طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    جمعية المحامين ترحب بالوساطة للحوار‬    حموشي يخاطب مجتمع "أنتربول" بالعربية    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    النصيري يزور شباك ألكمار الهولندي    المدير العام لإدارة السجون يلوح بالاستقالة بعد "إهانته" في اجتماع بالبرلمان    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    الموقف العقلاني والعدمي لطلبة الطب    المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    المنصوري تكشف عن برنامج خماسي جديد للقضاء على السكن الصفيحي وتحسين ظروف آلاف الأسر    مجلس الجالية يشيد بقرار الملك إحداث تحول جديد في تدبير شؤون الجالية    حموشي يترأس وفد المغرب في الجمعية العامة للأنتربول بغلاسكو    إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"        هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصيلة حكومة عباس : المغرب يتراجع للرتبة 130 في سلم التنمية البشرية.
نشر في ناظور24 يوم 23 - 11 - 2011

ناظور 24 : ميكرونيوز من هولندا
عدسة : طارق الشامي
للمزيد من الأخبار الوطنية إظغط هنا http://micronews.ma
لقد كشف التقرير السنوي الاخير حول التنمية البشرية الصادر عن مكتب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ، والذيصنف المغرب في المرتبة 130 بين 181 دولة شملها التقرير عن السنة الحالية 2011، عن تراجع كبير عن السنة الماضية ب16 درجة حيث كان يحتل سنة 2010 المرتبة 114 ، متأخرا عن مجموعة من الدول العربية والإفريقية والأسيوية: تركيا المرتبة 92، لبنان 71، إيران 88، الأردن 95، تونس 94، الجزائر 96، سوريا 119، ليبيا 64، فيتنام 128، مصر 113... مما يدل عن الأزمة التي يمر بها المغرب على مستوى التنمية ، وحجم التخبطات اللتي يتعرض لها ، ويكشف عن العشوائية ، وسوء التدبير الذي يسم تصرفات الحكومات المتعاقبة على حكمه، ففي حين كان المغاربة في إنتظار الأحسن تقهقرو إلى الأسوء ، وقد ساهم في هذه العشوائية الأحزاب السياسية الكارتونية اللذين لاهم لهم إلا الغنائم والمصالح الشخصية والفئوية الضيقة على حساب عذابات الطبقة الكادحة واللتي أظهر التقرير زيادة حجم معاناتهم حيث أظهر أن السكان المهددون بغول الفقر وصل 12.3% ناهيك عن اللذين باتوا يكتوون بالفقر المذقع إذ بلغت نسبتهم 3.3% والرقم مرشح للزيادة .
فقد أصبحت هذه التقارير، بما تكشفه من تقدم أو تراجع في سلم التنمية البشرية، بالاعتماد على مؤشرات اجتماعية واقتصادية،تلعب دورا هاما في مراقبة عمل الحكومات وأدائها تثير المسؤولية السياسية للحكومات والأنظمة في المجالات ذات الصلة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لعموم المواطنات والمواطنين؛ وذلك في حالة تراجعها في الترتيب العالمي للدول في مجال التنمية البشرية.
إن أهمية هذه التقارير، تتجلى في الحقائق الموضوعية التي توفرها للمعارضة السياسية والمدنية والحقوقية، لتحميل مدبري الشأن العام مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بسبب سوء تدبير التنمية بشكل عام.
وقد أدى وعي الحكومة المغربية وصناع القرار بمدى إمكانية إثارة الرأي العام ضدها (الحكومة)، بسبب المكانة المتأخرة للمغرب في تقرير التنمية البشرية، إلى استباق صدور تقرير سنة 2011، ومحاولة الهاء الرأي العام بنقاش هامشي يحوم حول مضمون هذا التقرير قصد الحيلولة دون التدقيق في المعطيات الهامة التي يتضمنها، لأنها تعكس حجم تراجع وتخلف المغرب في مجال التنمية البشرية مقارنة ببعض الدول ذات نفس الإمكانيات التي يتوفر عليها المغرب.
