خامسا: عدم تفعيل تقنية تدبير أموال الزوجية مع الحفاظ على استقلال الذمة المالية للزوجين لقد أقرت المادة 49 من مدونة الأسرة آلية جديدة لإدارة أموال الزوجية دون المساس بمبدأ الوحدة المالية لأطراف العلاقة الزوجية، إلى ذلك تنص المادة المذكورة: «... لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها. يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج. يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر. وعلى ضوء هذا المعطى، فإن الزوج لا ولاية له على أموال زوجته، فللمرأة حريتها الكاملة في التصرف في مالها دون رقابة الزوج، والعكس صحيح، فكل منهما يستقل بذمته المالية على مستوى الإشراف والتسيير والتدبير مع المحافظة على الالتزامات والحقوق المالية المفروضة على الزوج بمقتضى الثوابت الشرعية. ثانيا: إمكانية الاتفاق بين طرفي الزوجية على صيغة محايدة لتدبير أموال الزوجية واستثمارها وتوزيع مداخيلها بينهما. ثالثا: ضرورة تضمين الاتفاق التبادلي بين الزوجين في هذا الشأن متى حدث، في عريضة مستقلة عن وثيقة الزواج، ويحوي هذا الالتزام تفاصيل الاتفاق وشروط تنفيذه، كما يتضمن كيفية توزيع الأموال المكتسبة أثناء الزوجية أو تدبيرها أو استثمارها. رابعا: يتعين على العدلين بصفة تلقائية إشعار طرفي عقد النكاح بمقتضى الأحكام الجديدة لتدبير أموال الزوجية حتى يكونا على بينة من أمرهما بشأن تصريف أموال الزوجية واستثمارها، وضرورة تقيدهما مستقبلا بهذا الشرط الاتفاقي. خامسا: إقرار مبدأ الرجوع للقواعد العامة في الإثبات في تقييم المكتسبات المالية للزوجين في حالة غياب التزام اتفاقي لإدارة أموال الزوجية أو الأموال المكتسبة خلالها، حيث يتم مراعاة المجهود الذي بذله كل من الطرفين في تنمية أموال الأسرة. بيد أن الممارسة الميدانية، كشفت بما لايدع مجالا للشك محدودية التطبيق الفعلي لهذا المقتضى التشريعي، لدرجة أنه نادرا ما نجابه بعقد نكاح، أو عريضة ملحقة ومستقلة عن وثيقة الزواج، متضمن لصيغة موحدة لتدبير أموال الزوجية واستثمارها وتوزيع مداخيلها بينهما، وهذا راجع بالأساس إلى الدور السلبي للعدلين في عدم تفعيل هذا المقتضى التشريعي، اذ أصبح إشعار طرفي عقد النكاح بمقتضى الأحكام الجديدة لتدبير أموال الزوجية حتى يكونا على بينة من أمرهما بشأن تصريف أموال الزوجية واستثمارها، وضرورة تقيدهما مستقبلا بهذا الشرط الاتفاقي، مجرد إجراء شكلي مضمن بالعقد دون حقيقة إثارته أمام الزوجين عند العقد. ونقترح كبديل إسناد اختصاص الأشعار للقاضي عند البت في طلب الإذن بالزواج، حيث ينص منطوقه في تنصيص مواز ما يفيد حقيقة هذا الإشعار، خاصة أمام صعوبة الإثبات في تقييم المكتسبات المالية للزوجين في حالة غياب التزام اتفاقي لإدارة أموال الزوجية أو الأموال المكتسبة خلالها، وكيفية مراعاة المجهود الذي بذله كل من الطرفين في تنمية أموال الأسرة في إطار قواعد إثباتية فقهية متقادمة مرتبطة أساسا بدعاوي الكد والسعاية. الإشكالات ذات الطابع الإجرائي: على غرار الإشكالات الموضوعية، فإن التطبيق العملي والممارسة الميدانية لنصوص مدونة الاسرة على مستوى الدوائر القضائية لمختلف محاكم