عندما حصلت على الإجازة العليا في الشريعة صيف 2006 فرحت فرحا شديدا و ظننت أن الدنيا فتحت لي ذراعيها و أنني خلال بضعة أيام أو شهور سأصير موظفا في إحدى القطاعات الحكومية و سرحت بفكري في المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى و مرت الأيام والأيام إلى أن اضطرتني الظروف إلى انجاز بعض الوثائق الإدارية . عندئذ سألني الموظف عن مهنتي اضطربت دورتي الدموية و توقف تفكيري لبرهة و أجبته بعد أن تصبب العرق من جبيني ” معطل ” فأجابني أن هذه ليست مهنة فابحث لك عن مهنة أخرى فكرت و فكرت ثم قررت ” بدون ” فأجاب : سأسجلك في زمرة المياومين و اقسم أنني حينها لم أدرك لفظها فكيف لي بادراك معناها تظاهرت بالفهم و مضيت و مع الأيام تبين لي ان مياوم هي ” ان يكون الرجل مثل الغيث أينما وقع نفع” ثم مع مرور الأيام تبخرت الأحلام و بدأت تتلاشى و بدأ اليقين يسلك طريقه إلى قلبي و وجداني بأن الرجل الحقيقي هو الذي لا يستنكف عن ممارسة أي عمل مشروع يدر عليه رزقا حلالا . و اخترت من بين المهن كلها” التجارة ” لورود الأحاديث الكثيرة في فضلها و تفضيلها على الإجارة و نظرا لقلة ذات اليد و تواضع الإمكانات المادية كانت التجارة على الرصيف أو ” تافراشت” أو “بائع متجول” اقرب إلى جيبي لكونها لا تتطلب ” رأسمال” كبير بل تحتاج إلى “الجبهة العريضة” أو الجرأة و القدرة على المواجهة و طبعا لم تكن تنقصني الجرأة ولا القدرة على المواجهة و أنا الذي قضيت أزيد من سبع سنوات من النضال أثناء دراستي بالثانوي و بالجامعة لكن جرأة النضال و الخطابة ليست كجرأة المواجهة مع الباعة و المشترين و الصياح من اجل التسويق للمنتوج الذي بين يدي زد على ذلك أن المجتمع اعتاد ان ينظر إلى و أنا حاملا محفظتي الصغيرة مرتديا هندامي الأنيق و ينادونني بالأستاذ . لكنه اليوم ينظر إلي نظرة رحمة و شفقة على حالي البئيس . و مما زاد من معاناة هذا الفرّاش المعطل المسكين انه دائما مطارد أينما حل و ارتحل لأنه “يشوه سمعة المغرب ” و “يقضي على جمالية المدينة” لأن “تفرّاشت مظهر غير حضاري ” و أن الدولة لا تستفيد من مهنة تافراشت و غيرها من المبررات التي تبدو واقعية لكن الواقع أكبر من ذلك فلو وجد الشباب مهنا مدرة للدخل أفضل لما لجئوا إلى الرصيف . و حتى القطاع الخاص أو ” القطّاع الخواص ” لا يحترمون الحد الأدنى للأجور و لا شروط السلامة و لا ساعات العمل القانونية – إلا من رحم ربك- و مما ينبغي التنبيه عليه هنا أن السلطات المحلية ملزمة بإتباع سياسة اجتماعية تتمثل في إدماج فئة الباعة المتجولين ” الفرّاشة” ضمن البرامج التنموية – بناء و تجهيز فضاءات قارة بالوسطين القروي و الحضري و ذلك من الإعتمادات المخصصة في برنامجي محاربة الفقر في الوسط الحضري ومحاربة الفقر في الوسط القروي و تمكين الباعة المتجولين المنضوين في إطار جمعيات من تسيير هذه الفضاءات بناء على اتفاقية مكتوبة و تشغيل أصحاب الشهادات منهم- و هم كثر- في القطاعات الحكومية و الابتعاد عن المقاربات الأمنية التي لم تزد المغرب إلا تخلفا