إن هذا السلوك الاستباقي للحكومة لتهيئ الرأي العام لتقبل التصنيف الكارثي للمغرب في تقرير التنمية البشرية، في الرتبة 130 عالميا، هي التي تجعلنا نتساءل: ماهي مصداقية تعاليق الحكومة المغربية على تقارير التنمية البشرية؟ وما الغاية من ذلك؟ وماهي الأسباب الحقيقية التي تفسر تخلف المغرب في مجال التنمية البشرية؟
طبعا موقف الحكومة ليس مفاجئا فقد أدمنت لغة الخشب، و بدل أن تعترف بفشلها الذريع في حل المشاكل المستعصية في مختلف المجالات، ها هي تقدم نفسها للرأي العام الوطني في ثوب المظلوم، حينما تعتبر أن الأرقام الواردة في التقرير" لا تعكس المجهودات التي بذلتها للإستجابة لمطالب المواطنين". لكن الرد الحكومي على التقرير لا معنى له و لا يمكن أن ينطلي على أحد..
المشكل الاساسي يكمن في نوعية الاستراتيجيات وسياسات التنمية التي نضعها ومدى ملاءمتها لمتطلبات الواقع ومدى قدرتها على التكيف مع الطوارئ أو التغيرات. رغم شعارات التشاركية ورغم الدراسات القبلية العديدة، فإن الفرضيات الاساسية التي تحكمها تبقى بعيدة عن الاستجابة للحاجيات ومدى تحقق الغايات المرجوة منها، أي التغيير والحد من فقر الساكنة ومعاناتها.
غالبا ما يتم طهي هذه السياسات في مكاتب مكيفة في الرباط أو غيرها من المدن الكبرى من طرف موظفين وخبراء لهم فكرتهم الخاصة عن الواقع دون اكتراث بأمور أساسية ضرورية لكل سياسة تتطلب النجاعة والفعالية وهي: مدى قابليتها للانجاز، مدى تجاوبها مع حاجيات المستفيدات والمستفيدين المباشرين، وجود فاعلين على المستوى المحلي يحملون مشعل التغيير والانجاز. وجود محيط قابل للفعل فيه وغير ملغوم بعوائق قاتلة، وجود من يضمن الاستدامة للإنجاز سواء من الناحية المالية أو التدبيرية، أغلب سياساتنا في مجالات الماء والتنمية القروية ومحاربة الفقر ومحو الأمية والحفاظ على البيئة والولوج الى المرافق الصحية والطرق القروية والولوج الى الطاقة تبقى فوقية تشوبها مركزية مفرطة وتسيير اداري بيروقراطي وتأتي دائما متأخرة عن وقتها، حيث إن الدراسات التي تبنى عليها يصيبها التقادم بعد مرور ثلاث أو أربع سنوات، لأن الواقع المغربي اصبح يتغير بسرعة لا تتجاوب معها السياسات العمومية بالنجاعة الكافية.
أضف الى هذا أن أغلب السياسات العمومية تبنى على فرضيات خاطئة أو ناقصة نظرا لعدم وفرة معطيات دقيقة كمية ونوعية حول الواقع، خصوصا على المستوى الميكروترابي.
فبعد أكثر من 4 عقود من الخطابات التنموية وصلنا في نهاية المطاف إلى حصيلة سلبية، وضعية إفلاس بامتياز، فالاقتصاد الوطني أضحى فريسة للمديونية وللشركات متعددة الجنسيات، أما الممتلكات الوطنية التي تكونت من مال الشعب، فقد تم تفويتها عبر الخوصصة للرأسمال الأجنبي، هذا في وقت ظلت فيه الأسعار تزداد ارتفاعا والضرائب المباشرة وغير المباشرة تثقل كاهل المقاولات المتوسطة والصغرى وأوسع ساكنة المغرب واستمر مستوى المعيشة في التدني، وظلت شرائح قليلة محظوظة تزداد بذخا وغنى وشراسة في الاستهلاك.
ورغم الحديث عن الأزمة وجملة من المعضلات والمشاكل، لم تحضر الشجاعة الكافية للاعتراف بأن ما آلت إليه البلاد ما هو في واقع الأمر إلا نتيجة طبيعية لجملة من الاختيارات تم التصفيق لها بالأمس البعيد والقريب ولجملة من التدابير أدت في نهاية المطاف إلى إضعاف الاقتصاد الوطني وجعله على شفا الإفلاس وإلى المزيد من تردي أوضاع أغلب فئات الشعب المغربي.