المملكة، أفرزا مجموعة من الاشكالات المسطرية والإجرائية أثناء البت في مختلف الخصومات الشرعية المعروضة على أنظار القضاء الشرعي ومن جملتها نرصد ونخص بالذكر: أولا: التضارب الحاصل بين مقتضيات المادة 190 من مدونة الأسرة والقواعد للاستدعاء وتأثيرها على الحسم في خصومات النفقة نظرا للأهمية والخصوصية الاستثنائية لقضايا النفقة وما تستلزمه من استعجال على مستوى إجراءاتها المسطرية لارتباطها بالمستلزمات المعيشية الآنية لمن له الحق فيها، وحفاظا على وحدة الكيان الأسري. وبالنظر إلى سبقية الاطلاع على الملفات ودراستها قبل الجلسة من قبل القاضي المكلف، واستقراء مختلف الوثائق المضمنة بالملف ودراسة الدفوعات الموضوعية والنظامية المتمسك بها من قبل أطراف الخصومة الشرعية وتوخيا للسرعة أثناء البت في هذه العينة من القضايا، فقد دأبت مجموعة من المحاكم على اتخاذ تدابير مسطرية عملية من أجل تسريع وتيرة البت في هذه العينة من القضايا. بل إن المحكمة الابتدائية بتطوان –كنموذج- في قضايا النفقة اتخذت منهجا جديدا يتماشى والخصوصية الاستعجالية لقضايا النفقة، حيث أضحت تعمل على حجز جميع القضايا الجاهزة للبت فيها للتأمل لجلسة اليوم نفسه، وعلى أبعد تقدير وفي حالات استثنائية خاصة لمدة أسبوع. أما بخصوص الأوامر التمهيدية القاضية بأداء اليمين المتممة كإجراء من إجراءات التحقيق طبقا للفصول 88،87،86،85 من (ق م م) أو يمين ترجيح الحجة طبقا للقواعد الفقهية، فإن التأمل بشأنها يكون بنفس الجلسة. غير أن ذلك لايمنع من وجود بعض الصعوبات الميدانية أثناء البت في قضايا النفقة وتطبيق مقتضيات المادة 190من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية التي تنص على وجوب البت في هذه العينة من القضايا في أجل لايتعدى شهرا واحدا، ومنها خاصة صعوبات التبليغ ورجوع أكثر من 99.5 ٪ من الاستدعاءات الموجهة لأطراف الخصومة الشرعية عن طريق أعوان المحكمة، إذ ترجع شهادات التسليم بدون جدوى ومشفوعة بعبارات تشترك في نتيجة واحدة وهي عدم التوصل من قبيل: عدم العثور على المعني بالأمر أو عدم الاهتداء إليه بدون جدوى... أو طرقنا باب المعني بالأمر فلم نجد أحدا... وبالمناسبة فهي نفس الاستدعاءات التي تبلغ بصفة نظامية وقانونية إلى أصحابها وبنفس العنوان اثر إشرافهم على التبليغ بطلب منهم، بواسطة المفوضين القضائيين المستقلين. وهو الامر الذي حدا بالمحكمة إلى اللجوء إلى تجهيز ملفات هذه القضايا عن طريق تفعيل مسطرة القيم استنادا لمقتضيات المادة 39 - 334 من (ق م م) أو إعمال مقتضيات المادة 47 في فقرتها الرابعة، عن طريق اعتبار القضية جاهزة والبت فيها في غياب المطلوب في الدعوى متى تم استدعاؤه لعدة جلسات دون جدوى بغية تفادي التراكم المجاني للملفات، وتسريع وتيرة التقاضي من أجل سرعة البت في قضايا النفقة... وتتكرس هذه الإشكالية أكثر في حالة وجود المطلوب في الدعوى خارج التراب الوطني، حيث تستغرق عملية استدعائه بواسطة الطريقة الديبلوماسية حيزا زمنيا طويلا يتنافى والطابع الاستعجالي لهذه القضايا التي تشكل حيزا لا يستهان به من القضايا المعروضة على أنظار محاكم المملكة. اشكالية استدعاء الطرف المقيم