يضطر بعض الشباب المنحدر من أسر فقيرة إلى التوقف عن متابعة دراستهم بعد الحصول على الباكلوريا بسبب الشروط التي تضعها المدارس والمعاهد العليا من جهة وغياب الإمكانيات المادية التي يمكن أن توفر لهم الجو المناسب لمتابعة دراستهم في مؤسسات القطاع الخاصوتحقيق أحلامهم في أحسن الظروف، مما يضطرهم إلى البحث عن عمل بعد الباكلوريا مباشرة حتى لا تضيع ثلاث سنوات من عمرهم وتفاديا لأن يصلوا في نهاية المطاف إلى نفس النتيجة. هي فتاة نشيطة وذكية تمتلك شخصية قوية ورغبة كبيرة في تغيير وافعها الاجتماعي الصعب، لأنها تنحدر من أسرة فقيرة مكونة من سبعة أفراد تقطن بحي صفيحي، ولا معيل لها إلا الأب، لكنها استطاعت أن تجعل من ظروفها حافزا لها على التفوق، قبل أن تجد نفسها عاجزة عى الاستمرار في مشوارها الدراسي العالي بإمكانيات بسيطة. فقر أسرتها حطم أحلامها أغلقت كل الأبواب في وجهها، بعد أن فشلت في اجنياز مباريات الالتحاق بالمعاهد العليا، ثم لم تنجح في إيجاد مدرسة عليا خاصة تتماشى وإمكانياتها المادية البسيطة وهي الشابة المنحدرة من وسط اجتماعي فقير بالكاد يوفر لأفراده أبسط متطلبات العيش الكريم، ولم تجد أمامها من خيار سوى نسيان موضوع استكمال تعليمها، والبدء في البحث عن عمل تساعد به نفسها وعائلتها. مريم ذات التاسعة عشر ربيعا كانت طموحاتها وأحلامها وهي طفلة تدفعها إلى بذل المزيد من الجهد والاجتهاد من أجل تحقيق هذه الأحلام، فكانت طوال سنوات دراستها تحصد أفضل النتائج، حيث كانت دائما تحتل الرتبة الأولى أو الثانية داخل القسم. استمرت مريم تحصد النجاح تلو الآخر إلى أن وصلت إلى مستوى الباكلوريا التي تجاوزتها من السنة الأولى بتفوق، بالرغم من الظروف المادية والاجتماعية المزرية التي تعيشها، لكنها ستصدم حينما وجدت أن استكمال تعليمها بعد الباكلوريا يتطلب الكثير من المصاريف خاصة أنها يلزمها وسيلتين أو ثلاث وسائل للنقل من أجل التنقل إلى مدرستها. صارت مريم في حيرة من أمرها، خاصة أن والديها نصحاها بالالتحاق بالجامعة كغيرها «من اولاد الشعب» حتى تتمكن من الاستفادة من المنحة الدراسية التي تقدمها الدولة، لأبناء المعوزين المتفوقين دراسيا. هذا الحل لم يرق لمريم التي تؤمن بأن الجامعة لا يمكن أن تؤهلها لشغل منصب يحقق لها أحلامها التي طالما رافقتها طيلة مسيرتها الدراسية، لأنها في نهاية المطاف ستضيع ثلاث سنوات من عمرها في الجامعة لتجد نفسها في نهاية المطاف تطرق أبواب شركات النسيج من أجل الحصول على عمل بسيط قد لا يكفي راتبه الشهري حتى لسد حاجياتها الضرورية. حاولت مريم إعادة البحث عن مدرسة عليا تناسب مؤهلاتها العلمية، إلا أنها وجدت أن مصاريفها باهظة ولا تستطيع تأمينها، خاصة أن والدها ليس له إلا راتبه الشهري البسيط من حراسة إحدى العمارات السكنية، وليس له من يساعده على مصاريف ومتطلبات الحياة، خاصة أن له ابنة أخرى تدرس في الجامعة ولا تستفيد من المنحة الجامعية. رفضت مريم أن تكرر تجارب طلاب سبقوها إلى ركوب مغامرة التعليم الجامعي، ولم يحصدوا سوى البطالة بعد تخرجهم، لكنها فكرت في اختصار المسافات وعدم تضييع ثلاث سنوات من عمرها دون جدوى للحصول على شهادة جامعية قد لا تغير شيئا من واقعها المزري، وظروفها الاجتماعية. تخلى عن دراسته لمساعدة أهله لا يختلف أمر كمال كثيرا عن مريم من حيث الظروف الاجتماعية والاقتصادية الذي تقف حجر عثرة في سبيل تحقيق طموحاته وأحلامه التي طالما رافقته منذ طفولته، والذي جاهد وبذل كثيرا من الجهد من أجل تحقيقها. كريم الذي يبلغ من العمر إثنين وعشرين سنة، وجد نفسه بعد أن تجاوز مستوى الباكلوريا بنجاح، عاجزا عن استكمال دراسته في أحد المعاهد العليا بسبب الشروط القاسية التي يتم بها اختيار المسجلين، بالإضافة إلى غياب الدعم المادي من طرف أسرته البسيطة التي لا تعيش إلا على مدخول الأب الذي يعمل بائعا متجولا. بالرغم من تفوق كمال في دراسته، ورغبته في إكمال تعليمه العالي للحصول على شهادة تمكنه من الحصول بسرعة على عمل يساعد به عائلته، ويغير به واقعه، إلا أن إمكانيات أسرته المادية المتواضعة لم تكن لتساعده على تحقيق هذا الهدف. لم يجد كمال من حل سوى التسجيل بالجامعة، رغم عدم اقتناعه بجدوى الحصول على الشهادة الجامعية مادامت لن تحقق أماله في الحصول على العمل الذي يتمناه، لكنه فكر في الاستفادة من المنحة الدراسية التي تمنحها الدولة للطلبة المنحدرين من أسر فقيرة. كان مقتنعا أن قضاء ثلاث سنوات في التعليم الجامعي مضيعة للوقت، ما دام أن المقاولات الاقتصادية لا تعترف بالشواهد الجامعية، لذلك قرر البحث عن عمل، بالموازاة مع الدراسة الجامعية، حتى يتمكن من مساعدة أسرته من جهة، وتوفير بعض المال للتسجيل في أحد المدارس الليلية. حاول كمال احترام المخطط الذي رسمه لنفسه، إلا أنه فشل في ذلك ليتخلى عن الدراسة، ويكتفي بالعمل الذي كان ينهك قواه طوال اليوم، ولا يترك له مجالا للتركيز في الدراسة بالليل، فتخلى عن كل شيء في سبيل مساعدة أهله. حرمان كمال من إكمال دراسته جعله يحفز إخوته ويحاول قدر الإمكان توفير الضروريات لهم ليكونوا أوفر حظا منه، ويكملوا تعليمهم، الشيء الذي حرم منه بسبب ظروفه الاجتماعية المزرية. مجيدة أبوالخيرات