لا يموت الإنسان عندما تخرج روحه، يموت قبل ذلك عندما يفقد الأمل في العيش الكريم. مشهد مرعب ذلك الذي نقلته عدسات المصورين لشاب عاطل عن العمل، أشعل النار في جسده وبدأ يتلوى من الألم في الشارع العام وأمام البرلمان... ماذا يحدث؟ أإلى هذه الدرجة فقد خريجو الجامعات والمعاهد الأمل في حياة مغربية كريمة؟ أإلى هذه الدرجة أصبحت الحياة أكثر كلفة من تحمل الموت، وأي موت.. الموت حرقا وأمام الملأ؟ لا نعرف ما هي مشاعر الوزير الأول، عباس الفاسي، ولا إحساس الحكومة وكبار مسؤولي الدولة عندما شاهدوا أجساد المعطلين المتفحمة على صفحات الجرائد.. وهل دخل الرعب إلى نفوسهم، أم إنهم اليوم أصبحوا محصنين من هذا الشعور الإنساني؟ أخطر ما في صورة الشاب الذي أشعل النار في جسده، ألا تصل حرارة وفظاعة هذا المشهد إلى نفوس كبار المسؤولين، وأن يكون «التطبيع» مع مأساة المعطلين قد خدر الإحساس لدى الدولة بالمسؤولية عما يجري منذ سنوات، من إهمال لمئات الآلاف من الشباب –وقد صار بعضهم كهولا- الحاملين لشهادات عليا ومتوسطة، والمحرومين من فرصة ولوج سوق الشغل، أي فرصة نيل الحق في العيش وحفظ ماء الوجه من ذل السؤال والعيش عالة على عائلاتهم... إن بطالة خريجي الجامعات والمعاهد المغربية تتطلب حلولا وخطة «غير تقليدية»، فغير مقبول أن تختبئ الحكومة خلف شعارات الأزمة الاقتصادية، وعدم ملاءمة سوق الشغل للشواهد المحصل عليها، وعدم تحمل القطاع الخاص لمسؤولياته... الحكومات المتعاقبة على إدارة شؤون البلاد مسؤولة، ونظام التعليم مسؤول، ومناخ الاستثمار مسؤول، وثقافة المجتمع الذي مازال يرى في الإدارة هي المشغل رقم واحد.. مسؤولة... لكن خطورة الأوضاع اليوم تتطلب حلولا استعجالية، تماما كما يحدث عندما تقع حادثة سير خطيرة ويصاب السائق بجروح، تقتضي نقله على وجه السرعة إلى المستعجلات، وعدم الانشغال بظروف الحادثة ومسؤولية السائق وحالة العربة الميكانيكية... الدم ينزف، وعلى الحكومة أن تمتلك الجرأة والإرادة والخيال والاستعداد للتضحية من أجل إنقاذ أرواح لا تطلب أكثر من قطعة صغيرة من الكرامة تحت سماء الوطن. كيف سينظر أطفالنا إلى مستقبل المغرب وهم يشاهدون مغاربة يحرقون أبدانهم طلبا للشغل... حتما سيرون الوطن جحيما كبيرا لا يعدهم سوى بالعذاب الأليم... أنقذوا الأمل في النفوس، فليس أخطر على بلاد تحرق فيها النفوس من شدة الذل...