عند مدخل المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدارالبيضاء، يوجد رواق به الكثير من اللون الأخضر.. إنه رواق شركة "سابريس" لتوزيع الصحف.. وعلى بعد خطوات تمر سيدة ترتدي لباسا أخضر فاقعا أقوى من أخضر "سابريس".. في الحقيقة إنه لا يتلاءم ولون بشرتها الأبيض الناصع، لكن رغم ذلك يرمقها شاب، غير مغربي على الإطلاق، بنظرة إعجاب ويقول لها بكلمات بلده المتغزلة: "يا أرض احفظي ما عليك".. وعلى بعد خمس خطوات أخرى يظهر اللون الأخضر الفاقع مجددا، لكن هذه المرة في أقوى تجلياته، يصبغ رواقا بأكمله بتلك الخضرة الغريبة.. الرواق يحمل اسم "المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر". وكما يكشف عن ذلك اسم الرواق، فإن كل ما بداخله مخصص لما يسميه الزعيم الليبي معمر القذافي "النظرية العالمية الثالثة"، التي يضمها كتابه، المسمى "الكتاب الأخضر".. إحساس غريب ينتابك وأنت تدخل هذا الرواق الذي تكتسحه الخضرة، بل أكثر من ذلك، فأحد المشرفين على ذلك الرواق كان يرتدي في تلك العشية بذلة خضراء، فيما اعتلت الصور الضخمة للزعيم كل أركان المكان الضيق.. في إحدى الصور يظهر وهو يتأمل خلف نظاراته الشمسية، وفي أخرى وهو يحيي الناس، وفي صورة ثالثة يتوسط الحشود، وهذه الأخيرة ذيلت بتعليق: "ملك القلوب".. ما يجعلك تتخيل للحظة أنك في معرض ب"ابن غازي" من تنظيم وزارة الثقافة الليبية وليس على أرض الدارالبيضاء وفي ضيافة بنسالم حميش. إنه من بين الأروقة القليلة في المعرض الدولي للكتاب والنشر المغربي المخصصة لبيع كتاب واحد فقط.. "الكتاب الأخضر" بطبيعة الحال. "كم ثمن هذا الكتاب من فضلك؟"، يرد صاحب البذلة الخضراء الفاقعة: 20 درهما، إنه ثمن الطبعة التاسعة والعشرين ل"النظرية العالمية الثالثة".. والكتاب مغر في الحقيقة خصوصا عندما تطالع ملخصه على الدفة الأخيرة للنظرية والتي جاء فيها التالي: "ما يميز المفكر معمر القذافي أنه لا يقدم فكره ترفا ومتعة، ولا يقدمه لهواة الصالونات حيث يصبح الفكر ألغازا يتسلى بها الفارغون الذين يقفون على رصيف الحياة"، ويستطرد ملخص نظرية "المفكر" معمر القذافي قائلا: "إن فكر معمر القذافي يفسر الحياة وينبثق من قلبها.. من قلوب المعذبين والمقهورين والحزانى والمحرومين، من قلب الواقع المتنامي المتصارع أبدا بحثا عن الأفضل والأجمل". وفي نهاية، يحيل التلخيص الناشر على تفسيرات نظرية الزعيم بالكلمتين التاليتين: "اقرؤوا الشروح"، وفي أسفل الصفحة: "الثمن (3) دنانير ليبية". "أريد نسخة".. 20 درهما.. "تفضل.. لكن هل أجد لديكم كتبا للمفكر الليبي الآخر، إبراهيم الكوني؟".. "لا، لا هي غير موجودة عندنا ستجدها في المركز الثقافي العربي كاملة، لكن هناك تفسيرات مهمة لدينا لنظرية المفكر القذافي، ستمكنك من فهم النظرية العالمية الثالثة بشكل جيد".. "شكرا لك، لكنني لا أحب التفسيرات كثيرا.. وأريد أن أفهم الأمور ببذل بعض الجهد". انتهى الحوار مع باعة النظرية الخضراء الفاقعة، تحت نظرات معمر القذافي التي تراقب كل جوانب المكان من داخل تلك الصور الضخمة للزعيم الليبي.. حان وقت الخروج من هذا المرج الأخضر، وعلى بعد خطوات، بدأت تظهر ألوان أخرى مختلفة، وأمام رواية "واو الصغرى" لإبراهيم الكوني، في رواق المركز الثقافي العربي، وقف صحافي مغربي من الذين يتابعهم القذافي في المحاكم المغربية بتهمة إهانة "المرج الأخضر" و"النظرية العالمية الثالثة" و"الكتاب الأخضر"، هذا الأخير الذي يصف فيه مؤلفه مفهوم "الديمقراطية" ب"سلطة الشعب".