كما وعد بذلك الفرنسيين أثناء الحملة الانتخابية فقد قرر الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند تقليص راتبه الشهري بنسبة 30 ٪ وأصبح نفس القرار ساريا المفعول على مجموع الوزراء الأعضاء في الحكومة الفرنسية الجديدة. وهكذا تنزل أجرة رئيس دولة فرنسا من 19 إلى ما بين 13 أو 14 ألف “أورو”، في حين أن الراتب الشهري الذي يتقاضاه المديرون المركزيون في بعض الوزارات يرتفع إلى العشرين ألف “أورو”، أما إذا غادر موظفون سامون القطاع العام ليعملوا في شركات أو مؤسسات غير حكومية فيمكن أن تكون عائداتهم المالية مضاعفة عدة مرات، من حيث الأجور والتعويضات ومختلف العلاوات. الحملة ضد الأجور المرتفعة في فرنسا انخرطت فيها عدة أطراف في القطاع العام أو القطاع الخاص، على أساس أن لا حق لأكبر مسؤول في مؤسسة بأن يتقاضى أجرا يفوق عشرين مرة صغار العاملين في نفس المؤسسة. وصادفت بداية هذه الحملة الوضعية الخانقة التي تواجهها العديد من المؤسسات بفعل الأزمة الاقتصادية، وحتى أن شركة «إير فرانس» مطالبة بإلغاء آلاف مناصب الشغل. وشركة «إير فرانس» بالذات، استغنت منذ شهور عن مديرها ومنحته تعويضات مالية مبلغها 40 مليون “أورو”، وفي اجتماع عقدته هيئة المساهمين في شركة «إير فرانس» اتفقت الحكومة باعتبارها مساهمة بنسبة 51 ٪ في رأس مال «إير فرانس» مع أغلبية المساهمين على توجيه طلب إلى المدير العام السابق لإعادة هذا المبلغ إلى حساب الشركة. هذا التوجه لحكومة اليسار يحظى بتأييد شعبي كبير، وستكون له انعكاسات إيجابية في الانتخابات التشريعية المقبلة. وبعد الانتخابات المقبلة فقط سيعرف فرانسوا هولاند ما إذا كانت الهيئة الناخبة ستمنح له أغلبية برلمانية كفيلة بجعله يطبق برنامجه السياسي والاقتصادي لإخراج فرنسا من أزمتها. خصوم اليسار يقولون بأن تشدد الحكومة مع كبار المسؤولين في مؤسسات القطاع العام أو الشركات الحرة، من شأنه أن يجعل فرنسا تتعرض لهجرة الأدمغة وهروب الكفاءات للعمل في أمريكا أو كندا أو أستراليا أو زيلاندا الجديدة. أما فرض المزيد من الضرائب على من يحصلون على دخل مرتفع فسيدفع أثرياء فرنسا إلى الاستقرار في سويسرا أو في أي دولة كبيرة أو صغيرة تستضيف من يرغبون في الاستفادة من التسهيلات الجبائية. وهكذا يحاول اليمين الفرنسي رسم صورة سوداء لما ستكون عليه الأوضاع المالية والاقتصادية في حالة تطبيق البرامج التي جاء الاشتراكيون إلى الحكم لتنفيذها. وبكل هدوء يرد أصدقاء فرانسوا هولاند على ذلك بأنهم يعتمدون على تعلق الفرنسيين بالقيم الأخلاقية للمواطنين لتحمل ما تتطلبه هذه المرحلة الصعبة من تضامن وطني لإخراج فرنسا من أزماتها. كل هذا يدل على مدى المسؤولية الجسيمة التي تنتظر الاشتراكيين وقوى اليسار في حالة الفوز في الانتخابات البرلمانية. [Bookmark and Share]