إن تشجيع خوصصة قطاع التعليم وقطاع الصحة عرض المواطنين إلى المزيد من الأخطار، لاسيما وأن الخوصصة حولت جملة من القطاعات، خصوصا الاجتماعية منها، إلى قطاعات خدمات تشكل وسيلة للإثراء السريع على حساب صحة وحياة المواطنين، إضافة للارتفاع الكبير لأثمنة الأدوية التي فاقت قدرات المواطنين العاجزين أصلا عن مواجهة متطلبات العيش العادية وهذا في ظل غياب تغطية صحية واجتماعية وعلاوة على أن الاستغلال البشع لحاجة فئات واسعة إلى السكن اللائق في ظل غياب سياسة سكنية تمكن أغلب المواطنين من الاستفادة من الحق في سكن مناسب يحفظ كرامة الإنسان.
إن التردي طال جميع مجالات الحياة وزادت حدة هذا التردي بفعل إعادة إنتاج نفس الهياكل القائمة وبشكل أكثر اتساعا وأسرع وتيرة واتضح بجلاء أن الاقتصاد الوطني لم يعد قادرا على الاستجابة للحاجيات المحلية والوطنية.
في خضم هذا الواقع، قدم مكتب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تقييمه حول التنمية البشرية واعتبره الكثيرون بمثابة تقييم لمس عمق المشاكل والمعضلات التي تعيشها البلاد وخلص إلى أن ضعف معدل النمو وقلة إنتاج فرص الشغل وتراجع الصادرات والتدني المسترسل للأوضاع الاجتماعية سببه الرئيسي هو غياب إستراتيجية شاملة واضحة المعالم وغياب التفكير الجدي في إقامة هياكل وآليات لتطبيقها وحسن تدبيرها كما يتضح من فحوى هذا التقرير، أن المؤسسات المالية العالمية تخلت عن فكرة التصدي للفقر وتعويضها بفكرة "تدبير الفقر" لجعلة محتملا وذلك باعتبار أن المنحى هو السعي دائما نحو الخوصصة إعفاء الدولة من جملة من مهامها الاجتماعية، والجديد في التقرير هو أنه حذر من مغبة استمرار تردي الأوضاع الاجتماعية التي من شأنها إنتاج انفجارات اجتماعية واسعة، لذا اقترح بعض الإجراأت الاجتماعية، لكبح هذه الصيرورة الحتمية (التعويض على البطالة) وذلك كمهدئ ليس إلا.
الحصيلة الآن، هي أن قيام المنظومة الاقتصادية والمالية والبنكية على التبعية للمؤسسات المالية الدولية سهل الاستغلال الاقتصادي للمغاربة من طرف الرأسمال الأجنبي وأوصل البلاد إلى الباب المسدود.
ومن الحصيلة كذلك أن الكثير من المحللين الاقتصاديين والسياسيين ذهبوا إلى القول أن الشعب المغربي لم يتمكن من تقرير مصيره الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، اعتبارا لأن مساهمته في صنع القرارات التي تهمه ظلت مساهمة شكلية و "مغشوشة"، لاسيما وأن الانتخابات منذ حصول البلاد على استقلالها كانت انتخابات مزورة ومخدومة بشهادة الجميع الآن.
أمام هذا الوضع، هل يمكن لأوسع فئات ساكنة المغرب أن يحلموا بغد أفضل؟
هذا هو السؤال الذي يرعب الكثيرين حاليا.
متى ستكون للحكومة المغربية الجرأة في الاعتراف بمحدودية مخططاتها التنموية و معالجة المشاكل انطلاقا من اسبابها و مسبباتها ،
تتمثل تعاليق الحكومة المغربية في أن تقارير التنمية البشرية لا تعكس حجم الجهود التي قام بها المغرب، وفي أنها لا تدمج المؤشرات المتعلقة بحقوق الإنسان..،
وإذا ما تفحصنا كل ملاحظة أو تعليق على حدة، سيتضح لنا مدى لا معقوليتها، ذلك أن تقارير التنمية البشرية تأخذ بعين الاعتبار ما تحقق على أرض الواقع من زيادة النمو، و انخفاض نسبة الأمية وارتفاع عدد المتمدرسين، وتزايد أمد الحياة وليس البرامج المعلنة و النوايا المضمرة. فإذا كانت الحكومة قد بدلت، كما تدعي، مجهودات في مجال التنمية البشرية، فلابد ، بالضرورة، أن تكون لتلك المجهودات نتائج قابلة للقياس. وعدم وجود مثل هذه النتائج، التي من الممكن أن ترفع مكانة المغرب في سلم التنمية البشرية، يعنى بكل بساطة أن الحكومة لم تقم مجهودات ملحوظة في هذا الجانب رغم الإدعاأت التي تقدمها في هذا الباب.
