هناك نقاش في المغرب اليوم لابد من الدخول فيه، ولا مفر من الانخراط في مناقشته لئلا ندعه لمن لا يتقنون تفاصيل النقاش: هذا النقاش هو نقاش علاقتنا بمعلمينا وأساتذتنا . لنقلها منذ البدء لكي ننتهي منها: نحن قوم نتاج المدرسة العمومية، نعرف فضل المعلم والأستاذ علينا، ونعرف الخدمة اللاتقدر بثمن التي تقدمها هاته الفئة من الموظفين - عموميين كانوا أم خاصين للشعب - وهي خدمة لايمكن إطلاقا منحها الأجر الموازي لها لأنها بلا أجر . يتعلق الأمر بأناس يعلمون إبني وإبنك، وإبنتي وإبنتك، كيف يفكون طلاسم الحياة، وكيف يتقنون القبض على مخارج حروف العيش، وكيف يتمكنون من فك شيفرات كل ما سيواجههم من صعوبات في اللاحق من الأيام. أصلا هاته الكلمات التي نكتبها في هذا الركن الآن لم يكن لها أن تكتب نفسها بنفسها. هناك معلم أو معلمة، أستاذ أو أستاذة جعلها ممكنة في يوم من الأيام. لذلك لايمكن إلا أن ندين بالعرفان والامتنان وكل آيات تذكر الجميل لكل من علمنا حرفا فصرنا له العبيد الأبديين. هذا أولا. أما ثانيا، فنقولها ولا نبتغي من ورائها أي شيء إذ نعرف أنه واجب الشهادة وهو أمر لابد منه: دور الأستاذ هو أن يلقن الأجيال القادمة التعليم. دور الأستاذ ليس هو أن يتحول إلى معارض يأكل الحاقدون باسمه ثوم الأرض كلها. دور الأستاذ هو أن يقنع المغاربة أنه يقدم لهم الخدمة الفضلى التي تحدثنا عنها قبلا، وحينها هم سيؤدون له ثمن تعاقده أو ثمن وظيفته أو ثمن اشتغاله لديهم... في سابق العصر والأوان، وهذه معلمومة تاريخية ربما لايعرفها الجدد، كان المغاربة يتكلفون بأجرة المعلم أو الفقيه أو الأستاذ أو « المشارط ». كانوا يعرفون أن هاته الخدمة التي يقدمها لأبنائهم هي خدمة لا تقدر بثمن، لذلك كانوا يعتبرون أداءها من باب الضروريات. كانوا يعرفون أن المعلم أو الفقيه أو الأستاذ يشتغل بضميره، ويقدم لهم مالايستطيعون تقديمه لأبنائهم، لذلك كانوا يقتطعون من رزقهم اليومي ثمن مجازاته وإن كانوا متأكدين أن مايفعله أكبر من الجزاء المادي العابر. على معلمينا، وعلى أساتذتنا اليوم أن يقنعوا شعبنا أنهم يخوضون النضال لأجل تعليم أبناء الفقراء والأقل فقرا، وأن مايشغلهم ليس فقط الترسيم في الوظيفة العمومية، وليس فقط الحصول على رقم الأجرة الشهري، وليس الإدماج تفاديا لتطورات الدهر وغدره وبقية التفاهات... هذه هي الحكاية، ونحن نقولها لكم بواضحها في هذا المكان لأننا الوحيدون الذين نستطيع قولها، لأننا نعرف قيمة كل من علمنا حرفا، ولا نريد في الزمن المتأخر أن يتحول إلى كائن يبحث فقط عن ضمان الماديات العابرة.