توافدهم على جماعة ابطيح مازال متواصلا منذ عدة أيام. هم مجموعة من الأشخاص الباحثين عن أحجار« النيازك». عددهم فاق المئات بعدما فتحت الكمية التي عثر عليها بالمنطقة في وقت سابق شهيتهم وجعلتهم يواصلون البحث والتنقيب وتمشيط تراب الجماعة شبرا شبرا من أجل الحصول على المزيد وكل واحد يمني نفسه بالحصول على كمية حتى لو كانت قليلة تعوضه ما أنفقه من مصاريف وما تكبده من مشقة للوصول إلى المنطقة. أكثر من عشر ساعات لقطع مسافة 542 كيلومترا بين كلميم وجماعة ابطيح مرورا بطانطان. نصف هذه المدة يضيع بين مسالك وعرة غير معبدة ومنعرجات صعبة اهتزت فيها سيارة لاندروفيل يمينا وشمالا وخلفت وراءها سحبا كثيفة من الغبار وهي تشق هذا المقطع الطرقي الوعر الذي رسمه الرحل بكثرة ما استعملوه على مر السنوات. الخروج عن هذا المسار يعني التيه في أرض خلاء محفوفة بالمخاطر المميتة نتيجة الألغام المزروعة في أنحاء متفرقة من هذه الصحراء بحيث تجهل أماكنها بالضبط والتي تخلف في الغالب حوادث مميتة. بين طانطان وأبطيح وأم الريح ووادي سكا كيلومترات عديدة ومسافات من التهميش التي تفرض على الزائر العودة باستمرار إلى مدينة طانطان من أجل التزود بالمواد الأساسية، وهو ما يعكس معاناة سكان هذه المناطق وشظف العيش الذي يحول حياتهم إلى جحيم. الوصول إلى توفنيت الموجود بفج أم الريح ووادي سكا الموجود بقيادة وجماعة لمسيد يعني أنك توجد وسط صحراء قاحلة جرداء وموحشة لا أثر فيها لحجر أو شجر، مجرد أعشاب شوكية وحتى الحيوانات التي تعيش في هذا الوسط الجاف تختفي عندما تتوسط الشمس كبد السماء وتزحف هاربة إلى جحورها كلما مرت سيارات الباحثين عن «النيازك». في هذه القطعة من الصحراء المقفرة ينتشر أشخاص فرادى وجماعات في أوضاع مختلفة بعضهم ينبش في الأرض والبعض الآخر يشخص ببصره بعيدا بحثا عن أحجار. حلم العثور على قطع من «نيازك» رمى بها الفضاء في هذه الأرض حولهم إلى جيولوجيين وأركيولوجيين يفتشون عن كنز ضائع. يوم السبت 19 ماي أخبرت السلطة المحلية بوصول غرباء إلى المنطقة فهرعت إلى عين المكان لاستجلاء الحقيقة ومعرفة أسباب وجود هؤلاء الزوار غير المنتظرين، لتكتشف أنهم جاؤوا للبحث عن حجر «النيازك»، فقامت بجردهم وانصرفت إلى حال سبيلها. أمحند رجل في عقده السادس متقاعد من القوات المسلحة الملكية ويملك محلا لبيع الصناعة التقليدية، جاء رفقة اثنين من المنقبين إلى المنطقة بعدما انتشر الخبربورزازات، يقول إن مصدر الخبر هم بعض الرحل الذين مروا بالمنطقة وسمعوا بسقوط «نيزيك» بالمنطقة محدثا انفجارا هائلا وبعد أيام تم اكتشافه والعثور على بعض من شظاياه. هذا الخبر تلقفته الهواتف النقالة بسرعة البرق ونقلته إلى جهات متعددة وهو ما جعل الجميع يحج إلى هذا المكان والأمل يحدوهم بأن لا يكون ما سمعوه مجرد إشاعة أصيبوا ببعض من شظاياها. المنقبون تركوا ديارهم وشدوا الرحال إلى هناك كل بطريقته الخاصة فرادى وجماعات من فئات عمرية مختلفة شبانا ومسنين وقاصرين في بعض الأحيان. بعضهم رحل مع رفاقه والبعض الآخر حمل عائلته، عدد منهم يحترف بيع وشراء الأشياء النادرة، وآخرون دفعتهم ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية إلى خوض غمار هذه الرحلة من أجل حل مشاكله المادية بعد العثور على الحجر. على متن شاحنات أو حافلات وسيارات انتقلوا تقودهم أحلامهم إلى هذا الجزء من الصحراء، متحدين الوسط القاحل والمنعرجات الخطيرة والمسالك الطرقية الصعبة. حالما تطأ أقدامهم المنطقة بعد أن قادتهم من ورزازات وزاكورة وطاطا والزاك والرشيدية وبوعرفة تنقطع صلتهم بباقي العالم لغياب التغطية الهاتفية، وحدها الصلة بالتجار المحترفين ذوي الخبرة الواسعة تظل قائمة من خلال زيارة المنطقة بين الفينة والأخرى لاستكشاف ماتم العثور عليه من أحجار ومعرفة ما إذا كانت حقيقة قطع من «نيازك» وذلك بتفحص لونها الداخلي الذي يختلف عن قشرتها السوداء. لا تثنيهم الزوابع الرملية ولارياح الشركي ولا متاعب الطريق عن البحث والتنقيب، فعبد السلام ورفاقه الثلاثة القادمون من بوعرفة، يصرون على أنهم