أما إذا كانت الحكومة تريد أن تؤكد أنها قامت، بالفعل، بجهود في مجال التنمية البشرية، وكل ما في الأمر هو أن المعايير التي يعتمد عليها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة غير منصفة، فإننا نعتقد أن تلك المعاير، هي الأنسب لتقييم مدى تحقيق التنمية البشرية في بلد ما، فيما لو علمنا بأنها (المعايير) تتصف بالموضوعية والحياد من جهة. وأنها لا تعتمد على المؤشر الاقتصادي فقط ( الناتج الداخلي الإجمالي الخام)، بل تضيف إليه مؤشرات مرتبطة بالصحة والتعليم.
كذلك، تقول الحكومة المغربية بأنها بدلت مجهودات لم يعكسها تقرير التنمية البشرية، إلا أنها لا تتحدث عن تلك المجهودات بالتحديد، وعن المجالات التي شملتها. على الأقل كان يتوجب عليها أن تقدم حصيلة تلك الجهود حسب القطاعات المرتبطة بالتنمية البشرية، والمؤشرات التي حققتها في مجال الصحة والتعليم، فالكل يعلم أن من بين المجالات التي راكم ومازال يراكم فيها المغرب العجز، من ضمن مجالات أخرى عديدة، المجالين التعليمي والصحي اللذين يرتبط بهما تطور مؤشر التنمية البشرية.
العودة لتقرير التنمية البشرية لسنة 2011، ومختلف القيم( Lيس ڢاليورس) المكونة لمؤشر التنمية البشرية، ومقارنتها بنفس المؤشرات لدى بعض الدول العربية، تجعلنا ندرك أن تأخر المغرب في سلم التنمية البشرية لا يعود لتقادم المؤشرات المعتمدة، وإنما لتخلف قيمة مؤشرات الصحة والتعليم ضمن مؤشر التنمية البشرية. فقيمة مؤشر التمدرس بالمغرب لا تتجاوز 0.574، لارتفاع الأمية وعدم تعميم التمدرس، وتبلغ هذه القيمة مثلا بالنسبة للأردن 0.870. وتنطبق نفس الملاحظة على كل القيم التي تدخل في حساب مؤشر التنمية البشرية( التمدرس، أمد الحياة عند الولادة، حصة الفرد من الناتج الداخلي الخام).
لهذا فإن تقرير التنمية البشرية يستند على ما تحقق من تقدم في مؤشرات التنمية البشرية، وليس ما تم وضعه من برامج، يتم في بعض الأحيان التخلي عنها، مثلما تم التخلي سابقا عن بعض مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أما القول بأن مؤشرات التنمية البشرية، متجاوزة، ويجب اعتماد مؤشرات أخري تدمج الحريات وحقوق الإنسان فينطوي على جهل بالتنمية البشرية ومؤشراتها وبتقارير التنمية البشرية، ذاتها، التي يتم التعليق عليها بتلك الملاحظات اللامعقولة.
ذلك أن مؤشر التنمية البشرية التركيبي، يأخذ بعين الاعتبار ما تحقق في بعض جوانب حقوق الإنسان، مادام يستند على قيمة مؤشر أمد الحياة، الذي يرتبط بالحق في الصحة، كما هو منصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ونفس الشيء بالنسبة للحق في التعليم الذي يتم إدماجه في مؤشر التنمية البشرية من خلال معدل التمدرس.
والتتبع كذلك هو تتبع مالي وما نلاحظه في السنوات الماضية هو تسيب لم نشهده من قبل، حيث تصرف أموال طائلة ومنح كبيرة لفائدة الجمعيات وفاعلين محليين دون مراقبة قبلية أو بعدية ودون وضع إجراأت تضمن صرف الأموال في غاياتها ودون افتحاص. لذا نرى أن أموالا طائلة تصرف على التنمية ولكن دون تأثير على الواقع حيث دار لقمان على حالها، الفقراء يقبعون في فقرهم والأميون والأميات في جهلهم والعجزة والنساء في مرضهم. لهذا نرى أن أكثر من 50% تصرف على الميادين الاجتماعية دون أن يكون لذلك تأثير على موقع المغرب على ترتيب مؤشر التنمية.
