حذّرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية من قدرة فيروس كورونا على إعادة تشكيل النظام العالمي، منبهةً من أنّ الصين تناور لتقود العالم في حين تفشل الولاياتالمتحدة الأميركية في التعاطي مع الوباء. في تقريرها، قارنت المجلة بين استجابة الولاياتالمتحدة الأميركية والصين للوباء، معتبرةً أنّ المؤسسات الحكومية الأساسية، انطلاقاً من البيت الأبيض ومروراً بوزارة الأمن الداخلي ووصولاً إلى مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها قوّضت الثقة بقدرة وكفاءة الحوكمة الأميركية. واستشهدت المجلة بتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتغريداته، مشيرةً إلى أنّها أثارت الشكوك في النفوس وأدت إلى حالة من الارتياب إلى حدّ كبير. وتابعت المجلة بالقول إنّ القطاعيْن العام والخاص أثبتا أنّهما غير مستعديْن لإنتاج الأدوات اللازمة للفحص والاستجابة وتوزيعها، مضيفةً: "وعلى المستوى العالمي، عزز الوباء نزعات ترامب إلى العمل بمفرده وكشف عن مدى انعدام استعداد واشنطن لقيادة استجابة العالم (للوباء)". وأوضحت المجلة أنّ وضعية الولاياتالمتحدة بصفتها قائدة للعالم على مدى العقود السبعة الماضية استندت إلى الثروة والنفوذ والشرعية المنبثقة من إدارة الولاياتالمتحدة للملفات الداخلية وتوفير المنافع العامة العالمية (السلع التي يحتاج العالم إليها) والقدرة والاستعداد لحشد وتنسيق الاستجابة العالمية للأزمات. وأضافت المجلة: "وباء فيروس كورونا يختبر عناصر القيادة الأميركية الثلاثة. وما زالت واشنطن تفشل في الاختبار حتى اللحظة". في المقابل، بيّنت المجلة أنّ الصين تتحرك بسرعة وبراعة لاستغلال الفجوات التي خلّفتها الأخطاء الأميركية، لافتةً إلى أنّها تعمل على ملء الفراغ لتتموضع كقائدة للعالم على مستوى الاستجابة للوباء. وأوضحت المجلة أنّ الصين تروّج لنظامها الخاص وتوفّر مساعدة مادية لبلدان أخرى، بل بلغت حدّ تنظيم عمل حكومات أخرى. وتابعت المجلة: "تدرك بكين أنّه إذا نُظر إليها على أنّها قائدة (للعالم)، وإذا نُظر إلى واشنطن عل أنّها عاجزة أو غير راغبة في لعب هذا الدور، فيمكن لهذا التصوّر أن يغيّر بشكل أساسي موقع الولاياتالمتحدة في المشهد السياسي العالمي من جهة، والسباق على القيادة (قيادة العالم) في القرن الحادي والعشرين من جهة ثانية". المجلة التي ذكّرت بتكتم الصين عن الإصابات بالفيروس في تشرين الثاني الفائت قبل نجاحها في السيطرة عليها مطلع الشهر الجاري، رأت أن بكين تحوّل حالياً علامات النجاح المبكرة إلى قصة أكبر تحكيها للعالم. وعلّقت المجلة بالقول إنّها قصة تجعل من الصين اللاعبة الأساسية على صعيد التعافي العالمي المقبل. وبالمقارنة بين الصينوالولاياتالمتحدة، تطرّقت المجلة إلى عجز الأخيرة عن إنتاج عدد ملائم من أجهزة الاختبار (أي أنّها فحصت عدداً قليلاً نسبياً من الأفراد)، مستدركةً بأنّ بكين- على نقيض الدول الأوروبية- لبّت نداء إيطاليا العاجل، إذ تعهّدت علناً بإرسال ألف جهاز تنفس اصطناعي ومليوني كمامة و100 ألف قناعِ واقٍ و20 ألف بدلة واقية و50 ألف جهاز اختبار. كما تطرّقت المجلة إلى إرسال الصين فرقاً طبية و250 ألف كمامة إلى إيران وإلى إرسالها معدات لصربيا، لافتةً إلى أنّ رجل الأعمال الملياردير، وهو المؤسس المشارك ل"علي بابا"، جاك ما، وعد أيضاً بإرسال 20 ألف جهاز اختبار و100 ألف كمامة لدول القارة الأفريقية. وفي تحليلها، اعتبرت المجلة أنّ الرئيس الصيني، تشي جي بينغ، يدرك أنّ توفير سلع عالمية قادر على تلميع أوراق اعتماد قيادة الصين الصاعدة للعالم، قائلةً: "ويوفّر فيروس كورونا فرصة لوضع هذه النظرية على مسار التنفيذ". وتابعت المجلة بالقول إنّ العالم يعتمد بشكل كبير على المنتجات الصينية في مواجهة كورونا، موضحةً أنّ الصين التي تُعد المنتجة الأساسية للكمامات الجراحية عززت إنتاجها أكثر من عشرة أضعاف وباتت قادرة على تزويد العالم بها. وأضافت المجلة بأنّ الصين تنتج نحو نصف الكمامات من طراز N95، وهي أساسية لحماية العاملين في القطاع الصحي، معتبرةً أنّ هذا الواقع يمنحها أداة أخرى على مستوى السياسة الخارجية. وتابعت المجلة بأنّ الصين تنتج الغالبية العظمة من المكونات الصيدلانية النشطة المستخدمة في صناعة الأدوية المضادرة للالتهابات الثانوية الناجمة من الإصابة بكورونا. في المقابل، بيّنت المجلة أنّ الولاياتالمتحدة تفتقد للمعدات والقدرة على تلبية احتياجاتها الخاصة، كاشفةً أنّه يُعتقد بأنّ المخزون الوطني الإستراتيجي الأميركي، وهو احتياطي البلاد من الإمدادات الطبية الحرجة، يحتوي على 1% فقط من الأقنعة وأجهزة التنفس وربما 10% من أجهزة التنفس اللازمة للتعامل مع الوباء. وهذا يعني أنّه يتعيّن على السلطات الأميركية استيراد الكميات اللازمة المتبقية من الصين أو زيادة الإنتاج المحلي منها، بحسب المجلة. وفيما ذكّرت المجلة بقيادة الولاياتالمتحدة الجهود الدولية إبان أزمة إيبولا بين العامين 2014 و2015، لفتت إلى أنّ إدارة ترامب ابتعدت عن لعب دور مماثل، مبيّنةً أنّها لم تبلّغ حلفاءها الأوروبيين بقرارها حظر سفر مواطنيهم إلى الأراضي الأميركية مسبقاً. وتابعت المجلة بأنّ الصين عمدت، على عكس الولاياتالمتحدة، إلى تقديم المساعدات للدول الموبوءة وعقد مؤتمرات عبر الفيديو لمشاركتها المعلومات اللازمة من أجل مكافحة الوباء. ورأت المجلة أنّ نجاح الصين في قيادة العالم يعتمد بقدر كبير على ما يحدث في واشنطن وما يحدث في بكين، لافتةً إلى أنّ الولاياتالمتحدة ما زالت قادرة على ترجيح كفتها إذا أثبتت قدرتها على القيام بما هو متوقع من أي قائد. وعليه، خلصت المجلة إلى القول إنّه يتعيّن على واشنطن إدارة المشكلة في الداخل وتوفير منافع عامة عالمية وتنسيق الاستجابة الدولية، مشيرةً إلى أنّ لعب دور القيادة سيتطلب التعاون مع الصين.