بوابة الصحراء: حكيم بلمداحي انتهت أشغال المائدة المستديرة الثانية في قضية الصحراء الغربية المغربية، يوم الجمعة الماضي، دون كثير صجيج إعلامي. اللقاء، الذي اختار له المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر مكانا منعزلا وبعيدا عن الكاميرات بضاحية مدينة جنيف، جمع وفود المغرب والجزائر وموريتانيا وممثلي جبهة البوليساريو. وإذا كانت المحادثات قد تمت خلف أبواب مغلقة وبسرية هي اختيار ومنهجية اتبعها كوهلر، فإن بيان هذا الأخير عقب اختتام اللقاء قد أعطى مؤشرات جديدة في ملف قضية الصحراء، أهمها تركيز بيان كوهلر على تعبير وفود عوض طرفي نزاع، مما يبين أن الملف أخذ طريقه نحو الإقرار بأن النزاع حول الصحراء المغربية هو نزاع مغربي جزائري بالدرجة الأولى، وهو بشكل أساس نزاع المنطقة بشكل عام. كما أقر تصريح كوهلر بأن هذا النزاع له تأثير على المنطقة المغاربية، وأن «هناك إجماعا على أن المغرب الكبير سيستفيد بشكل كبير من حل قضية الصحراء». وعلى الرغم من عدم تسريب تفاصيل كثيرة حول ما دار في مائدة جنيف 2، إلا أن تلميح كوهلر إلى أن الحل مازال بعيدا يعطي الانطباع عن تباعد وجهات النظر بين الأطراف. وهذا الأمر ليس مفاجئا اعتبارا من الموقف الجزائري أساسا، والذي ظهر من خلال تحركات رئيس دبلوماسيتها قبيل انعقاد المائدة المستديرة، وتصريحاته. رمطان لعمامرة، الذي تعيش بلاده على وقع حراك رافض للنظام، الذي يمثله لعمامرة نفسه، حاول أن يصعد من الموقف وهو يروج للطروحات البائدة التي لم تعد تقنع المنتظم الدولي بخصوص قضية الصحراء. طبيعي أن يصعد لعمامرة من موقف حكام الجزائر الحاليين، المرفوضين شعبيا، لأن الجزائر اليوم في منعطف حاسم قد يكون قنطرة خلاص الشعب الجزائري من كماشة الاستبداد والفساد والحقد، وهذا طبعا يخلص منطقة الجوار من أزمات مفتعلة منها قضية الصحراء المغربية. جبهة البوليساريو نفسها تعيش مرحلة وهن شديد لارتباطها أساسا بجينرالات الجزائر ومخابراتها، وأيضا لوجود رفض شعبي من قبل سكان مخيمات تيندوف لقيادة الجبهة لفسادها وتسلطها وعدم امتلاكها لاستقلالية القرار، اعتبارا من أن قيادة البوليساريو، منذ اغتيال الولي مصطفى السيد، ليست سوى بيادق في رقعة لعب حكام الجزائر ومخابراتها. من خلال لقاء جنيف الثاني يمكن استنتاج أن ملف الصحراء المغربية قد يجد طريقه نحو التسوية، فقط، عندما تدعن الجزائر للشرعية الدولية والتاريخية والواقعية أيضا. ويبقى الحل رهينا بانعتاق سكان تيندوف المتحدرين من الأقاليم الجنوبية المغربية، من خلال مقترح الحكم الذاتي الذي يعتبر سقفا لا عتبة فوقه. وهذا السقف يتماشى مع مفهوم تقرير المصير كما تحدده الشرعية الدولية. بالنسبة للمملكة المغربية، لا وجود لأكثر من الحكم الذاتي، لأن لا التاريخ ولا الجغرافيا ولا المنطق والعقل يقبل بإقحام كيان جنوب المغرب مهما كان الثمن. تبقى مسألة عدالة القضية المغربية حقيقة لا غبار عليها، ومن المرجح أن لتنصيص كوهلر على تعبير الوفود بدل المغرب وجبهة اليوليساريو، دلالة على أن الانزياحات التي يرغب حكام الجزائر دفع الملف لها قد بدأت في التلاشي. فهل ينهي كوهلر ثنائية النزاع كما أنهى جيمس بيكر مسلسل الاستفتاء؟