نهب المال العام، جريمة كبرى في حق الشعب
لقد انكشف بجلاء أن مختلف الثروات الوطنية كانت عرضة للنهب المسترسل منذ أن حصل المغرب على استقلاله.
عا ثت ثلة من المغاربة فسادا ونهبوا المال العام، أي ثروات يملكها الشعب المغربي وتقوم الدولة بإدارتها وتدبيرها.
نهبوا الثروات البحرية وثروات باطن الأرض، الغابات، النباتات، الوحيش، الرمال، المياه الباطنية والسطحية، الممتلكات العمومية، الشركات الوطنية، المكاتب العمومية والأموال المغترفة من الضرائب، المساعدات الخارجية والقروض المطلوبة باسم الشعب المغربي. وقد اعتمد هؤلاء أشكالا متعددة لنهب وتبذير المال العام، فهناك سرقة أموال الدولة وهدرها وتبذيرها في إطار الحفلات والمناسبات والسفريات والمهرجانات، كما أن الإعفاأت الضريبية التي تخول لفئة معينة من الأشخاص، بدون وجه حق، تعد هي كذلك نهبا ونفس الشيء بخصوص التملص الضريبي كما يذهب البعض إلى اعتبار الأجور والتعويضات "الطيطانيكية" شكلا من أشكال النهب والهذر ويدخل كذلك في هذا الإطار خلق مناصب شغل وهمية واستعمال ممتلكات الدولة لأغراض خاصة وكذلك الأمر بخصوص تضخيم الصفقات العمومية، إذ على سبيل المثال لا الحصر أنجزت بعض السدود في عقد الستينيات بمبالغ هرقلية خيالية (15 مليار بخصوص أحدها وليس أهمها).
ليست هناك احصائيات دقيقة بخصوص حجم النهب والهذر والتبذير، لكن هناك مؤشرات دالة بامتياز. ولعل الفضائح المالية المرتبطة بأغلب المؤسسات والشركات العمومية والمكاتب الوطنية لدليل صارخ، علما أن ما تم كشفه، في هذا الصدد إلى حدود الآن، لا يعدو أن يكون بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة.
إن النهب، يعني أولا وأخيرا، أن الأموال المنهوبة والمهدورة لم تستثمر لفائدة الشعب، مما ساهم في استشراء الفقر والبطالة والتهميش والخصاص في المرافق العمومية وانتشار السكن غير اللائق واتساع دوائر الجريمة وتزايد الهجرة الداخلية والخارجية.
كما أن من انعكاسات النهب والهذر تصاعد القمع، باعتبار أن ناهبي المال العام والمتواجدين في مراكز صناعة القرار ومراكز السلطة يحاولون حماية أنفسهم بكل الوسائل من التشهير والمتابعة، لذلك يشجعون على تصعيد القمع ضد كل جهة تسعى إلى كشفهم والمناداة بتغيير واقع الحال.
إن النهب، في آخر المطاف، يتسبب بشكل أو بآخر في سيادة وضع اجتماعي مترد لا يطاق. هذا في وقت كان من المفروض توظيف هذه الموارد من أجل تحقيق المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين وهنا تتضح المسؤولية الأولى والأخيرة للدولة ما دامت أنها هي التي تتوفر على إمكانيات المتابعة والمراقبة والمساءلة.
وبذلك يمكن اعتبار نهب وهذر وتبذير المال العام من أكبر الجرائم الاقتصادية والاجتماعية التي ارتكبت في حق الشعب المغربي من طرف فئة يعرفها الجميع وهي جريمة طالت كل القطاعات بطريقة ممنهجة.
الرشوة من معيقات التنمية
أن الرشوة تعتبر من أهم معيقات التنمية وتحقيق نسبة كافية للنمو، كما أنه من الوهم الاعتماد على الدولة لمحاربتها.
ومما يزيد الوضع تعقيد أن آفة الرشوة أضحت منتشرة بشكل مهول، كما أنها استطاعت أن تتحدى كل الآليات القانونية والإجرائية الموضوعة للتصدي إليها أو الحد منها، إنها تمكنت من التكيف مع مختلف المتغيرات، حتى تلك المرتبطة بالعولمة، لهذا وجب بإشراك جهات مستقلة عن الحكومة في مهمة محاربتها.
