عملت الحكومة المغربية على إعداد مشروع القانون الإطار رقم 51.17، وذلك تفعيلا لتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الواردة في خطابه الذي وجهه جلالته إلى الأمة بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش في 30 يوليوز 2015 ، حيث جاء في الخطاب الملكي : "... في سياق الإصلاحات التي دأبنا على القيام بها من أجل خدمة المواطن، يظل إصلاح التعليم عماد تحقيق التنمية، ومفتاح الإنفتاح والإرتقاء الإجتماعي، وضمانة لتحصين الفرد والمجتمع من آفة الجهل والفقر، ومن نزوعات التطرف والإنغلاق.لذا، ما فتئنا ندعو لإصلاح جوهري لهذا القطاع المصيري، بما يعيد الاعتبار للمدرسة المغربية، ويجعلها تقوم بدورها التربوي والتنموي المطلوب.ولهذه الغاية، كلفنا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتقييم تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبلورة منظور استراتيجي شامل لإصلاح المنظومة التربوية ببلادنا.ولفهم ما ينبغي أن يكون عليه الإصلاح، نطرح السؤال : هل التعليم الذي يتلقاه أبناؤنا اليوم، في المدارس العمومية، قادر على ضمان مستقبلهم ؟.وهنا يجب التحلي بالجدية والواقعية، والتوجه للمغاربة بكل صراحة : لماذا يتسابق العديد منهم لتسجيل أبنائهم بمؤسسات البعثات الأجنبية والمدارس الخاصة، رغم تكاليفها الباهضة؟.الجواب واضح : لأنهم يبحثون عن تعليم جيد ومنفتح يقوم على الحس النقدي، وتعلم اللغات، ويوفر لأبنائهم فرص الشغل والانخراط في الحياة العملية. وخلافا لما يدعيه البعض، فالإنفتاح على اللغات والثقافات الأخرى لن يمس بالهوية الوطنية، بل العكس، سيساهم في إغنائها، لأن الهوية المغربية، ولله الحمد، عريقة وراسخة، وتتميز بتنوع مكوناتها الممتدة من أوروبا إلى أعماق إفريقيا. ورغم أنني درست في مدرسة مغربية، وفق برامج ومناهج التعليم العمومي، فإنه ليس لدي أي مشكل مع اللغات الأجنبية.والدستور الذي صادق عليه المغاربة يدعو لتعلم وإتقان اللغات الأجنبية لأنها وسائل للتواصل، والإنخراط في مجتمع المعرفة، والإنفتاح على حضارة العصر، كما أن الأجانب يعترفون بقدرة المغاربة وبراعتهم في إتقان مختلف اللغات. لذا، فإن إصلاح التعليم يجب أن يظل بعيدا عن الأنانية، وعن أي حسابات سياسية ترهن مستقبل الأجيال الصاعدة، بدعوى الحفاظ على الهوية.فمستقبل المغرب كله يبقى رهينا بمستوى التعليم الذي نقدمه لأبنائنا. ومن هنا، فإن إصلاح التعليم يجب أن يهدف أولا إلى تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات، وإتقان اللغات الوطنية والأجنبية، لاسيما في التخصصات العلمية والتقنية التي تفتح له أبواب الاندماج في المجتمع، كما أن الإصلاح المنشود لن يستقيم إلا بالتحرر من عقدة أن شهادة الباكالوريا هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للتلميذ وأسرته، وأن من لم يحصل عليها قد ضاع مستقبله".(انتهى الخطاب الملكي).. ويشكل هذا المشروع الذي صادق عليه المجلس الوزاري في غشت المنصرم 2018، أول قانون يهم التعليم في بلادنا، حيث سيضمن استمرارية تطبيق الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030 وهو بمثابة تعاقد بين مكونات المجتمع التي يجب عليها الالتزام بتطبيق مقتضياته. كما يأتي لتحديد المبادئ والأهداف الأساسية لسياسة الدولة واختياراتها الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا آليات تحقيق هذه الأهداف، خاصة تلك التي تتعلق بمكونات المنظومة وهيكلتها، وقواعد تنظيمها وتدبيرها وتمويلها، وسبل الولوج إلى خدماتها، فضلا عن تحديد أدوار ومسؤوليات كل طرف معني بقطاع التعليم. ويستند هذا المشروع على مجموعة من المرجعيات في مقدمتها مجمل أحكام الدستور ذات الصلة بمجال التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، والخطب الملكية منذ سنة 2012، بالإضافة إلى الاتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها ذات الصلة بالقطاع من جهة، وبحقوق الطفل والمرأة، والمساواة بين الجنسين، وحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة من جهة أخرى. كما يعتمد على الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، وعلى مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بوصفه لا يزال يمثل إطارا مرجعيا للإصلاح، مع ما يقتضيه ذلك من تطوير وملاءمات. ويروم مشروع القانون - الإطار رقم 51.17 تحقيق الأهداف المرسومة لإصلاح المنظومة كما حددتها الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 " من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والإرتقاء" والمتمثلة في إرساء ركيزتي المساواة وتكافؤ الفرص وتحقيق شرط الجودة للجميع على أرض الواقع. وتصب في اتجاه ترسيخ الثوابت الدستورية للأمة من أجل توطيد روح الإنتماء للوطن وترسيخ قيم المواطنة والمبادرة لدى المتعلم المغربي، والإسهام في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة عبر الاندماج في الحياة العملية والمشاركة الفاعلة في الأوراش التنموية للبلاد. وينص المشروع على إلزامية التعليم وتعميمه باعتباره حقا وواجبا، حيث نصت المادة 43 منه على ضمان الدولة لمجانية التعليم الإلزامي من 4 سنوات إلى 16 سنة، وبمقتضى هذه المادة "لا يحرم أحد من متابعة الدراسة بعد هذا التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة إذا ما استوفى الكفايات والمكتسبات اللازمةّ". وفي إطار مبادئ التضامن الوطني نصت المادة 44 من المشروع على إحداث صندوق خاص لدعم عمليات تعميم التعليم الإلزامي وتحسين جودته وذلك بموجب قانون المالية، ستموله الجماعات الترابية والمقاولات والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص وباقي الشركاء. كما ستسهر الدولة على اتخاذ التدابير اللازمة لتمكين المتعلمين في مختلف مستويات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي من الإستفادة من الخدمات الإجتماعية، كخدمات الإيواء والإطعام والتغطية الصحية والمنح الدراسية والقروض الدراسية قصد متابعة الدراسات العليا. كما نص على أن الأسر الميسورة ستساهم بدورها في تمويل التعليم بالقطاع العام تدريجيا عبر أداء رسوم التسجيل بالنسبة للطلبة في الجامعات وكذلك بالنسبة للتلاميذ في التعليم الثانوي التأهيلي. ويحظى اعتماد اللغة العربية في التدريس بالأهمية القصوى في هذا المشروع، وذلك من خلال تنصيص المادة 28 منه على اعتماد اللغة العربية كلغة أساسية للتدريس مع مراجعة عميقة لمناهج وبرامج تدريس اللغة العربية وتجديد المقاربات البيداغوجية والأدوات المعتمدة في تدريسها. وبذلك فالمشروع يحرص على احترام ما جاء في الفصل 5 من الدستور المغربي وما نصت عليه الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030، التي أكدت على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، ولغة معتمدة في تدبير الشأن العام، ومقوم أساسي من مقومات الهوية المغربية، علاوة على كونها اللغة الأساس والأولى للتمدرس، وأن تعزيزها وتنمية استعمالها في مختلف مجالات العلم والمعرفة والثقافة والحياة، كان وما يزال طموحا وطنيا كما جاء في المادة 110 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبالتالي يتعين تقوية وضعها وتنميتها، وتحديثها وتبسيطها، وتحسين تدريسها وتعلمها، وتجديد المقاربات والطرائق البيداغوجية ذات الصلة بها. ووفقا لهذا التوجه، حرص واضعو المشروع، على تنزيل الهندسة اللغوية المعتمدة في المناهج والبرامج والتكوينات المختلفة ليتمكن المتعلم من إتقان اللغتين الرسميتين(العربية والأمازيغية) واللغات الأجنبية، ولاسيما في التخصصات العلمية والتقنية، مع تعزيز وضع اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية باعتبارها لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة ، كل ذلك في سبيل إرساء تعددية لغوية مفيدة للتلاميذ في مستقبلهم والتي ستجعل المتعلم المغربي الحاصل على الباكالوريا متقنا للغة العربية و قادرا على أن يتواصل بالأمازيغية ومتمكنا من لغتين أجنبيتين على الأقل. كما يثمن المشروع احترام حرية الإبداع والفكر، ويهدف إلى تحسين جودة التعلمات وتطوير الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك بالرفع من نجاعة أداء الفاعلين التربويين والنهوض بالبحث التربوي. وقد نص أيضا على محاربة الهدر والانقطاع المدرسيين بكل الوسائل المتاحة، مع توسيع نطاق تطبيق أنظمة التغطية الإجتماعية لفائدة المتعلمين من ذوي الإحتياج قصد تمكينهم من الإستفادة من خدمات اجتماعية تساعدهم على متابعة دراستهم في ظروف مناسبة وملائمة. ويركز مشروع القانون من أجل تحقيق أهداف المنظومة، على تنظيم وإعادة ضبط وهيكلة مكوناتها بقطاعيها العام والخاص وعلى إقامة الجسور بين مكوناتها ومستوياتها من جهة، وبينها وبين محيطها الإقتصادي والإجتماعي والمهني والعلمي والثقافي من جهة أخرى. كما يؤكد على أهمية تسهيل وتنظيم عملية الولوج إلى المنظومة وعلى إتاحة آليات الاستفادة من خدماتها، عبر مجموعة من التدابير والإجراءات الهادفة إلى التمكين من الاستفادة من كل الخدمات الإجتماعية على جميع المستويات.