يبدو أن بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية حول المعامل الانتخابي قد كتب على وقع الافعال والاستعجال، حتى أنه في حيثيات مرافعته يورد وسائل دفاع هشة، إن لم نقل مثيرة للسخرية. ومن ذلك قوله إن اعتماد المعامل الانتخابي بناء على المسجلين في اللوائح الانتخابية يناقض فكرة أن تجرى الانتخابات على أساس برنامج سياسي. لنتفق بداية أن مسألة «البرنامج السياسي» مزايدة انتخابية بلا معنى، وأن الأصح هو «البرنامج الانتخابي»، البرنامج الأول فكرة يسارية ارتبطت بسياقات أخرى يريد البيجيدي اجترارها بشكل تعسفي، بينما البرنامج الثاني هو الأقرب إلى منطوق الدستور الذي يتحاجج به الحزب في التمسك باحتساب المقاعد على أساس فعل التصويت وليس التسجيل. بعد أن نتفق على ذلك، سنلاحظ أن البيجيدي انتقائي في قراءاته للعلوم السياسية مثل انتقائيته في التعامل مع الديمقراطية ونصوص الشريعة، وهي انتقائية غالبا ما تبتعد عن البراغماتية لتقترب أكثر من الإنتهازية، وذلك بالضبط ما حصل لنشطائه في قراءة مؤلف «علم السياسة» لصاحبه «دافيد إيستون». يأخذ البيجيديون من دافيد إيستون آلية «المدخلات» و«المخرجات» و«العلبة السوداء» في قراءة آليات اشتغال النظام السياسي، وبغض النظر عن تجاهلهم للانتقادات العلمية التي تعرض لها هذا النموذج وتردديه مثل الببغاوات، تراهم لا يتقدمون في قراءة باقي صفحات الكتاب. يورد إيستون نقط ضعف فكرة البرنامج الانتخابي، ومنها ارتهانه للظروف الطارئة التي تفرغه من كل معنى، وهذا ما نعيشه هذه الأيام مع الوباء، وأيضا خضوعه لتوافقات التحالفات التي تحول البرنامج الانتخابي الحزبي إلى برنامج آخر تتقاسمه وجهات نظر الأحزاب المتحالفة ما ينتج نص جديدا... لنتساءل فقط مع البيجيدي الذي يبشرنا ببرنامجه السياسي في الانتخابات: أين البرنامج الذي تقدم به إلى الناخبين سنة 2016؟ وقبل ذلك أين برنامج 2012؟ لقد تبخرت كأنها لم تكن، ومن أسباب ذلك أن كانت أحلاما طفولية غير واقعية سخر منها الحلفاء قبل الخصوم. ثم إن على البيجيدي الذي يخبرنا ب«البرنامج السياسي» أن يخبرنا أيضا أين ملامح برنامجه وسط التصريح الحكومي الذي تقدم به إلى البرلمان؟ أين الحدود الفاصلة بين تصورات الحزب وتصورات حلفائه الخمسة؟ على البيجيدي أن يحدد لنا في الواقع آثار برنامجه الانتخابي قبل أن يعدنا ببرنامج سياسي لن يتجاوز عتبة مقره المركزي في الرباط. ثم لنفكك هذه الفهلوة السياسية المسماة برنامجا سياسيا إلى أبعد حد: برامج إصلاح التعليم وضعت وانتهى الأمر، والأمر نفسه في التكوين المهني، ومنذ 2017 إلى اليوم حسمت المشاريع الملكية في آليات إرساء الحماية الاجتماعية ومنها التعويض عن فقدان الشغل والتقاعد والتغطية الصحية وحدد لها أفق 2021 للتنفيذ، وبرامج دعم الشباب وتشغليهم وضعت بتفصيل ممل وبأشد تفاصيل التمويل... أين سيكون البرنامج إذن يا سادة؟ ولنكن عقلاء أكثر، كيف ستنتج ما تسميه «برنامجا سياسيا» ونحن ننتظر خلاصات أشغال لجنة النموذج التنموي التي ستكون مرجعا مقيدا لكل السياسات العمومية والبرامج الحكومية؟ على أحدهم هناك أن يخبرنا عما إن كان يعد المغاربة في الانتخابات بأن يكون برنامجه «السياسي» أسبق من برنامج النموذج التنموي الجديد؟ فكرة البرنامج براقة، لكنها فارغة من كل مضمون، ولنقل إن وظيفة انتخابات 2021 ليست وضع البرامج، بل تقديم البروفايلات القادرة على تنفيذ ما هو موجود منها. ومشكلة البيجيدي هنا بالضبط: ليست لديه بروفايلات التنفيذ. ولذلك أسقطت حكومته معنويا وأخلاقيا يوم تمت الدعوة إلى تعديل حكومي من أجل الكفاءة، كان من نتائجه أن غادر قادة كبار في الحزب الحكومة من بابها الخلفي الصغير. ننتهي إلى ما يلي: إذا كنت ترفض احتساب المقاعد على أساس المسجلين في اللوائح، فلتقل لنا إن ذلك سيجعلك تفقد مقاعد برلمانية وحظوظك الحكومية، ولا تقل لنا إن ذلك سيلغي البرنامج السياسي ويؤدي إلى العزوف. هذا اسمه نصب سياسي وليس نقاشا في الدستور والديمقراطية.