بقلم: المختار لغزيوي ويحدث كثيرا أن يموت الفقراء في هذا البلد علنا، وأن يطلب الجميع من الجميع أن نتستر على هذا الموت لئلا يحس به من رحلوا... يحدث أن نصل في درجات كذبنا على أنفسنا مراتب لاقبل للعقل الإنساني السوي بأن يتقبلها. اليوم يراد منا أن نصدق أن القبو الذي غرق فيه 28 مغربيا ومغربية في طنجة كان معملا سريا... هل يراد منا حقا هذا الأمر؟ هل يراد منا فعلا ذلك؟؟؟ طيب...كيف؟ كيف نصدق أن هاته السرية التي تلفع فيها هذا القبو القاتل، مرت من تحت أعين كل مسؤولي تلك المدينة، التي كانت دولية ذات يوم، وأصبحت مجرد تجمع بشري اليوم؟ كيف نقنع أنفسنا أن محتالا واحدا، مثل صاحب هذا القبو القاتل، قد خدع كل من يتحمل مسؤولية، صغيرة أو كبيرة، في "العالية" عروسة الشمال الباكية اليوم؟ كيف ندخل إلى أذهاننا - نحن أولًا - ثم إلى أذهان الناس، بعدنا أن هذا الموت المعلن على رؤوس الأشهاد، الفاجر في علنيته، الصارخ بكل قوة وجوده هو مجرد موت « سري » وقع دون أن ينتبه إلى فجوره أحد؟؟ لايمكن، مستحيل، ولا أحد يرغب في تجميل هاته العلنية القبيحة بتحويلها إلى أمر سري وقع لأننا جميعا لم نره ، أو مثلنا دور من لم يره. جميعنا رأينا ذلك القبو قبل أن يقع فيه كل ذلك القتل. جميعنا نعرف أنه ليس المكان الوحيد الذي يخفي فيه جشعون بلا ضمير فقراء عديدين، لايجدون طريقة للعيش سوى هاته العبودية القاتلة. جميعنا عشنا وسمعنا وعرفنا قصصا كثيرة تشبه قصة ذلك القبو القاتل، وجميعنا متواطئون لكي ننسى هذا الوجود أصلا إلى أن تذكرنا به فواجع مثل "روزامور" أو فاجعة طنجةالجديدة أو غيرها من الكوارث، إلى أن تصفعنا به، أو لكي نكون أكثر صراحة وننتهي من كل هذا الكذب المفضوح: لكي تقتلنا به فعلا الذين ماتوا يوم الإثنين الماضي ليسوا فقط الفقراء الهاربين من الحياة القاسية نحو القبو القاتل. الذين ماتوا يوم الإثنين الماضي مجددا، هم أنا وأنت وأنت وهاته النحن الجماعية الغارقة في تصفية حساباتها التافهة مع نفسها، الناسية أن هناك أناسا علنيين لانريد أن ننظر إليهم، ولا نريد أن نحس بوجوههم، لذلك نسميهم السريين ونمضي. هاته السرية انتهت الإثنين الفارط مع أصوات الراغبات والراغبين في النجاة من القبو القاتل. هاته السرية لا يجب أن نكتبها مجددا في بلاغاتنا مستقبلا، على أمل أن تكون هاته البلاغات قليلة لأن أخبار الحزن أكثرت علينا ولم تعد لنا طاقة بتحمل المزيد منها من الآن فصاعدا، كل قتل علني، كل تواطؤ في هذا القتل العلني يجب أن نعرف المتسببين فيه، بالأسماء والكنيات والأوصاف والصفات وبكل شيء، ويجب أن نتوقف عن الكذب على علنية هذا البؤس المتجول فينا بادعاء أننا لم نره أو لم ننتبه إليه، أو بالزعم الفاجر أنه مجرد...بؤس سري.