يعيش السجن المركزي حالة استنفار قصوى بعد إحباط محاولة فرار عشرة سجناء صباح أول أمس، وشرعت مندوبية السجون في سلسلة من التحقيقات وسط موظفيها المكلفين بالحراسة. وعلمت "أخبار اليوم" أن حفيظ بنهاشم، المندوب العام لإدارة السجون، حقق بنفسه مع الحراس الذين كانوا مكلفين بالحراسة الليلية قبيل الحادث، حيث حاسبهم على عدم تطبيق دورية المندوبية التي تحث الحراس على مراقبة زنازين سجناء السلفية الجهادية يوميا. وتوقعت مصادر أن يتم اتخاذ إجراءات عقابية في حق عدد من الحراس، وفي حق رئيس فرقة الحراسة الليلية في الجناح (ج)، الذي تمت منه محاولة الفرار. كما لم تستبعد المصادر اتخاذ إجراءات ضد مدير السجن حسن هوزان، الذي كان بنهاشم قد استقدمه من سجن "أوطيطا 2" ليعوض المدير السابق بوشعيب المهاجر، الذي تم في عهده ما عرف بالفرار الكبير لتسعة من سجناء السلفية الجهادية سنة 2008. من جهة أخرى، لاحظ متتبعون لأحوال سجناء السلفية أن المجموعة التي نفذت محاولة الفرار، صباح أول أمس الثلاثاء، كانت "تلتزم الصمت ولم يسبق لأعضائها أن خاضوا إضرابات أو اتصلوا بالمنظمات الحقوقية". وقال عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير التي تضم عائلات سجناء السلفية، ل"أخبار اليوم" إن "العشرة الذين حاولوا الفرار كانوا بعيدين عن الأضواء في السجن، وبدوا كأنهم مقتنعين بقدرهم"، "إلا أنهم في الواقع، يضيف مهتاد، كانوا يخططون للهروب". وحول سبب تكرار محاولات الفرار من السجن، قال مهتاد: "جميع السجناء يفكرون كل يوم في الفرار، وبالأخص سجناء السلفية الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا ومظلومين". وتسود مخاوف من نوايا هؤلاء من وراء الفرار، خاصة أن المجموعة التي تم إحباط محاولتها تنتمي إلى متشددين اتهموا بأعمال قتل، 6 منهم محكومون بالإعدام، حيث تسود المخاوف من لجوء هؤلاء إلى أعمال انتقامية في حالة نجاحهم في الفرار، أو الالتحاق بخلايا القاعدة في المغرب الإسلامي. ويوجد ضمن محاولي الفرار توفيق الحنويشي ومحسن بوعرفة، المحكومان بالإعدام. ويعد الحنويشي أحد أبرز المبحوث عنهم بعد اعتداءات 16 ماي سنة 2003، وقد سقط في عملية مداهمة لبيت في حي عين الشبيك في مكناس، وقتل في المواجهة أحد عناصر الأمن، وأصيب خلالها الحنويشي برصاصة في رجله اليمنى. كما يوجد ضمن محاولي الفرار عبد الملك بوزكارن، المنحدر من دوار السكويلة الهامشي في الدارالبيضاء، والذي كان يمتهن حرفة بيع الخضر بأحد الأسواق الشعبية، والذي حكم عليه بالإعدام بعدما اعتقل بصعوبة بعد إطلاق الرصاص على رجله من طرف الأمن. وتنتمي المجموعة التي حاولت الفرار إلى خلية عبد الوهاب الرباع، الذي وصف بأنه من أخطر العناصر والمحكوم بالإعدام، وهي الخلية التي تورطت في قتل موظف في المحكمة الابتدائية في الناظور وفي الاعتداء بواسطة الأسلحة البيضاء على ضابط الشرطة في مكناس وقتل مواطن آخر بنواحي مكناس، وتبين كذلك بعد سلسلة التحقيقات أن هذه الخلية كانت وراء الجريمة التي ذهب ضحيتها أفرياط إيلي، وهو مغربي من ديانة يهودية. وكان الرباع اعتقل أيضا في مواجهات بالسلاح أصيب خلالها رجل أمن، وجرى ذلك في 2003 بأحد المنازل في منطقة أكوراي، التابعة لمدينة الحاجب، وكانت خليته سعت إلى الحصول على السلاح، إذ دبرت عملية سرقة سبعة رشاشات نارية من نوع كلاشينكوف و15 علبة من الذخيرة الحية في مكناس بالثكنة العسكرية، بمساعدة الجندي يوسف أمني الذي كانت ينتسب إلى الثكنة رقم 15، التابعة للحامية العسكرية لمدينة تازة، والذي أدانته المحكمة العسكرية بعشرين سنة سجنا. وتم اكتشاف محاولة فرار السجناء العشرة على الساعة السادسة من صباح أول أمس، حين كانوا يحاولون تسلّق سور السجن عبر حبل صنعوه من الأغطية وقطع من الثوب. وتم اكتشاف حفرة داخل غرفة أحد السجناء السلفيين الذين حاولوا الفرار، وبالضبط في مكان وجود مرحاض الزنزانة، حيث تبين أن المعتقلين تتبعوا مجاري الصرف الصحي، وهو ما سهّل عليهم عملية الحفر، حيث اتبعوا مسار المجرى المائي فأوصلهم إلى ساحة الفسحة اليومية، ومنها حاولوا تسلّق السور لكنهم وجدوا أنفسهم أمام سور آخر، ولدى تسلقه اكتشفتهم دورية لحراس السجن. وأعاد هذا الحادث إلى الأذهان قصة "الهروب الكبير" الذي نفّذه تسعة من السلفيين الجهاديين سنة 2008، عبر حفرهم نفقا تحت الأرض أوصلهم إلى حديقة المنزل المخصّص لمدير المؤسسة، ومنه تمكّنوا من الفرار، قبل أن يتم إلقاء القبض عليهم بشكل متفرّق. وهو الحادث الذي أعقبه تغيير الوضعية القانونية لمديرية السجون التي كانت تابعة لوزارة العدل، وتم إحداث المندوبية العامة لإدارة السجون، وعيّن على رأسها حفيظ بنهاشم، المدير العام السابق للإدارة العامة للأمن الوطني، في مسعى إلى تشديد المراقبة الأمنية على سجون المملكة ومنع تكرّر عمليات الفرار.