ومن الأسباب التي تساهم في استمرار انتشار الرشوة، وجود ما نعته البروفسور المهدي المنجرة "بالخوفقراطية"، أي سيادة ثقافة الخوف والعلاقات التي تعلو على علاقات المواطنة بفعل شيوع الأمية والجهل وضعف التجاوب الحضاري وغياب التربية على المواطنة واستمرار غياب مجتمع المواطنة المرتكز على ثقافة المحاسبة والمساءلة وتفعيل القانون. بالإضافة لاستمرار هيمنة اقتصاد الريع والأنشطة غير المهيكلة وكذلك ضعف الأجور التي لا تفي بضروريات الحياة وبذلك يكون الأساس في تعامل الإدارة مع المواطن هو مدى قدرته على الدفع أكثر. علما أن الرشوة بالمغرب تعتبر إحدى الآليات المستعملة من طرف الدولة لضمان إعادة إنتاج النخبة الموالية واستمراريتها (الأراضي، الرخص، التعيينات في المناصب غير السياسية...).
وحين نعلنها حربا شعواء، منتظمة ونقيم شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والصحافة من أجل محاربتها على جميع المستويات، وخصوصا تمرير الصفقات على مستوى الجماعات المحلية وفي قطاعات الضريبة والعدل والجمارك والتعليم والصحة، وكذا على مستوى إعطاء الرخص، حينذاك يمكن لنا أن نقول إننا فعلا أعطينا إشارة قوية لمسلسل التنمية الحقيقي
لابد من الحديث عن الدخل كأحد مؤشرات التنمية. إن نموا مستطردا للاقتصاد الوطني هو أحسن وسيلة لمحاربة الفقر. غير أن النمو لا يضمن أن الكل سيجني ثماره خصوصا الفئات المهمشة من نساء وساكنة قروية وشباب الاحياء الهامشية وفئات غير المتعلمين. من هنا تأتي فكرة القروض الصغرى والانشطة المدرة للدخل. غير أن هذين الميكانيزمين لا يؤديان حتما وفي جميع الأوقات الى الخفض من حدة الفقر. في بعض الاحيان العكس هو الذي يحدث. اذا ما تم استعمال القروض الصغرى لأغراض استهلاكية محضة وهو ما يحصل في كثير من الاحيان خصوصا وأن جمعيات القروض الصغرى ليست لها الامكانيات وفي بعض الاحيان الرغبة للتأكد من أن القروض تستعمل لتمويل مشاريع منتجة فإن المستفيدات يجدن أنفسهن يؤدين الاستحقاقات الشهرية على حساب دخلهن الاصلي مما يؤدي إلى تفقيرهن أكثر.
هناك فئات فقيرة جدا تستعمل دخلها لتسديد فواتير العلاج أو لاقتناء الأدوات المدرسية أو لتسديد فواتير الماء والكهرباء، وهو ما يجعلها لا تحقق قفزة نوعية من الفقر الى اللافقر. لهذا يجب التفكير في ما يسمى بالتحويلات المباشرة المشروطة لصالح هؤلاء، وذلك في إطار إعادة النظر في دور صندوق المقاصة. التحويلات المباشرة ستخفف من العبء الذي يتحمل وزره الفقراء. الأنشطة المدرة للدخل ستساعدهم على مراكمة الادخار والاستثمار في السكن والتكوين وفي التغدية السليمة، كما يجعلهم في مأمن من الصدمات الاجتماعية والاقتصادية، كالموت والمرض المعوز والكوارث الطبيعية والإعاقة والحوادث.
فالأكيد، بشهادة كل الأرقام الحقيقية و ليس المسوقة في التصريحات الرسمية، أن التوازنات لم يتم تحقيقها و أن المديونية الداخلية تفاقمت إلى درجة أنها أضحت تؤثر سلبا على الموارد المتاحة للاستثمار. و لا زال و سيظل ثقل ميزانية التسيير (بفعل الرواتب الافلاطونية و الامتيازات غير المنتجة و التبذير في البهرجة و المظهر) و أداء مستحقات، يجتم على عنق الميزانية العامة للدولة على حساب ميزانية الاستثمار. فكيف و الحالة هذه يمكن تحقيق ما يتم الترويج له من إعطاء دفعة قوية للاستثمار و انجاز المرافق الاجتماعية قصد تلبية الحاجيات الحيوية و الأساسية لأوسع فئات الشعب المغربي.
