AHDATH.INFO منذ سنوات والرفاق حائرون.. يفكرون.. يتساءلون عن السر وراء دعم وزراء سابقين لسياسة تفريخ المهرجانات السينمائية التي تضر بالسينما أكثر مما تنفعها. أخيرا وبعد طول انتظار، يأتي وزير في العام 2021 لينضم إلى صفنا، ويتقاسم معنا تساؤلنا، وينقله في اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب حول الميزانية القطاعية للعام المقبل. محمد مهدي بنسعيد الذي تمت تسميته مؤخرا وزيرا للشباب والثقافة والتواصل، أفضى باستغرابه من تنظيم نحو تسعين مهرجانات سينمائيا، في الوقت الذي نتوفر فيه على ثمان وعشرين قاعة سينمائية فقط. شخصيا قضيت مع هذا الموضوع بالذات عشرات من ليال بيضاء ممتدة لسنوات، بمئات من أفكار سوداء. السيد الوزير، بعد طرحك لهذا السؤال المشروع، دعنا نعبر نحو إعادة فتح النقاش بخصوص هذا الموضوع، لأن النقاش لا يمكنه إلا أن يكون مفيدا لسينمانا. تكثر المواعيد السينمائية عندنا، وفي البدء صفق الكل، و قلت مع القائلين بأن في الكثرة إفادة. فيما بعد تأكد المطلع بأن الأمر تحول إلى تكاثر، وهنا لا نتحدث عن تلك الكثرة الهادفة إلى نشر ثقافة سينمائية. تراكم القبح لا يمكنه أن يفرخ إلا القبح، وبالتالي يعسر علي في ركن واحد أن أعدد المآسي التي ترتكب باسم السينما.. مهرجانات كثيرة لا تتوفر على هدف واضح، تحصل على الدعم. استقبلت ثلاثة من رؤساء لجنة دعم المهرجانات في نقاش ال"إف ب إم"، وفي كل مرة كانوا يستغربون بدورهم، وبقيت الأمور على حالها، أو لنقل صراحة بأنها زادت سوءا في السنوات الأخيرة. من ضمن من يدفعون بترشيحهم للحصول على الدعم، أناس لا تتوفر لهم أحيانا قاعة سينمائية، ولا يتوفرون حتى على فندق يستقبلون فيه مهرجانيين في كثير من أحيان. هناك أيضا مهرجانات لها جمهور على الورق المقدم للجنة، و لا تعثر عليه في وقت تنظيم المهرجان. أين يعرضون؟و ماذا يعرضون؟ وما علاقة السينما بكل هذه الخلطة العجيبة؟ السيد الوزير، منذ العام ألفين وأربعة عشر وأنا أنادي رفقة مهتمين آخرين بضرورة تقليص عدد المواعيد المدعمة، إذا كان ذلك سيقوي المهرجانات الجادة المحترِمة للسينما، و الحاملة للمسة الإضافة. ما يحصل منذ سنوات، هو أن المنحة تقسَّم على عدد كبير، و تستفيد مهرجانات لا تخدم إلا مصلحة منظميها. حالات غريبة منها دعم مواعيد يسيرها عجزة اعتادوا نيل نصيبهم من الغلة، وصنف ثان هم أصحابه الوحيد هو جلب بعض من ممثلين مشارقة تجاوزهم الركب، و فئة ثالثة ينتظر القائمون عليها مصروف الجيب في كل عام. مهرجانات بينها وبين السينما قليل من خير وكثير من استنزاف. كثيرون لا تحظى مواعيدهم حتى بدعم المجالس المحلية للمدن والبلدات التي يدعون تنظيم مهرجاناتهم بها، ومع ذلك ينالون بعضا من فتات لجنة الدعم، وفي آخر المطاف يشكل عرض الأفلام السينمائية آخر اهتماماتهم. السيد الوزير، قمت بالدعوة إلى التقليص في