يحكى أن الآشوريين كانوا يقومون بقطع ألسن معارضيهم ويرمون بها إلى القطط التي تأكلها، وبذلك يفقد المعارضون أهم سلاح للخطابة، ذاك الذي يشحذون به حماس أنصارهم. منذ ذلك الوقت تستعمل هذه القصة بشكل مجازي ويضرب بها المثل في حق الشخص الذي لا يقوى على الكلام. لكننا في المغرب نحمد الله على النعمة التي منحنا منذ انتخابات العام الماضي، فقبل هذا التاريخ كنا نحلم فقط بسماع صوت الوزير الأول ونبحث عن تصريحاته في كل وسائل الإعلام دون جدوى، وكان «الله يذكرو بخير» كلما تحدث -وهي لحظات نادرة- إلا كانت فلتات لسانه هي العناوين البارزة في الصحافة. أشهد اليوم أن التغيير الوحيد الذي أشعر به شخصيا هو أن الله ثم صناديق الاقتراع ثم الدستور قد منحونا رئيس حكومة مهدار وعلى حد قول المغاربة فإن «اللسان ما فيه عظم»، وهذه علامات على ما نعيشه من ديموقراطية. لكن، فجأة غاب لسان رئيس الحكومة وغاب الناطق بلسانها وبلع كل المسؤولين والوزراء ألسنهم، حتى وقعت الواقعة، وباتت محطات الوقود ليلة الجمعة في شأن لتصبح في شأن آخر. الحكومة التي نعاتبها وننتقدها في كل شيء لكن نشيد بقدرتها الكبيرة على التواصل مع المواطنين وبلغتهم، أكلت القطة لسانها، ولم تستطع أن تتواصل مع الناس لتخبرهم بأن هناك زيادة قادمة في الوقود، واختارت أن تضعهم أمام الأمر الواقع وكأن الموضوع لا يهمهم ولايعنيهم، بل إن بعض المواطنين فوجئوا بسائقي سيارات الأجرة الكبيرة يطالبون بالمزيد من الدراهم، وعندما احتج الركاب واستفسروا السائق أجابهم «اسألوا أولئك الذين صوتم عليهم خلال الانتخابات»!! في أول قرار يهم المواطنين فشلت الحكومة في التواصل معهم وانتظرت إلى حين تطبيق قرار الزيادة في الوقود ليخرج الناطق باسمها ويعلن أنه «قرار شجاع»(!) ويقول آخر (نجيب بوليف) بأنها زيادة «لا تستهدف الفئة الفقيرة»(!) وهو ما سيدفع الباحثين وعلماء الاجتماع والاقتصاد مستقبلا في إعادة النظر في مفهوم «الفئة الفقيرة» وهي حسب ما فهمنا من كلام الوزير تلك الفئة التي تعيش في الكهوف، منقطعة عن العالم ولا تستعمل وسائل النقل من طاكسيات وحافلات ولا يصلها تموين الخضر والمواد الاستهلاكية عبر الشاحنات بل تصطاد الوحيش في الغابة وتقتات على الأعشاب. ولله في خلقه شؤون!