لن يعودوا من حيث أتوا دون العثور على مرادهم لأنهم حسب قول عبد السلام قطعوا مئات الكيلومترات ويحدوهم أمل كبير يجعلهم ينسون الجوع والطريق الوعرة والطقس الجاف. يقول عبد السلام: «لم نأت من أجل النزهة أو حب الاستطلاع بل لأن أوضاعنا المالية والاجتماعية متأزمة، أغلبنا يشتغل كسابة ببوعرفة ما يدفعنا للتشبث بخيط الأمل هذا حتى لو كان سرابا، لأننا ما زلنا ندفع ثمن الجفاف الذي ضرب قريتنا غاليا». إلى حدود الأيام القليلة الماضية مازال سوء الطالع يلازمهم فمنذ أن وطئت أقدامهم هذه الأرض لم يستطيعوا العثور على حجر ولا الوصول إلي معلومات عن شظايا «النيزك» الذي سقط مؤخرا. سيدي أحمد القادم من أسا الزاك أخبرنا أنه جمع العديد من الحجارة والحصى وكان يظن بأنها فعلا أحجار نيازك لاختلافها عن الحجارة العادية، لكن طنه خاب عند ما أخبره أحد الأشخاص المتحدر من فم ازكيد بطاطا بأنها حجارة عادية. الخبر نزل عليه كالصاعقه وإحساسه بالخيبة أصبح مضاعفا لأن المصاريف تتضاعف هي الأخرى يوما بعد يوم. بعضهم تاهت أحلامهم في الصحراء وغلبهم الملل وعادوا من حيث أتوا في حين ظل آخرون يواصلون عمليات النبش والبحث الذي تجاوز سطح الأرض والأحجار الموجودة به إلى البحث تحتها فعلى حد قولهم فالنيازك عندما تتدمر في الغلاف الجوي وتسقط إما في أعالي البحار أو تتحول إلى شظايا عند هبوطها على سطح الأرض فتدفن في باطنها وهو ما يدفعهم إلى الحفر للتحقق من طبيعة الأحجار المدفونة، إذ حسب أحد المنقبين فإن حجرة «النيزك» تغطيها قشرة سوداء لكن داخلها يكون لونه أخضر أو أزرق. مع مرور الوقت تشتد المنافسة ويخفي كل فريق ما وجد عن الفريق الآخر، خاصة عندما يجد أحدهم أحجارا صغيرة، فتتحرك الهمم وتنفض عنها الكسل ويتدخل السماسرة باستعمال مكبرات ليتأكدوا إن كان الحجر المحصل عليه بالفعل حجرا نيزكيا. رياح الشرقي والزوابع الرملية وتغيرات الجو ما بين شدة البرد حتمت على المنقبين وضع عمامات على رؤوسهم وارتداء ملابس سميكة تقيهم هذه الزوابع التي تزحف على المكان. وحدهم القادمون من الرشيدية، ورزازات، بوعرفة، أرفود، وطاطا يعرفون تمام المعرفة هذا المجال بحكم أنهم تمرسوا فيه على التنقيب والبحث في البداية كهواة ثم محترفين حسب تعبير العديد منهم. 1000 درهم للغرام الواحد. ذلك هو ثمن هذه «النيازك» التي تأتي من الحزام النيزكي الواقع بين كوكبي المريخ والمشتري أو من القمر أو كوكب المريخ. بعد المنقبين يأتي دور السماسرة الذين ينحدر أشهرهم من الرشدية وورزازات وزاكورة وطاطا والذين يبيعون ما جلبه المنقبون للأجانب المستعدين دائما لدفع مبالغ باهظة تتضاعف مرات ومرات عند الوصول إلى المعاهد الأجنبية والمختبرات العلمية والجيولوجية والمتاحف. قيمة شظايا «النيازك» المادية تحددها قيمتها العلمية، فهذه الأحجار تعتبر موضوعا للبحث والدراسة في تطور أشكال الحياة خارج الأرض والبحث ما إذا كانت هناك فعلا حياة خارج كوكبنا. يقول عبد الرحمان وهو رجل ناهز الستين سنة ويملك بزارات «وصلت الكمية المحصل عليها هذه الأيام وحسب البعض من الموجودين هناك كيلوغرامين عثر عليها على دفعات بكميات متفرقة وليست دفعة واحدة، ثمنها يناهز 56 مليون سنتيم لكنها تقل عن تلك المكتشفة قبل شهور بطاطا». كانت الكمية الأكبر منها حسب العديد منهم من نصيب فريق الرشيدية الذي التزم أعضاؤه الصمت ولم يقوموا بإطلاع السلطة المحلية عليها لأسباب تتعلق بالخوف من أعوان السلطة أو الخوف من سرقتها، يقول مصطفى من الرشيدية. السباق المحموم للتنقيب عن «النيازك» بدأ باقليم طانطان منذ سنة 2009 تاريخ سقوط أحدها، لكن رغم البحث عن شظاياه لم يتم العثور على أول حجر منه سوى بعد وقت طويل بفضل المعلومات التي تداولها جمع من الرحل كانوا بالمنطقة. بعد ذلك بسنوات تم العثور مرة أخرى بمنطقة «بلكلاب» (45 كلم شرق طاطا) على حجر يزن قرابة 400 غرام بيع بأثمنة خيالية وتلقفته أيادي الخبراء ليوضع رهن إشارة العلماء والمتخصصين، الذين يغذي إقبالهم على اقتناء هذه الأحجار حلم المئات من المنقبين المغاربة المنتشرين في الصحراء.