«لن يكون من الحكامة في شيء أن صدر مؤسسة الوسيط توصية بعد مسار بحثي أو تفاوضي لفائدة المواطن، لتقول له الإدارة، بكل هدوء لقد أخذت علما بذلك، اذهب إلى القضاء، ليبدأ في مسلسل التقاضي من جديد لاستصدار حكم لصالحه، تكون نتيجته تأكيد ما سبق أن أوصى به الوسيط، ولن تكون من الحكمة في شيء أن تستمر المؤسسة في رصد نفس المواضيع والاشكاليات التي سجلت في تقاريرها السنوية»...، هكذا اختار وسيط المملكة الجديد مخاطبة عموم من حضروا الندوة التي احتضنها قاعة «خوان غويتسولو» بالمعرض الدولي، مؤكدا أنه «إذا كانت الإدارة في أحوال كثيرة تماطل في تنفيذ التوصيات التي يصدرها وسيط المملكة، فقد ماطلت قبل ذلك في تنفيذ الأحكام القضائية بما لها من قوة الجبر..»، ليخلص إلى التساؤل بالقول «هل هذه هي الإدارة التي نريد..؟». «محمد بنعليلو» قال إن «مؤسسة الوسيط» سبق أن «وقفت عند مجموعة من الاختلالات المؤثرة على حكامة الأداء الإداري، ورفعت بشأنها توصيات واقتراحات»، قبل أن يضيف أن «منها ما بادرت الإدارة إلى تنفيذه، ومنها مايزال يعرف تعثرا في الاستجابة». وفي شرحه لمبررات عدم تنفيذ اقتراحات وتوصيات «مؤسسة الوسيط»، قال إن ذلك يعود «أحيانا إلى الإكراهات المالية، وأحيانا بمبررات غير معقولة»، أجملها وسيط المملكة في «ضعف الحكامة، وهيمنة بعض العقليات والممارسات السلبية على العمل الإداري»، مشير إلى أن عدم مبادرة الإدارة إلى تنفيذ الاقتراحات «يترجم كون بعضها لم تستوعب بعد مبررات إحداث المؤسسة وطبيعة دورها». وقد اعتبر وسيط المملكة أن «استمرار مسؤول إداري في التمسك بموقف اتخذه كان موضوع توصية أكدت عدم مشروعيته، يمكن أن يصنف ضمن التهاون المقصود في الجواب عن التوصيات الموجهة لإدارته». وسيط المملكة، «محمد بنعليلو»، الذي كان يتحدث خلال مشاركته بندوة أقيمت على هالمش المعرش الدولي للكتاب والنشر بالدارالبيضاء، حول «مؤسسة وسيط المملكة دعامة لتكريس الحكامة الإدارية»، قال إن «المأمول في علاقات «الوسيط» المؤسساتية (مع ما ينبغي من ضمانات الاستقلالية)»، هو «جعل توصيات ومقترحات مؤسسة وسيط المملكة، رافدا في توجيه استراتيجية وبرامج الإدارة نحو الاهتمام أكثر بقضايا المواطنين، وإحقاق حقوقهم المشروعة»، و«جعل التوصيات والاقتراحات الموجهة إلى مختلف القطاعات الحكومية ومختلف أجهزة الإدارة المعنية، موجها لآلياتها التنظيمية ومشاريعها التشريعية من أجل تعديل القواعد القانونية المتجاوزة أو تفسير الغامض منها أو تتميم تلك التي تعرف قصورا يسبب تطبيقها الصارم حيفا للمواطنين»، كما تبقى من أهداف توصيات هذه المؤسسة «إصلاح الإجراءات الإدارية والعمل على تغيير السلوكيات والممارسات»، وحتى «العقليات»، حسب ما أشار إليه بنعليلو. وقد أكد وسيط المملكة على أن «هدف تكريس الحكامة الإدارية، بالرغم مما أسسته هذه المؤسسة من قواعد يمكن الاعتماد عليها في تدبير الشأن الإداري، يحتاج إلى تفاعل أكبر للإدارة مع هذه المؤسسة وتجاوبها مع تدخلاتها واقتراحاتها»، مشيرا إلى أن «مؤسسة الوسيط» سبق لها أن «أصدرت عددا من التوصيات بمناسبة البت في التظلمات»، حيث «كان المفروض أن تحسم العديد من الإشكاليات التي تواجه مرتادي الإدارة، وأن تؤسس لثقافة تعامل إداري جديد يساير التطلعات والأهداف المنشودة»، قبل أن يضيف أن «المؤسسة لازالت تتوصل بنفس الشكايات مما يعني بالضرورة أن المواطن لازال يعاني من نفس المشاكل». وقال بنعليلو إنه إذا «ما استثنينا التوصيات المتعلقة بتنفيذ بعض الأحكام (التي تتذرع الإدارة في شأنها بمبررات الميزانية)، فإن عدة مجالات من قبيل المشاكل المرتبطة بتصاميم التهيئة، وفرض الرسوم، وترتيب الآثار عن إلغاء المقررات الإدارية...، كلها مواضيع لازالت تلقي بظلالها على منسوب ثقة المرتفق في المرفق العام، وتمس في العمق مقومات الأمن الإداري، وحكامة تدبير المرفق العمومي كإحدى ركائزه». وبخصوص التلويح ب «عدم إلزامية توصيات الوسيط في النقاش الدائر حول مدى قوة قرارات وتوصيات المؤسسة»، أكد بنعليلو على ما وصفه ب «الإلزام الدستوري والمعنوي والأخلاقي لهذه التوصيات»، معتبرا أن الأمر «ليس أكثر من نقاش تقني خارج السياق»، ومشيرا إلى أن «مؤسسة الوسيط لا تملك (بل ولا ينبغي للمؤسسة أن تملك) وسائل جبرية لتنفيذ توصياتها بمفهوم المسطرة المدنية»، لسبب بسيط هو أن «البحث عن وسائل الجبر إقرار مبطن ب (أحقية الإدارة في الامتناع عن التنفيذ). وهو ما فسره ب «استنساخ للنقاش الذي أفرزه عدم تنفيذ الأحكام والقرارات الإدارية، والذي تعتبر المؤسسة سندا جديدا للمساعدة على حله». كما أكد وسيط المملكة خلال اللقاء ذاته على أن «مناقشة تنفيذ أو عدم تنفيذ توصيات الوسيط، في مجتمع يدافع عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، يجب أن تتم من زاوية المسؤولية السياسية والمجتمعية والإدارية قبل البحث عن وسائل التنفيذ الجبري الأخرى بمنطق الحجز والغرامة التهديدية وتجريم عدم التنفيذ...»، معتبرا أن «إلزامية التوصيات تستمد من طبيعية الدور المنوط بالمؤسسة ضمن الهيئات الدستورية المكلفة بالحكامة وبحماية حقوق الإنسان والنهوض بها»، مؤكدا أن «منطق تنفيذ توصيات الوسيط لا ينبغي أن ينظر إليه في علاقته بالموظف المعني فقط، وإنما يجب أن ينظر إليه من زاوية تراتبية تضم رئيس الحكومة (في إطار مهامه الإشرافية) بعدما يطلعه الوسيط، بحالات امتناع الإدارة عن الاستجابة لتوصياته، وبملاحظاته في شأن موقفها والإجراءات التي يقترح اتخاذها، والوزير المعني باعتباره رئيس الإدارة، فضلا عن المهام الرقابية التي قد يمارسها البرلمان على الحكومة بعد عرض الملخص التركيبي لمضامين التقرير السنوي عليه عبر آليات الرقابة