فلا سبيل الآن أمام المغرب إلا ترشيد فعلي و ليس كلامي لميزانية التسيير قصد الاهتمام أكثر بتقوية النسيج الإنتاجي و تفعيل المزيد من آليات إنتاج الثروات المضافة. و لن يتم هذا إلا من خلال تعزيز نسيج المقاولات الصغرى و المتوسطة و ليس عبر الخوصصة التي تذهب مداخيلها مهب الرياح دون استثمارات فعلية منتجة. و كان الأولى أن تستثمر تلك المداخيل في تنمية الموارد البشرية عوض تفريقها كالكعكة هنا و هناك.
لقد اتضح للجميع الآن أن المرض العضال الذي أنهك الاقتصاد الوطني المغربي هو النهب و سوء استخدام موارد البلاد الطبيعية و المادية و البشرية، و هو مرض عضال لأن سوء الاستخدام لم يكن خطأ أو نتيجة لخطة أو رؤية غير سديدة، و إنما كان مقصودا من أجل خدمة مصالح كمشة لا تكاد تبين. لقد أنهك هذا المرض العضال جسم الاقتصاد الوطني. و عندما فرضت عليه الخوصصة و إلغاء الدعم و فتح الأسواق على مصراعيها على الرأسمال الخارجي و الاستثمارات الأجنبية و تحرير التجارة وجد نفسه قد أنهكه المرض العضال و بدا منهكا، و تبين بجلاء أن المغرب أضاع، بفعل فاعلين معلومين و معروفين، أكثر من موعد تاريخي لتقوية الصناعة الوطنية ، و بذلك أجهضت مختلف فرص التنمية المستقلة القائمة على قاعدة الاعتماد على الذات.
و هكذا وصل المغرب إلى حالة مزرية تتميز بالأساس بتعميق الشروخ الاجتماعية و اتساع دوائر التهميش و فضاأت الفقر في صفوف أوسع فئات الشعب المغربي و استفحال الثراء الفاحش و البذخ غير المبرر. فهناك ما يفوق 8 ملايين من الفقراء أغلبيتهم تحت عتبة الفقر المطلق. أما البطالة فأضحت تنهك أكثر من جيل، و قد همت الأغلبية الساحقة لجيل بكامله، و هي تفوق نسبة 20 في المئة في العالم القروي و 18 في المئة في الحواضر و ما يقارب %60 من الاميين في المغرب . و الحقيقة أن الواقع يشير بأن النسب هي أكثر من ذلك باعتبار أننا نعتبر ماسح الأحذية غير عاطل و كذلك بائع السجائر بالتقسيط و ماسح زجاج السيارات عند الإشارات الضوئية بالمدن و اللواتي يمارسن الدعارة وغيرها من المهن المهمشة التي لا تدر على ممتهنيها ما يمكن أن يسدون به رمقهم بانتظام...فهؤلاء يعتبرون بالمغرب غير عاطلين رغبة في التخفيف من نسبة البطالة و هذا عن علم و لغرض في نفس يعقوب.
أخيرا، يجب ألا نعتبر التقارير الدولية حول تدني التنمية البشرية في المغرب فقط ناقوس خطر ينبهنا إلى عدم جدوى السياسسات المتبعة ولكن كذلك فرصة لإعادة النظر في مقارباتنا للقضية التعليمية ولإشكالية الولوج الى العلاج ولقضايا محو الامية ودخل الطبقات الفقيرة. أن الهجرة عامل أساسي في الوصول إلى حالة اللافقر. لقد آن الأوان لوضع استراتيجية وطنية للهجرة وللتشغيل على المستوى الدولي، ونستفيد من تجارب دول كالصين والهند واندونيسيا والفلبين والبرازيل ساهمت الهجرة فيها بشكل كبير في الحد من فقر ساكنتها. لا يجب أن تكون مقاربتنا للهجرة تقتصر على التنظيم والمتابعة على مستوى الاستقبال. يجب أن ننظمها ونكون من أجلها كذلك على مستوى العرض وعند نقطة الانطلاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.