في إطار مساعيها لتنوير الرأي العام المحلي والوطني حول حالة المسجد الأعظم بمدينة تارودانت وفي إطار المساعي الهادفة إلى الحفاظ على الذاكرة والمعالم التاريخية والحضارية المغربية وتنوعها الثقافي والجمالي – وحماية الموروث الطبيعي والثقافي والتراث المادي والشفاهي الأمازيغي المغربي بسوس ماسة درعة، وانسجاما مع أهدافها العامة، قامت لجنة فنية وتقنية لجمعية بييزاج تضم أساتذة الفن التشكيلي ومهندس معماري وباحثين في الفن الإسلامي المغربي، بزيارة ميدانية يوم الجمعة 09 ماي 2013إلى المسجد الأعظم وذلك رفقة رئيس بلدية تارودانت السيد: مصطفى المتوكل ولجنة تقنية عن جماعة تارودانت، للاطلاع على الأضرار التي خلفها الحريق الذي شب في أطراف عديدة بهذه المعلمة التاريخية الكبيرة بتاريخها وهندستها وأمجادها بالمغرب، وقد قدم السيد رئيس بلدية تارودانت للجنة نبذة تاريخية عن هذه المعلمة،ومراحل ترميميها التاريخية، وكذلك ظروف ووقائع الحريق الذي أتى على أطراف مهمة جدا من هذه المعلمة الوطنية والإنسانية الكبرى ، ومن خلال المعاينة بعين المكان فالجمعية تنوه بدور السلطات المنتخبة والسلطات المحلية ورجال الشرطة والقوات المساعدة بتارودانت التي تفرض الآن طوقا على المكان حماية له. وقد تبين للجنة الفنية والتقنية أن شكل المسجد بني بنفس الطريقة التي بنى بها الرسول (ص) أول مسجد في الإسلام، وعليه سارت باقي مساجد العالم الإسلامي وهو يشبه إلى حد كبير (مسجد دمشق) أول مسجد كبير في التاريخ الإسلامي للعصر الأموي، ويشبه مسجد الكتبية بمراكش، والقرويين بفاس، كل ذلك في الشكل الهندسي العام، وهذا دليل على حفاظ المساجد التاريخية المغربية على السمة الأساس لفنون العمارة الإسلامية مع خصوصيات مغربية في شكل الصوامع ذات القاعدة المربعة، وأساليب متنوعة ورائدة في مجال فنون الزخرفة النباتية والهندسية والخط المغربي الأصيل المستعمل في الكتابة على الجبص والخشب والزليج في أحيان أخرى، والتنويع الكبير في المواد المستعملة من جبص – وزليج أصيل – وخشب ( العرعار) الذي يمنح للمكان نسمة خاصة، وفوانيس نحاسية معلقة في أطراف الباحة الكبرى والممرات مزينة بأسلوب زخرفي نباتية مغربي عريق، وكذلك خصوصيات جدران المسجد السميكة المبنية بطريقة (اللوح) والمدعمة بقطع الحصى الصغير والخشب الصغير في الأسقف، وهناك كذلك الباحة الكبيرة بوسط المسجد التي تغطي أرضيتها زخرفة هندسية وفسيفساء مغربية تتمركز حول نافورة من الرخام، وهي فلسفة فنية وروحية لها باع طويل في الفنون الزخرفية الإسلامية العريقة، التي تتمركز حول نقطة كشكل المصلين الدائري حول الكعبة المشرفة ومنها حول الله عز وجل، وقد تعرضت هذه الارضية لشقوق نظرا لقوة الحريق التي شكلت ضغطا على المكان بحيث أدت إلى ذوبان الزجاج وفوانيس النحاس مما يعني أن شدة الحريق تجاوزت 1400 درجة. لقد وقفت الجمعية على حجم الأضرار الكبيرة والتي خلفها الحريق، حيث أتى على أجزاء جد مهمة بالمحراب والقبة العلوية والأقواس والألواح والخشب المنمق بالزخارف النباتية ذات الطابع المغربي الأصيل (الخشب المزوق) والذي كان يغطي جميع السقوف المدعمة في إطار الترميمات السابقة بالاسمنت، وهذا الحريق أتى على جميع الأسقف الخشبية دون استثناء وحولها إلى رماد نفس الشيء ينطبق على الزرابي، وقد تضررت زخارف الأقواس الجبصية بشكل كبير، والتي كانت تكسو الأحجار والطين المثبتة للأقواس بالعديد من الأجزاء التي تعتبر أصيلة وعريقة كما صرح بذلك رئيس بلدية تارودانت، ويعتبر الفضاء المجاور للمحراب والمنبر الأكثر تعرضا للدمار حيث انهارت الأسقف وهوت الأقواس و الأسوار أرضا بشكل كامل، بينما لا تزال بعض الجدران الخارجية مثبتة بواسطة دعائم ومحاطة بحراسة أمنية مشددة لأنها تشكل خطرا على المارة، ويجب هدمها في أقرب وقت بعد منع المرور بهذا الطريق كما أوصى بذلك مهندس الجمعية السيد: يونس أوبلقاسم، ولا تزال بالمسجد عينات من الزخارف بجوار المحراب والمنبر وبعض الأعمدة والأقواس يمكن استعمال هذه المفردات والعناصر الزخرفية كمراجع في إعادة البناء والترميم الذي يجب أن يحتفظ بخصوصيات التقليدية في المواد والأشكال والألوان كما أوصت بذلك اللجنة التقنية والفنية للجمعية، ولم يسلم من النار إلا الكتاب القرآني ومراحيض المسجد بينما اكتشفت الجمعية وجود عجلات مطاطية مثبتة كحواجز بالمكان المخصص للنساء، وهو ما استغربت وجوده بالمسجد ويمكن لوحده أن يشكل خطرا في اشتداد قوة الحريق الذي شب انطلاقا من هذه المنطقة بالذات. وقد احترقت العديد من المصاحف التي دعت الجمعية إلى جمعها وحرقها جميعا لحفظ كلام الله عز وجل، وقد تبين أن المسجد يمكن أن يعود إلى حالته الطبيعية وأحسن، ويمكن أن يمارس دوره الديني والروحي نظرا لان هناك أجزاء مثنية صمدت في وجه هذه الدمار منها العديد من الأقواس بالجهة الغربية والشرقية للمسجد وكذلك الصومعة الشامخة شموخ سواعد أجدادنا وتاريخنا وحضارتنا المغربية الأصيلة والعريقة، والتي ستستمر في التاريخ والجغرافيا مستقبلا بحيث لا خوف على هذه المعلمة وباقي المعالم الحضارية والتاريخية العريقة بسوس والمغرب والتي ندعو من خلال هذا التقرير إلى الوقوف على حالتها الهندسية والتقنية لأجل القيام بالترميمات والإصلاحات الواجبة تجنبا لمثل حريق المسجد الأعظم بتارودانت كما ان الجمعية لن تتدخر جهدا في المساعدة وتتبع ومعاينة اشغال ترميم هذه المعلمة الوطنية بتعاون مع الجهات المختصة والمؤسسة المنتخبة .