تحدّثت في الجلسة الافتتاحية للملتقى العالمي للتصوّف لهذه السنة عما اعتبرته تغييبا للتصوّف في الساحة الدينية المغربية، ما هي مظاهر هذا التغييب؟ في تلك الكلمة الافتتاحية، أردت أن أشير إلى أهمية التصوّف كمكوّن من مكونات الهوية الدينية والحضارية للمغرب، فبالإضافة إلى الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية هناك التصوّف السني الأخلاقي. وما يلاحظ هو أن التصوف، رغم الجهود المبذولة، مازال لم يُمنح ذلك الدفع والدعامة من أجل إبراز تلك الخصوصية التي يتميّز بها التصوّف المغربي، خصوصا أن جلالة الملك كان قد أشار، في خطابه لذكرى 20 غشت 2001، إلى ضرورة الحفاظ على الإشعاع المغربي على المستوى الروحي والثقافي، وحتى رسالته إلى ملتقى سيدي شيكر كانت تؤكد ذلك. إضافة إلى ذلك، هناك الدور الذي يمكن أن يلعبه التصوّف في الدبلوماسية الموازية، أو ما يسمّى بالدبلوماسية الروحية. وهناك كذلك الدور الذي يمكن أن يلعبه التصوّف في تخليق المجتمع، فالتصوّف لا يريد أن يكون بديلا عن المجتمع المدني، لكنه جزء من هذا المجتمع المدني. فقد لعب التصوّف أدوارا تاريخية في المغرب، من جهاد ومقاومة المستعمر وإنشاء مكتبات وخزانات ما زالت حاضرة إلى اليوم، والدور الفقهي في تعليم القرآن والحديث ودوره في التحكيم بين القبائل... فكان التصوّف يؤطر المجتمع من خلال الأخلاق، أي أخلاق التضامن والجود والإيثار. والمشكل اليوم هو أننا نخلط بين التصوّف الفولكلوري الشعبوي والتصوّف الأخلاقي والسلوكي الذي يمكن للمغرب أن يصدّره كثقافة... - طيّب، ما الذي يمنع برأيك التصوّف من القيام بهذه الأدوار اليوم؟ هناك جهود مبذولة إلى حدّ الآن، لكن على الجميع أن يساهم في إعطاء التصوّف المكانة اللازمة، علما بأن هناك دولا تريد أن تجرّ البساط من تحت أقدام المغرب وتأخذ منه الريادة، بينما نحن نعلم أنه إذا كان المشرق بلاد الأنبياء فإن المغرب بلاد الأولياء. لهذا يجب أن يصبح هذا المكوّن الديني حاضرا بشكل قوي، وعلى الكلّ أن يساهم في ذلك بما فيه الفاعل الحزبي، والذي يمكنه أن يكون صوفيا، ما الذي يمنع؟ لا بدّ أن يكون البعد الروحي حاضرا لدى كلّ منّا، إلى جانب تلبية حاجيات الجسم... - هل لديكم مقترحات عملية؟ ما الذي يجب فعله كي تعود الزوايا إلى لعب أدوارها القديمة؟ أولا، لا يجب الخلط بين الطقوس التي قد يكون فيها جانب من جوانب التصوّف وبين التصوّف الحقيقي، علينا ألا نخلط... - نحن نتكلّم عن التصوّف الحقيقي الخالي من الشوائب نعم، يجب القيام بتوضيح الصورة لدى الناس، من خلال دور الإعلام وسبل الوعظ والإرشاد، يجب أن يكون هذا البعد حاضرا، علينا أن نستحضر مقام الإحسان في كل شؤوننا حتى لا يختلط على الناس ما هو طقوسي بما هو صوفي، فيكون هناك نفور منه. - كانت هناك مبادرة كبرى السنة الماضية، نظّمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهي ملتقى سيدي شيكر العالمي، ألا يمكن أن يمرّ تفعيل دور التصوّف عن طريق هذه المبادرة؟ هذه مبادرة ملكية أتت من أجل أن تكون بداية للالتفات إلى التصوّف ودعمه، وهذا أمر مهمّ ويمكن تطويره.. هو اجتهاد مأجور عليه ويمكن تطويره بأفكار أخرى وبالإنصات إلى الفعاليات الثقافية الأخرى في الزوايا الصوفية، حتى لا نخلط الأمور ونضع الجميع في نفس المستوى، ويجب إعطاء اعتبار أكبر للزوايا التي لها قدرة أكبر على الإقناع والتأطير... - هل نفهم من ذلك إحساسا لدى الزاوية البوتشيشية بالتهميش وعدم إعطائها المكانة التي تتناسب مع حجمها؟ سيدي شيكر مازال في بدايته، نحن في الدورة الثانية، وإذا فُعّلت التوصيات التي خرج بها في دورته الأولى سيكون أمرا جيّدا، لكن يجب ألا ينحصر العمل في سيدي شيكر حتى لا نصبح موسميين. فكما يحضر الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية يجب أن يكون للتصوّف حضور قوي. - من بين ما تتميّز به احتفالاتكم هذه السنة بالمولد النبوي حضور وفد كبير من الأقاليم الصحراوية، ما هو الدور الذي تريدون لعبه في الملفات الوطنية الكبرى مثل ملف الصحراء؟ حبّ الأوطان من الإيمان، هذا أمر أساسي، ونحن نغير على وحدتنا الترابية، وكل ما يتعلّق بالوحدة والسيادة والقضايا الكبرى نريد أن تكون الطريقة البوتشيشية حاضرة فيه، لأن في حضورها تكريسا للمحبّة التي يأتي بها التصوّف والارتباط بالوطن وحفظ المغربي من جميع الأفكار الهدّامة، سواء في علاقته بدينه أو وطنه أو ملكه. - عمليا كيف يمكنكم التأثير في ملف مثل ملف الصحراء؟ إذا جاء أناس من تلك الأقاليم، وارتبطوا بالشيخ وأحبوه وأحبوا هذه الأرض وتعلّقوا بها، فلا يمكن لمن يحبّ أرضا أن يقبل بإثارة الفتن داخلها أو تهديدها. هناك نوع من الدبلوماسية الروحية موازية لما تقوم به وزارة الخارجية والدبلوماسية البرلمانية وغيرها، ونحن نطلب تدعيم هذه الدبلوماسية الروحية. - ما هو شكل هذا الدعم الذي تطلبون؟ ليس ضروريا أن يكون دعما ماديا، بل قد يكون دعما معنويا، لابدّ من الاهتمام بالتصوّف والاقتناع بأن بإمكانه تقديم خدمة للبلاد، وهذا قد يكون بداية طريق النجاح. ثم علينا ألا نأخذ الجانب الروحي على أنه دروشة أو شيء من هذا القبيل، بل نحن نتوفّر على ما يبحث عنه الغرب اليوم، أي الاستقرار الروحي. وهذا ما أصبح جيراننا واعون به وبدؤوا يطبّقونه حتى في تأطير جاليتهم بالخارج، والذين يمكن للتصوّف أن يعطيهم الفهم السليم للإسلام ويحبّوا الجميع... - قلت قبل قليل إن شيئا لا يمنع الفاعل الحزبي من أن يكون متصوّفا، وهناك من ذهب إلى طرح سؤال ما إن كانت الطريقة البوتشيشية ستتحوّل إلى حزب سياسي، ما ردّك على هذا السؤال؟ لا يمكن للتصوّف أن يختلط بالسياسة، لكل دوره الذي يلعبه من أجل رفاهية المجتمع والسلم والسلام. التداخل بين الجانبين سيكون سلبيا برأيي، لكن هذا لا يمنع من أن يكون السياسي أو الحزبي أو ممارس السياسة صوفيا، لأنه إنسان، والإنسان يحتاج إلى التوازن بين الجانبين الروحي والمادي. نحن نساهم في إصلاح الفرد، وهذا الفرد الصالح سيمكنه أن يختار الإنسان المناسب في المكان المناسب، لأننا نزوّده بقيم تساعده على بناء المجتمع. - هل أنتم واعون بأن كل ما تحدّثنا عنه الآن وكل ما قلت إنكم تقومون به أو تسعون إلى القيام به هو عمل سياسي أولا؟ نحن لا نوظَّف، نحن واعون بأن هذا هو دور التصوّف لكننا لا نوظَّف، وإذا كان كل هؤلاء يأتون إلى هنا فإن له بشارات سابقة تؤكد أن هذه الطريقة والتصوّف عموما سيكون له انتشار كبير. وهنا نلمس سرا من أسرار الرسول صلى الله عليه وسلّم، فمحبّته تعلّق القلوب بعضها ببعض... - كل هذا يحتاج إلى سند مادي... بل يحتاج إلى فهم. - وهذا الفهم موجود؟ أنا قلت يحتاج إلى فهم، والفهم نسبي.