مشكلة السياسيين في المغرب أنهم لا يعولون على الوفاء بتعهداتهم الانتخابية وبرامجهم السياسية، (إن كانت لهم برامج أساسا) من أجل الوصول إلى أصوات الجماهير وتحقيق الشعبية اللازمة وحيازة أكبر عدد من الأنصار والمتعاطفين في صفوف القاعدة الانتخابية... هذا لأن لديهم زادا من نوع آخر... زاد ينهل من "المقدس"... فالأصالة والمعاصرة يتغذى على رمزية الصداقة التي تجمع بين مؤسسه وعاهل البلاد، وهو ما أسميته في مقال سابق ب«المقدس الدنيوي»، كما يتداعى إلى أذهان المواطنين العاديين... أما أحزاب اليسار التاريخية فتقتات على «المقدس التاريخي»، ولا تكف عن تذكيرنا جميعا، بمناسبة ومن دون مناسبة، بنضالات الماضي وبطولاته الخالدة، وغيرها من شُعَب «الباسي كومبوزي» الشهيرة الخالدة.. وهناك «العدالة والتنمية» الذي يلعب على «المقدس الأخروي»، ولا يكف عن تبشير مناضليه والمتعاطفين معه بالجنة والفردوس، ولا يفَوِّت فرصة لخوض حروب «دونكيشوطية» ضد طواحين الأخلاق، ومعارك التقليد والهوية... ثم هناك أخيرا «المقدس الاقتصادي» الذي تنهل منه باقي الأحزاب عن طريق سلطتي المال والأعمال والأعيان، وهو المعين الذي يتزود منه الجميع، ولو بمستويات مختلفة تكفي للعب «العشرة والشرويطة» على بعضهم البعض، في هذا الصدد، كلما دعت الضرورة الانتخابية إلى ذلك.... لقد وجدتني مضطرا إلى الضحك بسخرية مريرة لما اطلعت على فحوى كلمة بنكيران، في إطار أشغال الدورة العادية للمجلس الوطني للعدالة والتنمية، واعتقدت للوهلة الأولى أن الأمر يتعلق باجتماع تحت سقيفة «بني ساعدة» يخاطب فيه أمير «الأوس» أو «الخزرج» حشدا من المناضلين المؤمنين ويبشرهم بالجنة، خصوصا لما قال بنكيران، وبإيمان خاشع: "..المرجعية الإسلامية تجعل من السياسة مجالا عظيما من مجالات العبودية لله، والتقرب إليه... مبنيا على مراقبة الله واليقين بالحساب بين يديه لتكون العاقبة إن شاء الله جنة عرضها السموات والأرض".... يا سلام... بارك الله لك في إيمانك يا أخي، ولعلي إن شاء الله تائب ومتعظ وتارك، لا محالة، للعمود والرأي وعالم الصحافة، لأرتمي إن شاء الله راضيا مرضيا في أحضان السياسة مادامت قد صارت، على أيديكم، مدخلا إلى الجنة بإذن الله... ومدخلا عظيما إلى الجزاء في الآخرة... ونعم المسير... عموما، قد يكون حزب العدالة والتنمية هو الأقل سوءا داخل مشهدنا السياسي الوطني، وهذا حكم قيمة أعترف بأني لا أجد له مبررا موضوعيا، ولكن مشكلة هذا الحزب العظمى تتمثل في لعبه على الوتر الحساس لكل المغاربة، وهو الدين والأخلاق... وهنا يكمن الخطأ لأن السياسة لا تعمل وفق الضمائر، بل وفق المصالح، وليس الدين من يُطَهِّر السياسة، بل السياسة هي التي تدنِّس الدين... وفي اللحظة التي يسوق فيها السياسي خطابا دينيا ويلبس أفعاله السياسية وقراراته الدنيوية لبوسا تقويا (من التقوى) فهو يهدف بالأساس إلى رسم صورة نقية طاهرة مقدسة عن الذات أمام الآخر، أي المواطن... ذلك أن كل منافح عن الأخلاق الكريمة الفاضلة هو كائن متخلق بالضرورة، بل كائن ملائكي لا يمكن أن يقول القول ويؤتي نقيضه... (هكذا بالفعل تترسخ الصورة في عقلية المواطن البسيط)... بينما الحقيقة تقول إننا جميعا بشر نمارس في السر ما لا نظهر في العلن، ونقول ما لا نفعل، وندّعي عكس ما نضمر.. وانطلاقا من حقيقة الكائن البشري، وتعدد أقنعته السياسية (أي الدنيوية)، فلا أعتقد أن هناك فرقا بين مناضلي «الحزب الإسلامي» ونظرائهم في باقي الحوانيت السياسية الأخرى، اللهم من تلك اللحية الخفيفة، وبضع عبارات من "البسملة السياسية" و"الحوقلة الانتخابية" اللازمة...