هل يجرؤ أي مسؤول مغربي على ولوج مقهى في أحد الأحياء الشعبية ومنع مواطن من التدخين، مع التلويح أمام عينيه بالقانون رقم 15-91، وهو القانون الذي صدر في أبريل من سنة 1991 والمتعلق بمنع التدخين والدعاية للتبغ في بعض الأماكن العمومية. المغرب اعتمد هذا القانون منذ سنوات وتم التهليل له بالرغم من أن الكل يعلم، وعلى رأسهم المسؤولون، أن هذا القرار حبر على ورق. والدليل على ذلك أن دولا أخرى، مثل فرنسا وتركيا، تبنت القرار بعد المغرب بسنوات وطبقته بحذافيره وبدأت بإنزال العقوبات على مخالفيه. وزير الاتصال، خالد الناصري، وبعد هجومه على قناة «الجزيرة» يوم الثلاثاء أمام مجلس المستشارين، عاد يوم أول أمس الأربعاء أمام مجلس النواب وهذه المرة لشن هجوم آخر على مقاهي الشيشة، حيث تلا جوابا، بالنيابة عن وزير الداخلية الطيب الشرقاوي، عن سؤال لنائب من حزب العدالة والتنمية، وقد دل جواب الوزير على أن هناك مسافة كبيرة بين خطاب المسؤولين والواقع اليومي للمغاربة، فالجواب يتحدث عن فتح مبين هو توقيف 667 شخصا وحجز 783 نرجيلة وإغلاق 241 مقهى خلال سنة 2009، قبل أن تعرف هذه الأرقام انخفاضا كبيرا في السنة الحالية، حيث إن نصفها الأول سجل فقط إيقاف 70 شخصا وحجز 46 نرجيلة. ورد الوزير سبب هذا التراجع إلى الحملات التي أعطت أكلها، وهي خلاصة يمكن إدراجها في باب «الغرابة»، إذا علمنا أن مقهى متوسطا يملك ما بين 20 و30 نرجيلة، كما أن الأشخاص الموقفين غالبا ما يتم إطلاق سراحهم بنسبة 90 في المائة. جواب الوزير من شأنه أن يبث الفرح في نفوس أصحاب مقاهي الشيشة، فهو أكبر دليل على أنهم أصبحوا في مأمن، فالمسؤولون المغاربة أعطوا الدليل من جديد على أنهم بعيدون كليا عن الواقع، فحرب الشيشة تفاصيلها عديدة ومعاركها معقدة وأسرارها لا يلمسها إلا من ينزل إلى الساحة لمعاينتها عن قرب. أما الاستفهامات التي تطرحها فإيجاد جواب عنها يستلزم الكثير من الجهد، وعلى رأس هذه الأسئلة: لماذا تقوم الدولة بمنع مادة تبيعها بطريقة قانونية في محلات بيع التبغ وعليها دمغة الجمارك؟ أما تكييف القضية في إطار محاربة الدعارة، فهذه الأخيرة لا توجد فقط في مقاهي الشيشة وهناك أماكن أخرى تمارس فيها بمستويات أكبر. فالوزارة التي تتحدث عن منع تدخين الشيشة في المقاهي والمطاعم تحت طائلة الإغلاق، ربما لا تعلم أن إغلاق مقهى لا ينتج عنه إلا فتح مقهى آخر، كما يحدث مثلا في مدينة البيضاء بعد إغلاق مقاهي عمالة عين الشق، فتحول المستثمرون في الميدان إلى فتح مقاهي في سيدي عثمان. وربما ما لا يعرفه كذلك المسؤولون هو أن قرار منع الشيشة ليس قرارا وطنيا، فهي ممنوعة في عين الشق بالدار البيضاء وبمجرد تجاوز شارع مديونة تصبح مباحة في سيدي عثمان، دون نسيان الحرب التي دارت رحاها في فاس بين العمالة والبلدية، فهذه تجمع قارورات النرجيلة والأخرى تردها إلى أصحابها، كما أن عمالة بنمسيك بالبيضاء عرفت قبل سنوات حادثا غريبا تمثل في إقفال مقاه للشيشة في شارع وعدم تطبيق نفس القرار على مقاه توجد في نفس الشارع، قبل أن يتبين أن المقهى الذي بقي مفتوحا يجلس فيه مسؤول مهم في العمالة. أما عن التصرفات المخلة بالآداب في مقاهي الشيشة، فإن المسؤولين الذين يتحدثون عن المنع في الواقع توصلوا إلى تراض مع أصحاب المقاهي عن طريق الاكتفاء بتعليق لافتة «ممنوع على أقل من 18 سنة»، حيث أصبح من المألوف قدوم رجال الشرطة ودخولهم إلى المقهى ومراقبتهم لبطاقات الهوية قبل الانصراف، دون نسيان توصل صاحب المقهى بمكالمة هاتفية من «فاعل خير» تطلب منه إخلاء المكان من الممنوعات قبل قدوم أصحاب الحال.