بديار المهجر بواسطة النيابة النيابة العامة تثور هذه الإشكالية خاصة في قضايا حل ميثاق الزوجية بالطلاق وكذا قضايا التعدد، فالبنسبة للنوع الأول تنص المادة 81 من مدونة الأسرة على انه تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح بينهما فاذا توصل الزوج شخصيا بالاستدعاء ولم يحضر، اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه. وإذا توصلت الزوجة شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر، ولم تقدم ملاحظات مكتوبة، أخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر سيتم البت في الملف. لكن ما العمل في الحالة التي توجد فيها مثلا الزوجة خارج التراب الوطني والتي سبق استدعاؤها شخصيا بالاستدعاء بواسطة الطريقة الديبلوماسية ولم تحضر؟ فكيف يمكن للمحكمة أن تخطرها عن طريق النيابة العامة، علما بأنها توجد خارج التراب الوطني. ونفس الشيء بالنسبة لدعاوي طلب التعدد، حيث تنص المادة 43 من المدونة على أنه تستدعي المحكمة الزوجة المراد التزوج عليها للحضور. فإذا توصلت شخصيا ولم تحضر أو امتنعت عن تسلم الاستدعاء، توجه إليها المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط إنذاراً تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر في الجلسة المحدد تاريخها في الإنذار، سيبت في طلب الزوج في غيابها. كما يمكن البت في الطلب في غيبة الزوجة المراد التزوج عليها، إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه... وختاما نشير إلى أنه إذا كان القانون الجديد لمدونة الأسرة مؤهلا بنسبة كبيرة لرفع شعار التحدي والتحديث والإصلاح، غايته في ذلك إصلاح أوضاع أسرية مهمشة وإعادة التوازن الأسري، وتقوية تماسك النسيج العائلي الذي طالما عانى من مظاهر التفكك والتلاشي جراء وجود نصوص قانونية متهالكة جامدة ومتجاوزة... فإنه يتعين بموازاة ذلك التذكير بأن إعادة النظر في هيكلة النصوص التشريعية الشرعية وتناولها بالإصلاح، سواء تعلق الأمر بالتعديل الجزئي أو التغيير الجذري لا يمكن مهما بلغت دقة صياغته وجدية محتواه، أن يؤتي أكله بالشكل المنتظر منه في غياب عمل قضائي موحد للارتقاء بأداء القضاء الأسري وغياب آليات قضائية مؤهلة ومتخصصة تكون قادرة على ترجمة تطلعاته على أرض الواقع العملي... وأيضا في غياب عقلية مواطنة متفتحة ومتنورة مؤهلة لاستيعاب النص بروحه وأبعاده ودلالاته، خاصة أن إصلاح الوسط الأسري الوطني هو مسألة متشعبة، تتداخل في تركيبتها وتتفاعل مجموعة من الاعتبارات تتراوح بين ما هو مؤسساتي وما هو قانوني وما هو تربوي... فالإصلاح الشرعي كمفهوم سوسيو- قانوني ومبتغى قومي وطني، ينطلق بالأساس من أصالة الأمة ومرجعيتها الدينية المتجددة لا الجامدة، والتي تأخذ من مبدأ إعمال الاجتهاد والمرونة أساس استمراريتها ووجودها، سواء تعلق الأمر باجتهادات انتقائية تبحث عن حلول لمشاكل معاصرة بالعودة إلى التراث الفقهي الإسلامي... أو اجتهادات إبداعية مستحدثة، لا مرجع لها بالتأصيل الشرعي، تتخذ لها كأساس مبدأ القياس ودرء المفسدة وسد الذريعة في إطار مقاربة تزاوج بين مبدأ مواكبة روح العصر وبين عدم التفريط في الثوابت الإسلامية. انتهى