يظهر أن قضية القضاة الأربعة، أعضاء نادي قضاة المغرب، ستدخل مرحلة جديدة من «الشد والجذب» بين الجمعية المهنية التي ينتمون إليها، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بعد إعادة إحياء مسطرة التأديب في حقهم، جراء ما كتبوه من تدوينات بمواقع التواصل الاجتماعي قبل حوالي سنة. وفي هذا السياق أشار رئيس نادي قضاة المغرب «عبد اللطيف الشنتوف» إلى أن «الأمر يتعلق بحرية التعبير المكفولة دستورا وقانونا لكل القضاة»، معتبرا «أن الإجراء الذي اتخذه المجلس الأعلى للقضاء جاء بعد الاجتماع معه لمرتين وتوضيح النادي لرؤيته والاتفاق على إجراء لقاءات دورية بين الطرفين». القضاة الأربعة المستهدفون بالمتابعة وكان المجلس الأعلى للسلطة القضائية شرع في تفعيل مسطرة التأديب في حق أربعة قضاة ضمنهم: عبد الرزاق الجباري القاضي بالقنيطرة، فتح الله الحمداني القاضي بالرباط، عفيف البقالي القاضي بالعيون، إضافة إلى قاض رابع، عقب نشرهم، قبل أكثر من سنة، تدوينات اعتبرها المجلس للسلطة القضائية تمس بوقار القاضي المطوق بواجب التحفظ، فيما يعتبر النادي أن هذه التدوينات تدخل في باب حرية التعبير المكفولة دستورا وقانونا. وتساءل القاضي الشنتوف في تدوينة له على صفحة النادي بالفايسبوك «لا ندري ما سبب هذا الإجراء الآن بعد سنة كاملة تقريبا من استدعاء الزملاء للمفتشية العامة بخصوص نفس الموضوع»، معتبرا أن «الإجراء اتخذ في حق قضاة لهم كفاءة عالية ومشهود لهم بالنزاهة والتفاني في عملهم»، مشيرا إلى أن «هذا الإجراء سوف تكون له آثار غير جيدة حسب تقديره على صورة القضاء ببلادنا، لكون التدوينات لا تمس لا بالأشخاص ولا بالمؤسسات، بل بعضها تتشبث بالمؤسسات وتدافع عنها». وقال الشنتوف في السياق ذاته «أتمنى أن يعالج هذا الموضوع من المؤسسة معالجة حكيمة»، مطالبا القضاة أن «يمارسوا في تعليقاتهم حريتهم في التعبير والتضامن دون انفعال»، مشيرا إلى أن «نادي قضاة المغرب سيواصل طريقه لأنه مؤمن برسالته في خدمة القضاء والقضاة»، معلنا استعداد النادي للوقوف إلى جانب القضاة المستهدفين بالتابعة «دفاعا عن حقهم في حرية التعبير التي كفلها دستور 2011 للقضاة»، يؤكد القاضي الشنتوف. وقد استغرب عدد من القضاة لهذه المتابعة التأديبية، خاصة أن «التدوينات لا تتضمن أي سب أو قذف أو أي اتهام لأسماء بعينها، وإنما هي تدوينات تحدث أصحابها بشكل عام وعن ظواهر يقر الجميع أنها موجودة في كل القطاعات وليس في القضاء فحسب»... جمعية الدفاع عن حقوق الانسان في بيان تضامني لها مع القضاة المذكورين استغربت «استدعاء القضاة الشباب الأربعة»، بغاية «الاستماع إليهم أمام المقررين بشأن تدوينات على الفضاء الأزرق»، «تتصل بحرية الرأي والتعبير»، حيث وصفت الجمعيات القضاة المستهدفين بالاستدعاء ب «ذوي الكفاءة المهنية والأخلاق الرفيعة»، «المشهود بها مهنيا»، وأن التدوينات التي تم استدعاؤهم من أجل «لا تمس في شيء لا واجب التحفظ ولا الأخلاقيات القضائية». وقد عبرت الجمعية عن «استغرابها وأسفها للمتابعات غير المنتظرة من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في حلته وفلسفته الجديدة»، التي قالت إن «الجميع كان يتوق إلى القطع مع ممارسات الماضي لوزارة العدل، التي تضرب في العمق حرية القضاة في التعبير كما هي مكرسة دستوريا ودوليا». وناشدت جمعية الدفاع عن حقوق الانسان «المجلس الأعلى للسلطة القضائية بوضع حد لهذه المتابعات، وتغليب المقاربة الدستورية والحقوقية في التعاطي مع حق القضاة في التعبير»، التي «بدونها تقول الجمعية لا يمكن الدفاع عن استقلالية القضاء، لا مؤسساتيا ولا فرديا»، معتبرة أن «القاضي الصامت والخائف لا يحمي حقا ولا حرية، ولا يعول عليه في صونهما». كما دعت الجمعية ذاتها المجلس الأعلى إلى «إشاعة ثقافة احترام حريية التعبير في الوسط القضائي»، و«الانتصار لآمال القضاة في صوتن حقوقهم وكفالة حرياتهم، ودعمها وليس إعاقتها، والنيل منها وتبخسيها».