يوجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المعروف بلقبه الصغير بين الإسرائليين « بيبي »، في موقف محرج ولا يحسد عليه داخليا هاته الأيام. الرجل يصارع الوقت والزمن لكي يضمن حصانة قضائية تحميه من السجن، لا يتيحها له إلا الفوز مجددا بمنصب رئيس الوزراء. لذلك يراكم الخرجات التي يريد من خلالها أن يبيع للرأي العام الإسرائيلي الإحساس أو الوهم - الله أعلم - أنه الوحيد القادر على جلب المكاسب الكبرى تباعا لإسرائيل... لذلك سعى وبكل قوة إلى أن يكون قرب دونالد ترامب أثناء الإعلان عن صفقة السلام المقترحة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولذلك شدد على شكر السفراء العرب الثلاثة الذين حضروا التوقيع، ولذلك طار مباشرة إلى روسيا لكي يضمن تأيدا أو شبه تأييد من بوتين للخطة ولمساره السياسي المستقبلي، ولذلك يعمل بكل الدهاء السياسي الذي يمتكله والذي أتاح له طول العمر السياسي داخل إسرائيل إلى مضاعفة كل الجهود، وإلى بذل كل الخطوات من أجل أن يدخل الانتخابات المقبلة بأكبر قدر من الشعبية لدى الإسرائيليين هكذا يمكن فهم « الضغط » المقنع الذي يمارسه « بيبي » على المغرب في حكاية تأييد بلادنا أو عدم تأييدها لصفقة السلام المقترحة. وهو « الضغط » الذي أخذ في الأيام الأخيرة شكل ابتزاز غير مقبول نهائيا من طرف صحافة إسرائيلية معينة، ربط بين موضوعين لا رابط بينهما، هما موضوع وحدتنا الترابية وصحرائنا المغربية وموضوع القبول دون أي تحفظ بصفقة السلام الأمريكية المقترحة. المغرب لا عقد لديه في مجال السعي نحو السلام هذا. هو من الدول التي آمنت منذ وقت طويل، بأن الحل في المنطقة لن يكون إلا عبر حل الدولتين. وهو من الدول التي رعت كل مبادرات الحوار والسلام التي كانت تسمى في السابق تطبيعا، بسبب عقلية التضبيع المقنعة في الشعارات الفارغة التي حاولت جر العرب إلى الباب المسدود، الذي خسروا بموجبه جزءا كبيرا من فلسطين، إن لم يكونوا قد خسروها بالتمام والكمال. والمغرب من الدول التي تمتلك علاقات تاريخية جد متميزة مع اليهود، سواء إبان عهد الملك الراحل محمد الخامس الذي مد يد العون لهم إبان اضطهاد النازية لهم، أو إبان عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان مستوعبا لأهمية الرابط الذي يجمع اليهود المغاربة -أينما كانوا -ببلادهم الأم التي ظلوا منتسبين إليها دوما وأبدا مهما تجولت بهم ظروف الحياة، أو إبان العهد الحالي لجلالة الملك محمد السادس الذي يقدر الرافد العبراني وأهميته في الثقافة والهوية المغربيتين، ولعلنا عشنا منذ أيام قليلة ذلك الحدث الحضاري الرائع لبيت الذاكرة في الصويرة الذي حرص جلالة الملك على أن يدشنه فعليا، وأن يرسل من خلاله إلى المعمور كله الرسالة المغربية الأصل التي تعيد تذكير الجميع، أننا بلد الحضارة والحوا والتقاء الثقافات، وأننا لا نفعل ذلك من منطلق السعي نحو مكاسب سياسية عابرة، بل نفعله لأنه صلب شخصيتنا المغربية . كل هذا الكلام يصلح لكي نذكر « بيبي » ومنينصحون « بيبي »بالضغط من خلال قضية صحرائنا المغربية على المغرب أننا لسنا بلدا طارئا ولا محدثا ولا ساقطا من عدم، وأن مثل هاته الخطوات لن تنفع معنا نهائيا. لسنا شبيهين بدول إفريقية معينة ضغطت عليها إسرائيل بكل قوة، لكي تغير مواقفها من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولسنا حتى شبيهين بدول عربية تمكنت إسرائيل أن تلوي ذراعها في هاته الحكاية واستمالتها بهاته الطريقة أو بتلك... نحن لدينا مليون مغربي يعيشون في إسرائيل، يأتون إلى المغرب باستمرار ويعتبرونه وطنهم الأصل، ويضعون في منازلهم صور ملوكنا الثلاثة، ويحتفظون للعرش العلوي بكل الحب والتقدير والاحترام. ولنتخيل لو أن المغرب رد على الضغط بضغط مماثل واستقبل مثلا هنا في الرباط أو في مراكش أو في فاس خصم بيبي الأول زعيم حزب « كحول لفان » (أزرق- أبيض)بيني غانتز، وأرسل الرسالة إلى مواطنيه المغاربة في إسرائيل أنه يفضل غانتز على « بيبي » أونتنياهو فيالانتخابات المقبلة. الذين يعرفون الدولة العبرية جيدا يعرفون أن خطوة مثل هاته ستكون حاسمة على أكثر من صعيد. وغانتز نفسه يعرفها، ولكم تمنى أن يجد موطئ قدم هنا في المغرب من خلال استقبال، أو حضور نشاط أو شيء من هذا القبيل. لكن المغرب الذي ظل على نفس المسافة المتسمة بالعقل والهدوء مع هذا الصراع، والذي يدافع عن الشعب الفلسطيني وعن حقوق الشعب الفلسطيني، ويؤمن بالقدس مدينة للديانات الثلاث، ويهمه أيضا تحسن حال معيشة الفلسطينيين مثلما يهمه أمن إسرائيل وأمن المنطقة ككل، ظل يعتبر التدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي أمرا غير ممكن مهما بلغ الشطط بيمين إسرائيل في هذا المجال لذلك أيضا ظل الموقف المغربي مرتبطا بالموقف الفلسطيني، لعله السبب الذي جعل بلدنا يصادق في القاهرة وأثناء اجتماع القمة العربية على مشروع القرار الذي كتيه الفلسطينيون ومفاده أننا لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين لكننا لن نكون أقل فلسطينية منهم. ولذلك أخذ المغرب علمًا بالصفقة الأمريكية/ الإسرائيلية، وسيدرسها وسنرى.... لذلك لا بأس أن نهمس بها في أذن « بيبي » ونحن متأكدون أنها ستصل إليه، مترجمة بالعبرية، أو بالإنجليزية أو باللغة العربية التي يعرف القليل منها: إلعن الشيطان يا « بيبي » وتذكر أن المملكة المغربية لاتشبه غيرها من البلدان... تذكر فقط أن هذا البلد يسمى المغرب وأن علاقته الطيبة والأصلية باليهود ابتدأت قبل أن تولد أنت، وبعدها اضغط في كل الاتجاهات وبكل الطرق التي تريد...