذه، ثم يظهرون على شاشات تلفزاتنا العمومية وبعض جرائد "كاري حنكو"، بصور كبيرة وملونة، من داخل مكاتب فخمة، يتحدثون عن الحكامة الجيدة وشروطها وعن حرية التعبير وعن حزبهم الذي بدأ يستعيد مقوماته التنظيمية الكفيلة بتدخله في تدبير الشأن العام.. شعارات وشعارات، وخبث في التحايل، ومكر ممنهج في إقبار الإرادة الجماعية للمغاربة، لصالح مصالح ضيقة، لا يؤمن بها التاريخ، منها مثلا أن أحد الأحزاب الإدارية، القديمة والجديدة، قرر تحقيق تحالف وتقارب مع حزب العدالة والتنمية، بعد وصفه بالظلامية وتحميله مسؤولية أحداث 16 ماي الأليمة.. ليعود بعد ذلك ويعلن خلال هذه الأيام الخريفية الباردة والكئيبة أنه يفكر في التقارب مع "البام"، مع الإقرار والاعتراف المصحوب بالندم وجلد الذات، أن الاتهامات التي سبق أن كيلت من طرفهم لحزب فراد علي الهمة كانت في غير محلها، بل "ومبالغا فيها"، بتعبير مسؤولي هذا الحزب، الذي كان قد انضم إلى قائمة المتواطئين ضد "أخبار اليوم "، وأصدر حكما بإدانتها، قبل أن يقول القضاء كلمته، وهو الذي كانت بياناته إلى حد قريب تصف النظام المغربي بالنظام البوليسي.. فجأة تحولت تلك التحية النضالية إلى توافقات حتى مع اللامنطق بهدف إقناع ذهنياتهم السخيفة بأنهم يعبرون عن وجودهم في حقل السياسة والبيانات والتنديد، ولكن ماذا بعد؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي لا نملك إزاءه سوى التوسل بأبيات للشاعر أبي الأسود الدؤلي الجميلة والمعبرة والمليئة بالحكمة والكثافة الدلالية والإيحائية: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا وبغيا إنه لذميم والوجه يشرق في الظلام كأنه بدر منير والنساء نجوم وترى اللبيب محسدا لم يجترم شتم الرجال وعرضه مشتوم أبيات قليلة من قصيدة ننصح كل الأحزاب السياسية التي تركت مشاكل التعليم والصحة والفقر، لتلتئم فقط لإدانة جريدة يعمل بها صحافيون بسطاء، هددوا في قوتهم اليومي وفي راحتهم وسكينتهم، إلا أنهم لم يتآمروا ذات يوم ضد مستقبل المغرب والمغاربة.