عدد هذه المهرجانات السينمائية، من خلال الدمج بين بعضها البعض وتنظيم اثني عشر مهرجانا سينمائيا موزعا على جهات البلد، مع إمكانية إضافة مهرجانات موضوعاتية، على أن تحظى جميعها بالدعم المادي اللازم لتقدم بشكل احترافي والحفاظ على المهرجان الدولي للفيلم بمراكش. هنا من اللازم أن أوضح نقطة مهمة، وهي أن ما نحتاجه ليس فقط تقليصا في العدد، بل تغييرا كليا لطرق المراقبة والإشراف على منح الدعم للمهرجانات. يمكن أن ينظم مهرجان دولي في بلدة صغيرة بها قاعة سينمائية، ويمكنه أن يحقق نجاحا كبيرا إذا كان للقائمة عليه علاقة حب بالسينما. المشكل يكمن في أن طريقة اختيار أعضاء لجان الدعم يجب أن تراجع، لأنها بالية ومتجاوزة. في البلدان التي نستفيد من تجاربها، لا تعثر بالضرورة على مهرجانات في مدنها الكبرى، بل تصمد فقط المهرجانات الموضوعاتية التي تحمل لمسة تميز لا تعثر عليها عند الآخرين. السيد الوزير، يقولون هنا بأن لجنة تقوم بمراقبة المهرجانات المدعمة، ثم تعثر على مقرر يبعثه المركز السينمائي المغربي ليقوم بجولة في المهرجان ويعود فيما بعد إلى الرباط. هذا المقرر الذي عادة ما يستضيفه المهرجان، وبالتالي يعسر أن نتحدث عن الاستقلالية. ثم ماذا بعد؟ هناك صفة الدولية التي صار كل من هب ودب يلصقها بموعده دون حسيب أو رقيب، وتلك المهرجانات التي لا تقوم بأي مجهود في العرض، وتأتي بأقراض مدمجة أو مضغوطة وتفتري على لجنة الدعم وعلى المشاهد. السيد الوزير، نحتاج فعلا لمهرجانات سينمائية لأن الدبلوماسية الثقافية عملة المستقبل، ولأن نشر الثقافة السينمائية أمر ضروري. هناك بلدات صغيرة يستحق مواطنوها مهرجانات من المستوى الكبير، وهناك أناس جادون يشتغلون في هدوء وينظمون مهرجانات سينمائية تحضر فيها السينما. تركيبة لجان الدعم يجب أن تتغير، وأن تكون الكفاءة هي العملة الوحيدة أثناء الاختيار. يعسر علي شخصيا أن أستوعب كيف يصير من لا تكوين له، ولم يشاهد شريطا سينمائيا في حياته، عضوا في لجنة من لجان الدعم. كيف يمكن أن أتفهم استمرار دعم مهرجان لم ينجح مع مرور السنوات في إنشاء أو إعادة إحياء قاعة سينمائية بالمدينة أو البلدة التي ينظم فيها؟ هناك مجال لتصحيح الوضع، والتاريخ سيملكه من يكتبه. هناك إمكانية لخلق أنشطة سينمائية في البلدات التي لا تتوفر على قاعة سينمائية حتى لا يحرم كثيرون من فرص المشاهدة، وهناك إمكانية لخلق مهرجانات حقيقية تعنى بالسينما بعيدا عن الاسترزاق، وهناك إمكانية لتحقيق انطلاقة حقيقية في مرحلة ما بعد كورونا. ما نحتاجه هو مشروع متكامل، يشرف عليه أناس مكونون وليس أولئك الذين ينالون الدعم بالأقدمية. السيد الوزير، سؤالك بخصوص المهرجانات مشروع، وكلامك عن قلة القاعات السينمائية معقول، والحل لن يتأتى بدون مشروع ثقافي متكامل. نحتاج نفسا آخر.. حقا نحتاج نفسا آخر، وأعتقد بأن رسالتي واضحة والسلام.